عاد البطريرك الماروني، بشارة الراعي، إلى بيروت قادماً من مصر بعد لقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقبل ذلك بأيام، كان الراعي قد اختتم زيارة قام بها إلى الساحل السوري، طرطوس واللاذقية، الحاضنة الطائفية والعسكرية والاجتماعية للنظام السوري. وعلى ما يُردد عدد من معارضيه في الوسط الكنسي "يبدو أنّ الراعي لا يريد ترك ديكتاتور عربي إلا ويلتقيه". زيارتا القاهرة وسورية، مغلّفتان بالإطار الرعوي وما تمثّله الكنيسة المارونية من حاضنة فعلية للمسيحيين في المشرق العربي. لكن هذه الزيارات الرعوية لا يمكن إلا أن تحمل في طيّاتها رسائل، في الشكل وربما في المضمون، لدعم هذين النظامين وإعطائهما الشرعية اللازمة. وما لا لبس فيه أنّ مواقف الراعي السياسية تتكامل مع هكذا زيارات باعتباره وصف أصلاً الثورات العربية بـ"الخريف العربي" واضعاً حراك الشعوب العربية للتخلّص من الظلم والقمع في إطار اللجوء إلى العنف والحروب الأهلية.
اقرأ أيضاً: التودّد إلى القاتل: البطريرك يحاور داعش
وعلى الرغم من تأكيد البطريركية المارونية أنّ الزيارة إلى سورية لم تكن إلا رعوية "ولن تتضمن أي لقاء سياسي او اجتماع مع أي مسؤول رسمي في سورية"، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للراعي في إحدى قاعات اللاذقية يتحدّث عن منبر مزّين بصورة بشار الأسد ببزّته العسكرية مع شعار "سوريا الله حاميها"، وهو ما يوحي، ولو بالصورة وحدها، بمباركة مسيحية يعطيها الراعي للنظام والأسد وللبزّة العسكرية السورية تحديداً التي قتلت مئات آلاف السوريين وهجّرت ملايين آخرين وأحضرت الخراب والدمار إلى بلدهم بعد أن حكمت هذا الشعب بالسوط والقمع لأربعين عاما. كما أن هذه الآلة العسكرية تركت آثار الدمار على الكنائس السورية. وبذلك، تكون صورة واحدة كفيلة بقول ما لا يجرؤ الراعي على قوله علناً ومباشرة، أو ما لا قدرة شخصية وشعبية له على قوله، والتأكيد على أنّ رأس الكنيسة المارونية يقف إلى جانب الأسد في سورية.
اقرأ أيضاً: التودّد إلى القاتل: البطريرك يحاور داعش
وعلى الرغم من تأكيد البطريركية المارونية أنّ الزيارة إلى سورية لم تكن إلا رعوية "ولن تتضمن أي لقاء سياسي او اجتماع مع أي مسؤول رسمي في سورية"، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للراعي في إحدى قاعات اللاذقية يتحدّث عن منبر مزّين بصورة بشار الأسد ببزّته العسكرية مع شعار "سوريا الله حاميها"، وهو ما يوحي، ولو بالصورة وحدها، بمباركة مسيحية يعطيها الراعي للنظام والأسد وللبزّة العسكرية السورية تحديداً التي قتلت مئات آلاف السوريين وهجّرت ملايين آخرين وأحضرت الخراب والدمار إلى بلدهم بعد أن حكمت هذا الشعب بالسوط والقمع لأربعين عاما. كما أن هذه الآلة العسكرية تركت آثار الدمار على الكنائس السورية. وبذلك، تكون صورة واحدة كفيلة بقول ما لا يجرؤ الراعي على قوله علناً ومباشرة، أو ما لا قدرة شخصية وشعبية له على قوله، والتأكيد على أنّ رأس الكنيسة المارونية يقف إلى جانب الأسد في سورية.
اقرأ أيضاً: الراعي في دمشق داعماً رواية النظام عن "حماية الأقليات"
لا يتردّد المقربون من الراعي في بكركي (مقرّ البطريركية المارونية، شرقي بيروت) وعدد من المسؤولين في قوى 8 آذار (حلفاء النظام السوري في لبنان) في تبرير الزيارة وإعطائها أبعاد "طمأنة المسيحيين". إلا أنّ هؤلاء يضعون، بعلمهم أو بغير علمهم، المسيحيين في محور واضح وإلى جانب "تحالف الأقليّات" الذي يسعى إلى تعميمه الأسد ومن معه من قوى طائفية ومذهبية. وبالتالي يضع المسيحيين في مواجهة مباشرة مع بحر الطائفة السنية في العالم العربي، خصوصاً أنّ زيارات الراعي إلى سورية توالت منذ بدء الثورة فيها، وسبق له أن قام بـ"زيارتين رعويتين"، الأولى في فبراير/شباط 2013 والثانية في يونيو/حزيران 2015. فتأتي الزيارة الثالثة لتؤكّد المؤكد أصلاً وتثبّت خيارات رأس الكنيسة، فكانت الثالثة فعلاً ثابتة وموثّقة بـ"صورة اللاذقية".
يسعى المقرّبون من الراعي إلى التخفيف من المضامين السياسية لزيارته إلى الخارج، فيقول أحد المسؤولين في بكركي لـ"العربي الجديد" إنّ "للراعي مهمّة أساسية وهي إعادة وصل ما انقطع مع الموارنة في كل العالم وترسيخ هذه العلاقة وتمتينها مع كل المسيحيين في المنطقة". قد يبرّر هذا الأمر ما يصفه البعض بـ"النزوات الخارجية" للراعي، وتحديداً الزيارة التي قام بها في مايو/أيار 2014 إلى فلسطين المحتلة متجاهلاً كل دلالات ومعاني جولة مماثلة. ومن أجل هذه الرسالة أيضاً يكاد الراعي لا يمضي أسبوعاً في لبنان ليلحقه بآخر في الخارج، بأقلّ من شهرين زار البطريرك المكسيك وروما وبولونيا وثلاث مدن ألمانية. في حين أنّ واقع المسيحيين في لبنان ليس على ما يرام أصلاً والقادة الموارنة يتخبّطون في ملف الشغور الرئاسي (المستمرّ منذ مايو/أيار 2014 أيضاً).
اقرأ أيضاً: الراعي يتقمّص السادات: ذاهب إلى القدس
حتى إنّ الراعي عاجز عن إعادة ضبط وجمع الأقطاب الموارنة، أي رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. وكل ما استطاع فعله الراعي طوال السنوات الخمس الماضية، أن يجمع هؤلاء الأقطاب حول طاولة النقاش في القانون الانتخابي التي فشلت في البرلمان بعد أسابيع، وعلى اتفاق حول الرئاسة يبدو أنه سقط أيضاً بفعل التنافس والطموحات الرئاسية المتضاربة في ما بينهم. فتحوّلت معارك المسيحيين إلى ملف توظيف في مؤسسة كازينو لبنان، أو على مصالح اقتصادية من الحوض الرابع في مرفأ بيروت، بينما أقطاب آخرون يسعون إلى ملء الشغور الرئاسي مثل زعيم تيار المستقبل سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.