الجولة 19 لحراك "السترات الصفراء": صدامات عنيفة في مدن فرنسية
وعلى الرغم من من التشدد البوليسي، وعلى الرغم من حظر التظاهر في أماكن مهمة ورمزية في كثير من المدن، منها باريس وبوردو ونيس وتولوز، خرج الآلاف من متظاهري السترات الصفراء، متحدين مطالب الرئيس والحكومة وبعض أحزاب المعارضة، المطالبة بوقف احتجاجاتهم، وبنفس الشعارات التي رُفعت في الأيام الأولى من الاحتاجاجات، المطالبة باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته، كريستوف كاستاتنير، وبتعزيز قدرتهم الشرائية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق الديمقراطية المباشرة، بما فيها حق اللجوء إلى الاستفتاء المواطنيّ.
وفي جوّ من الرضا الذاتي أعلن وزير الداخلية، كاستانير، الذي يوجد في وضعية غير مريحة، بسبب عنف الأسابيع الماضية ومطالب أحزاب المعارضة باستقالته، مساء اليوم، عن خروج 40 ألفاً و500 متظاهر في فرنسا، من بينهم 5 آلاف متظاهر في العاصمة، مؤكداً أن "التظاهرات المعلنة تمت في ظروف عادية".
وهذه الأرقام تسخر منها حركة السترات الصفراء في شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تتهم وزارة الداخلية باللجوء في كل مرة إلى التقليل من أهمية الحراك. وتتحدث إحصاءاتها عن خروج نحو 127 ألفاً و212 متظاهراً.
ولكن الأمور لم تكن عادية جدا، فقد أوقفت قوى الأمن، إلى حدود الخامسة مساء، أكثر من 90 متظاهراً، في باريس وحدها، و80 في مدينة نيس، كما تم تغريم 53 شخصاً في العاصمة 135 يورو، بسبب الوجود في منطقة يُحظر فيها التظاهر، بقرار من محافظ الأمن، وكان من بينهم إيريك درووي، أحد زعماء السترات الصفراء، الأكثر شراسة في مواجهة الرئيس ماكرون. وعلى الصعيد الوطني أوقفت قوى الأمن 233 شخصاً، تم وضع 172 في الاعتقال الاحتياطي، كما تم تغريم 107 متظاهرين.
وعلى الرغم من أن الأمور كانت أكثر هدوءا، مقارنة مع السبت الماضي، وصُوَر الحرائق والنهب التي عرفتها مقاهٍ ومتاجر ومصارف في الشانزيليزيه، إلا أن تظاهرة اليوم لم تخْلُ من صدامات عنيفة بين قوى الأمن والمتظاهرين في كثير من المدن الفرنسية، كمونبوليه وتولوز، حيث كانت التظاهرة كبيرة، وقد استخدمت الشرطة الغازات المسيلة للدموع أثناء الاشتباك مع المتظاهرين.
كذلك حدثت أيضاً صدامات في مدينة ليون، حيث أصيب مصوّر فيديو، في الثانية والثلاثين من عمره، في صدغه بطلقة من "إل بي دي"، كاد يفقد عينه وأنفه بسببها، وقد حصل على شهادة طبية لستة أيام، وتوعد، في تغريدة له، بتقديم شكوى ضد الشرطة.
وقد لجأت قوى الأمن، في ضربة استباقية، إلى تفتيش الآلاف (قرابة 8600 عملية تفتيش) من المتظاهرين، لم تخلُ أيضاً من احتكاكات وصدامات، ومن بعض التجاوزات، كتلك التي حدثت في باريس للصحافيّ غاسبار غلانز، من موقع "تارانيس-نيوز"، والذي أوقف قبيل الخامسة مساء في محطة "غار دي نور"، وكان يتأهب لشراء تذكرة، وقد وصف ما حدث له في تغريدة بالقول: "أخرج الآن من مقر الشرطة في غار دي نور بعد مراقبة وتفتيش حقيبتي خلال ساعة، والتهمة أنني أحمل خوذة (في منطقة غير محظورة بقرار محافظ الأمن). طلبوا أخذ الحمض النووي، فرفضتُ. لم أكن أبداً محكوماً عليّ لإعطائه. أشعر بغضب شديد".
وحظر محافظ الأمن الجديد ديديي لاليمونت، التظاهرات في جادة الشانزيليزيه وما جاورها، بما فيها ساحة الكونكورد، ودشّن فلسفته الأمنية الجديدة المرتكزة على دفع قواته لمواجهة مباشرة مع المتظاهرين، واستخدام طائرتي دْرون، وجرى توجيه وحدة جديدة لمكافحة مثيري الشغب واستخدام خراطيش "إل بي دي" الأكثر تطوراً.
واستعاض متظاهرو "السترات الصفراء" عن التظاهر في الجادة بالتجمع في مناطق أخرى في العاصمة، مطلقين مساراً جديداً يهدف للمرور عبر باريس من جنوبها إلى شمالها.
