تجدد النقاش السياسي في الجزائر حول الدور المحتمل للجيش والمؤسسة العسكرية في اختيار الرئيس المقبل للجزائر، ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في حال قرر، بسبب وضعه الصحي، عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة، في ربيع العام 2019 أو تنظيم انتخابات مسبقة. وبرغم التأكيدات المستمرة لقيادة الجيش والسلطة في الجزائر على انتهاء مرحلة الدور السياسي للجيش، فإن الحملة الدعائية للانتخابات البلدية، المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أعادت النقاش حول هذا الملف إلى الواجهة، عبر تصريحات متعددة لقادة الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات. وتعتقد كثير من القوى السياسية في الجزائر أن المؤسسة العسكرية ما زالت اللاعب الأبرز، إن لم يكن اللاعب الحاسم في اختيار الرئيس، على خلفية أن الوقائع السياسية لم تثبت حتى الآن وجود رئيس على رأس سدة الحكم في الجزائر من دون أن يكون الجيش الأساس في اختياره، بمن فيهم بوتفليقة الذي جاء به الجيش في انتخابات العام 1999.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس حركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة، أن الجيش الجزائري ما زال هو اللاعب الأبرز في اختيار الرؤساء، مشيراً إلى أن هذا الأمر يمثل حقيقة النظام الجزائري. وقال مناصرة، في مؤتمر صحافي عقده على هامش بدء الحملة الانتخابية، "عندما لا تكون عهدة خامسة، الجيش هو من يختار. لست أتكلم عن معلومة بل حقيقة في النظام الجزائري. الجيش هو من يختار المرشح الرسمي للرئاسيات والشرعية الثورية"، مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أي دور "للمجاهدين (قدماء المحاربين) وقادة ثورة التحرير الأحياء، أو لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي كان الجهاز السياسي للدولة قبل 1988 أو بعده، في اختيار رئيس الجزائر". رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب "طلائع الحريات"، علي بن فليس، يحمل نفس الهواجس السياسية، خصوصاً أنه كان ضحية انحياز الجيش لمرشح الإجماع في مناسبتين في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في إبريل/نيسان 2004 وإبريل 2014. وخاطب بن فليس المؤسسة العسكرية، في أول تجمع شعبي في الحملة الانتخابية عقده الأحد الماضي في منطقة تندوف جنوبي الجزائر، معتبراً أن الجيش هو جيش كل الجزائريين، ولا يتوجب أن يقع ضحية لاستغلال سياسي من أي طرف كان، لافتاً إلى أن "الجبهة الداخلية للوطن تتقوى بالجيش والمصالح الأمنية وبشعب ملتف حول قواته المسلحة، والتجند برفقة الأجهزة الأمنية لمكافحة الإرهاب والتطرف وحماية الحدود". وأشار إلى أنه يتوجب ترك الجيش يقوم بمهامه الدستورية في حماية البلاد، موضحاً أن "الواجب العظيم الذي تقوم به القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في حماية الحدود والمرافق العمومية والأمن العام يتطلب أيضاً دعمها بجبهة داخلية قوية".
وقبل بدء الحملة الانتخابية، كانت ثلاث شخصيات سياسية، هي وزير الخارجية الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، والجنرال المتقاعد من الجيش، رشيد بن يلس، والناشط الحقوقي، علي يحيى عبد النور، طالبوا في بيان، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المؤسسة العسكرية "إذا تعذر عليها مرافقة التغيير الحتمي والمشاركة في بناء جمهورية تكون بحق ديمقراطية، أن تنأى بنفسها بوضوح لا يقبل الشكّ عن المجموعة التي استولت على السلطة بغير حق، والتي تريد التمسك بها بإيهام الرأي العام أنها تحظى بدعم المؤسسة العسكرية." ويقدر حزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي يدخل الانتخابات البلدية، بطموح تجديد موقعه السياسي على الساحة، أن الجيش ليس خارج اللعبة السياسية وتحديد الأفق المستقبلي في الجزائر. وقال المسؤول الإعلامي للحزب، حسان فرلي، إن "الجيش يجب أن يكون في خدمة الوطن والإجماع الذي يربط أفراد هذا الوطن، ولا يجب أن يكون في خدمة عصب أو نظام"، مشيراً إلى أن "الجيش لا يجب أن يكون طرفاً خارجياً عن المصير السياسي للبلاد، ولا حكماً في الصراعات السياسية، لكن يجب أن يكون الضامن لاستمرارية الدولة في احترام الإجماع السياسي الأوسع. في ظل غياب الإجماع الوطني، فإن كل الهيكل المؤسساتي للدولة، بما في ذلك الجيش، يصبح عرضة لتداعيات الأزمات الداخلية والخارجية".
لكن القوى السياسية الموالية للسلطة التي تستفيد من التجانس السياسي الحاصل بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، لا ترغب أن يكون الجيش ضمن الأجندة السياسية للحملة الانتخابية، وتنتقد استغلال قوى وشخصيات المعارضة للحملة الانتخابية للعودة إلى الحديث عن الدور السياسي للجيش. وفي السياق، انتقد رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، الذي يقود الحزب الثاني للسلطة، "التجمع الوطني الديمقراطي"، بشدة ما اعتبره محاولة القوى السياسية إقحام الجيش في اللعبة السياسية. وقال أويحيى إن "الأحزاب التي تحاول إقحام الجيش في الساحة السياسية تمارس الهذيان، والمطالبون بعودة الجيش إلى السياسة غير قادرين على العودة إلى مواقع كانوا يتمتعون بها سابقاً، وينتظرون العودة إلى الحكم على ظهر الدبابات". من جانبه، يستبعد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، فكرة تدخل الجيش في اختيار الرئيس في العام 2019. وقال ولد عباس، في مؤتمر صحافي عقده عشية بدء الحملة الانتخابية، تعليقاً على جملة من التقارير الإعلامية والتصريحات السياسية التي تتحدث عن استمرار الجيش في لعب دور فاعل في اختيار الرئيس المستقبلي للجزائر، إن "الجيش لن يتدخل في اختيار رئيس الجمهورية خلال الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجرى في 2019، والجيش سيبقى بعيداً عن الساحة السياسية، وسيحافظ على مهامه الدستورية المتمثلة في حماية البلاد والأمن ووحدة الشعب والتراب الوطني". وأضاف أن "الحديث عن تدخل الجيش في اختيار الرؤساء مجرد كلام لا أساس له"، مشيراً الى أن الرئيس المقبل في انتخابات ربيع 2019 سيكون من "حزب جبهة التحرير الوطني، ولن نرضى بغير ذلك".
لا ينتهي الحديث السياسي في الجزائر عن مدى وأفق الدور المحتمل للجيش في تحديد مسارات ومآلات الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، أو في حال حدثت انتخابات رئاسية قبل ذلك لأي سبب كان. لكن 21 يوماً من الحملة الدعائية للانتخابات البلدية، المقررة في 23 نوفمبر، ستعيد مسألة الجيش إلى قلب النقاش السياسي والحزبي في الجزائر، برغم التأكيدات المستمرة، وآخرها قبل يومين لرئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، بالتزام الجيش الحياد السياسي وبأداء دوره الدستوري في حماية البلاد ومكافحة الإرهاب من دون أي تدخل في الخيارات السياسية، وعلى خلفية التغييرات الكبيرة التي أدخلها بوتفليقة في العلاقة بين الجيش والمشهد السياسي، خصوصاً تفكيك جهاز الاستخبارات وإبعاده قائد الجهاز، محمد مدين، المعروف بالجنرال توفيق، في سبتمبر/أيلول 2015.