تتوعّد وزارة الدفاع اليمنية مراراً، بأنها ستلاحق عناصر تنظيم "القاعدة"، أو من تسميهم "شراذم الإرهاب"، إلى "جحورهم المظلمة"، لكن ما يحصل مراراً وتكراراً، هو أن هذه "الشراذم"، هي من تلاحق الجيش، وتتعقبه إلى أعتى تحصيناته. فقد هاجم مسلّحو "القاعدة"، مقارّ قيادة المناطق العسكرية الأولى والثانية والرابعة، ومقرّ وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء، كما باتوا يلاحقون أفراد الجيش اليمني، إلى وسائل النقل العامة، وينتزعونهم من مقاعدهم، ويقتلونهم على الهوية، كما حدث مساء يوم الجمعة الماضي، في منطقة الحوطة، في وادي حضرموت، شرقي البلاد.
فمن الذي بات، إذن، يتعقب الآخر ويلاحقه؟ وهل أصبحت هذه الوضعية الهجومية لـ"القاعدة"، دليلاً على تعاظم قوة التنظيم، أم أن هنالك جوانب تقصير، وربما تساهل، لدى السلطات اليمنية، يدفع الجنود ثمنها من دمائهم وأرواحهم؟
وتتعقّب "القاعدة" الجنود وتذبحهم على الهوية بالسكاكين، وتنشر صورهم، وهم يُذبحون، إمعاناً في "الإرهاب"، وتجسيداً لمفهوم "إدارة التوحش"، الذي يُعتبر الدليل النظري لـ"القاعدة"، ويستلهم منه مسلّحوها القدرة على القتل بدم بارد.
وتمّ اختطاف الجنود وهم ليسوا في معركة، ولا في ثكنة، وليسوا حتى بالزي العسكري، ثم قتلوا وهم أسرى ذبحاً بـ"السكاكين"، وتم التمثيل بجثثهم أمام عدسات الكاميرا، في مشهد لا يقل وحشية وبشاعة عن مشهد اقتحام مستشفى مجمع وزارة الدفاع، في صنعاء العام الماضي وقتل الأطباء والمرضى.
فقد هزّت "مذبحة حضرموت"، الجمعة الماضي، وجدان اليمنيين، وراح ضحيتها 14 جندياً كانوا بملابس مدنيّة، متوجهين على متن حافلة ركاب لقضاء الإجازة مع أُسرهم، ليتم اعتراض الحافلة وإنزال الجنود منها، ثم ذبحهم بدم بارد في سوق شعبي على مرأى ومسمع المواطنين.
ومثلما كانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) تحارب جنود اللواء 310 في عمران، بتهمة أنهم "تكفيريون ودواعش"، برّرت القاعدة ذبح الجنود الـ14 في وادي حضرموت، بأنهم "حوثيون وروافض (شيعة)"، في إصرار مشترك على جعل الصراع المسلّح يأخذ منحى طائفياً، وهو ما يحرص الوعي الجماعي في اليمن كثيرا، على تجنُّبه.
وأثارت الحادثة العديد من التساؤلات حول كيفية حدوث مثل هكذا جريمة في ظل حالة استنفار أمني وعسكري، ضد "القاعدة" في تلك المناطق؛ لكن الواقع هو أن مسلّحي التنظيم، يتحركون بكل أريحية من منطقة لأخرى، داخل مديريات وادي حضرموت، ويلاحقون الحافلات في الطريق العام، بل ويأخذون استراحتهم ليمارسوا لعبة "كرة الطائرة" في الهواء الطلق، وفي وضح النهار، كما تشير الصور التي نشروها على حسابهم على موقع "تويتر"، بعد المذبحة.
وتتلخص أبرز التفسيرات لهذه التساؤلات، في رأيين، فهناك من يرى أن "القاعدة" لم تصل إلى هذا المستوى من الاطمئنان والأريحية، داخل مناطق حضرموت، إلا بعدما قامت، وعلى مدى سنوات، بضرب سَمْع الدولة وبصرِها في تلك المناطق، عن طريق سلسلة من الاغتيالات، التي طالت ضباطاً في الجيش والاستخبارات والشرطة، إضافة إلى ما خلّفته ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار (الدرون)، من تعاطف لدى بعض أبناء تلك المناطق مع "القاعدة".
هذا علماً أن حضرموت تُعدّ، بالإضافة لما سبق، الموطن الأصلي لمؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، وكان الأخير يحلم بأن يجعل منها نموذجا لـ"الدولة الإسلامية" وفق تصور "القاعدة".
في مقابل هذا التفسير، ثمة تفسير آخر يتكئ على "نظرية المؤامرة"، ويتلخّص بالقول إن قيادة وزارة الدفاع "تتواطأ مع مسلحي التنظيم للتخلص من وحدات عسكرية، على غرار تواطؤها مع مسلحي الحوثي، للتخلص من اللواء 310 في عمران"، حسب الاتهامات. ومثال ذلك، ما يراه الكاتب السياسي، مصطفى راجح، الذي لم يعد يستبعد وجود توظيف لـ"الإرهاب"، مبيِّناً "أن احتمالات وجود تواطؤ من قيادات في الدولة، مع عمليات القاعدة، لترويع الشماليين، جنوداً ومواطنين، ليخرجوا من الجنوب وحضرموت، صارت واردة". ورأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مجرد التفكير بوجود هذا التواطؤ، يبعث على القشعريرة".