وتحولت الحركة إلى رد فعل عنيف وأوسع نطاقاً ضد حكومة ماكرون، رغم إلغاء الحكومة ضرائب الوقود التي أشعلت الاحتجاجات، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
 |
| (جان كريستوف فيرهايجن/ فرانس برس) |
وحضرت جموع المتظاهرين إلى ساحة تروكاديرو وشاتليه، فيما انطلقت تظاهرة من ساحة دونفير-روشرو، متجهة إلى كنيسة ساكري-كور في منطقة مونمارت، على رأسها جيروم رودريغيز، وهو من قياديي الحراك، والذي فقد عينه اليمنى قبل أسابيع (26 يناير/ كانون الثاني الماضي)، في ساحة الباستيل بسبب مقذوف أطلقته الشرطة.
ولا يزال تحقيق مفتشية الشرطة جارياً لتحديد طبيعة هذا المقذوف، وما إذا كان يتعلق بـ"إب بي دي-40" الذي يطالب متظاهرون وجمعيات حقوقية دولية وأممية بوقف استخدامه فوراً.
وشوهد جان لوك ميلانشون، زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، في تظاهرة اليوم السبت، في باريس، في خطوة لدعم للمتظاهرين، ولتحدي محافظ الأمن الجديد أيضاً.
Twitter Post
|
وهاجم ميلانشون، بشدة، تعيين لاليمونت، القادم من منطقة "لاجيروند"، ورأى في تغريدة على "تويتر"، أنّ تعيينه في باريس "مكافأة لهذا الشخص العنيف الذي فشل في منطقة لاجيروند"، وذلك احتجاجاً على تعرض النائب البرلماني عن "فرنسا غير الخاضعة" لويك برودوم، لضربات عصي من الشرطة، يوم 2 مارس/ آذار الحالي، وكان يغادر تظاهرة لـ"السترات الصفراء" لامتطاء دراجته الهوائية، ولا تزال القضية بين أيدي مفتشية الشرطة.
كذلك شوهد القيادي في "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية"، أوليفيي بوزانسنوت، في التظاهرة.
 |
| (فرانك مورو/ فرانس برس) |
وقد استبقت الشرطة الأمور، اليوم السبت، فلجأت، منذ الصباح وإلى ما قبيل الساعة الثانية بعد الظهر، إلى نشر نحو 5700 رجل تفتيش احتياطي.
وأوقفت 56 متظاهراً، وفرضت غرامات على 45 شخصاً، من بينهم إيريك درووي، أحد أهم وجوه حركة "السترات الصفراء"، وزعيم "فرنسا الغاضبة"، بسبب وجودهم في المناطق التي أعلنتها محظورة على التظاهرات، وقد رفض درووي التوقيع على المحضر.
ولم يقتصر تغريم المتظاهرين في أماكن محظورة على التظاهر على باريس، فقد حدث الشيء نفسه في مدينة نيس، حيث تجمع عشرات من المتظاهرين، اليوم السبت، في وسط المدينة بساحة غاريبالدي، في تحدٍّ ظاهر لقرار الحظر.
وأوضح موقع "فرانس 24" المحلي، وفق ما أوردت وكالة "الأناضول"، أنّ "رئيس شرطة باريس أصدر قرارا بمنع معدات الاحتماء وما من شأنه إخفاء معالم الوجه وحمل الأسلحة، حتى اللعب منها، ونص على فرض غرامات كبيرة لكل مخالفة لحظر التظاهر".
كما صدرت قرارات بمنع التظاهر في مدن أخرى، على غرار تولوز (جنوب غرب)، وبوردو ونيس (جنوب شرق)، التي سيزورها، غداً الأحد، الرئيس الصيني شي جين بينغ في مستهل زيارة رسمية.
من جهتها، نددت رابطة حقوق الإنسان بهذه القرارات، معتبرة أنّها "تعدٍ خطير جديد على حرية التظاهر"، وتقدمت بشكوى إلى مجلس الدولة، أعلى سلطة قضائية إدارية في فرنسا.
 |
| (فاليري هاتش/ فرانس برس) |
وعلى الرغم من أنّ درجة العنف خفت اليوم، إلا أنّ كثيراً من التظاهرات شهدت احتقاناً ومواجهات بين قوى الأمن والمتظاهرين، كما هو الحال في مدينة مونبلييه التي انطلقت فيها تظاهرة ضمت أكثر من 4500 شخص. وقد تسببت المواجهات العنيفة، لحد الآن، في إصابة متظاهر بمقذوف في وجهه، فيما جرح شرطيان اثنان، واحترقت سيارة بسبب إطلاق غازات مسيلة للدموع.
وفي تولوز، وهي مدينة عرفت منذ البداية تظاهرات وازنة، تعرّض متظاهر للإصابة بطلقة مباشرة من سلاح "إل بي دي- 40"، في رأسه. كما شهدت مدن ليون وليل وروان مواجهات متظاهرين مع قوى الأمن، استخدمت فيها الأخيرة غازات مسيلة للدموع.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
