في رائعة نجيب محفوظ "بداية ونهاية"، كانت وفاة الأب معيل الأسرة بداية الانحدار من الطبقة الوسطى - يسميها المصريون الطبقة المستورة - إلى الطبقة الفقيرة. أولى علامات التقشّف الذي فرضته الأم على أبنائها هو أن يتنازل التلميذان الشابان عن وجبة الإفطار في المنزل ويكتفيان بالغذاء الذي تصرفه لهما المدرسة الحكومية حيث يدرسان.
ارتبطت الرواية المأساوية بفترة الحرب الثانية والأزمة الاقتصادية التي عاصرتها، لكنّ ملامح الفقر وسماته ما زالت واحدة. عندما يضرب الفقر الأسرة، يكون الغذاء أوّل ما يتأثر به. وهو أمر مشترك بين كل البلدان الغنية والفقيرة، وإن كان في الأخيرة أكثر وضوحاً.
في دراسة قامت على مسح شمل نحو 1500 أسرة تعاني من الحرمان الشديد في مدن بوسطن وشيكاغو وسان أنطونيو في الولايات المتحدة الأميركية، تَبيّن أنّ المراهقين داخل الأسر موضوع البحث، يخرجون إلى مدارسهم من دون طعام أكثر بمرّتين من أشقائهم الأصغر سناً.
وأوضحت الدراسة، التي نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأميركية، أنّ الأمر يبدأ بالأبوين أولاً، إذ يحرمان نفسيهما من وجبات الطعام من أجل توفيرها لأبنائهما. ومع اشتداد الأزمة وقلة الطعام المتوفّر للجميع، يبدأ الأبوان بإطعام أطفالهما الصغار قبل المراهقين. هكذا، يكون الحرمان تدريجياً. في هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنز، روبرت موفيت، وهو معدّ الدراسة الرئيسي، إنّه "من الصعب تخيّل موقف الوالدَين اللذَين يضطران إلى ذلك".
أضاف: "كان الآباء والأمهات يختارون على الأغلب تغذية الأطفال الصغار والرضع الذين تكون احتياجاتهم الغذائية أكثر إلحاحاً، والتي تكون في الوقت نفسه أقل كلفة من المواد الغذائية الخاصة بالكبار".
وعن حرمان الفتيان من الوجبات بصورة أكبر من الفتيات، تجد الدراسة أنّ "الأمر قد يكون مرتبطاً بوجود الفتيان خارج المنزل أكثر من الفتيات". وتؤكد أنّ "المشكلة لا تحلّ إلا بالحصول على المال أو وظائف مناسبة أكثر للوالدَين". أمّا السبب الأساسي للفقر، فهو بحسب الدراسة إمّا فقدان الوظائف أو مرض معيل الأسرة.
في بلدان مثل مصر، فإنّ التضخّم وتدنّي دخل الأسر نتيجة الغلاء قد دفعا بكثيرين إلى شرائح أشد فقراً وعوزاً. وفي عام 2014، أشارت حركة "ضنك" المعارضة للنظام المصري، إلى أنّ أكبر موجة انتحار في العالم بسبب الفقر والجوع تُسجّل في مصر. أتى ذلك على خلفية انتحار عدد من أرباب الأسر بعد عجزهم عن سدّ احتياجاتها.