وفي السياق، ولكن في الجهة المقابلة، يتهم آخرون رموز النظام السابق بدعم "القاعدة"، لإسقاط حكم الرئيس، عبدربه منصور هادي. في حين يردّ سياسيون في النظام السابق باتّهام النظام الحالي بـ"المتاجرة بدماء الجنود خارجياً، للحصول على أموال، بحجة تعاظم خطر الإرهاب في اليمن"، بحسب القيادي في حزب "المؤتمر"، ياسر اليماني.
وفي ظلّ تصاعد هذه الأعمال الإرهابية، وتصاعد الشكوك تجاه قيادة وزارة الدفاع، يبدو أن الجنود اليمنيين صاروا يعيشون في حالة معنوية يرثى لها، مع تزايد حوادث القتل اليومي التي تحوّلوا معها إلى مجرد أرقام في بيانات النعي الرسمية. وعليه فقد صار الجندي محل تعاطف واسع في اليمن، على عكس الصورة النمطية الشرسة للجنود، في العديد من البلدان.
وفي كل الأحوال، فإن مخاطر تصاعد قوة التنظيم في وادي حضرموت، مثلما أنها تهدّد الأمن والسكينة العامة؛ فإنها تعمل على إزاحة ممنهجة لحضور الدولة، في تلك المناطق المفتوحة من جهة الشمال، على حدود المملكة العربية السعودية، أكبر مزوِّد عالمي للنفط، وكذلك تطل من جهة الجنوب، على بحر العرب وخليج عدن وتالياً باب المندب، الذي يعتبر أحد أهم شرايين الملاحة العالمية بين الشرق والغرب.
وتكمن الخشية في ظل عدم إحراز السلطات لتقدم حقيقي على الأرض؛ في أن يؤدي تنامي حضور التنظيم في حضرموت إلى تدخل الخارج عسكرياً، بعد أن تم وضع اليمن تحت الفصل السابع، بحسب القرار الأممي 2140.
واللافت أن تنظيم "القاعدة" في أدبياته، يسعى جاهداً إلى مجيء مثل هذا التدخل، إذ يذهب مفهوم "إدارة التوحش" في مقدمته، إلى أنه لا يمكن "إسقاط أميركا" إلا بجعلها توزّع جيوشها على العالم، ولن تُجبَر واشنطن على توزيع جيوشها على العالم "إلا بعد أن تسقط الجيوش المحلية العميلة لها". وبالتالي يبدو أن حضرموت اليمنية التي يشبّهها البعض بـ"بنغازي ليبيا"، توشك أن تغدو أقرب إلى "موصل العراق"، حيث نجحت "داعش" أخيراً، في استجلاب تدخل عسكري أميركي.
فمن الذي بات، إذن، يتعقب الآخر ويلاحقه؟ وهل أصبحت هذه الوضعية الهجومية لـ"القاعدة"، دليلاً على تعاظم قوة التنظيم، أم أن هنالك جوانب تقصير، وربما تساهل، لدى السلطات اليمنية، يدفع الجنود ثمنها من دمائهم وأرواحهم؟
وتتعقّب "القاعدة" الجنود وتذبحهم على الهوية بالسكاكين، وتنشر صورهم، وهم يُذبحون، إمعاناً في "الإرهاب"، وتجسيداً لمفهوم "إدارة التوحش"، الذي يُعتبر الدليل النظري لـ"القاعدة"، ويستلهم منه مسلّحوها القدرة على القتل بدم بارد.
وتمّ اختطاف الجنود وهم ليسوا في معركة، ولا في ثكنة، وليسوا حتى بالزي العسكري، ثم قتلوا وهم أسرى ذبحاً بـ"السكاكين"، وتم التمثيل بجثثهم أمام عدسات الكاميرا، في مشهد لا يقل وحشية وبشاعة عن مشهد اقتحام مستشفى مجمع وزارة الدفاع، في صنعاء العام الماضي وقتل الأطباء والمرضى.
فقد هزّت "مذبحة حضرموت"، الجمعة الماضي، وجدان اليمنيين، وراح ضحيتها 14 جندياً كانوا بملابس مدنيّة، متوجهين على متن حافلة ركاب لقضاء الإجازة مع أُسرهم، ليتم اعتراض الحافلة وإنزال الجنود منها، ثم ذبحهم بدم بارد في سوق شعبي على مرأى ومسمع المواطنين.
ومثلما كانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) تحارب جنود اللواء 310 في عمران، بتهمة أنهم "تكفيريون ودواعش"، برّرت القاعدة ذبح الجنود الـ14 في وادي حضرموت، بأنهم "حوثيون وروافض (شيعة)"، في إصرار مشترك على جعل الصراع المسلّح يأخذ منحى طائفياً، وهو ما يحرص الوعي الجماعي في اليمن كثيرا، على تجنُّبه.
وأثارت الحادثة العديد من التساؤلات حول كيفية حدوث مثل هكذا جريمة في ظل حالة استنفار أمني وعسكري، ضد "القاعدة" في تلك المناطق؛ لكن الواقع هو أن مسلّحي التنظيم، يتحركون بكل أريحية من منطقة لأخرى، داخل مديريات وادي حضرموت، ويلاحقون الحافلات في الطريق العام، بل ويأخذون استراحتهم ليمارسوا لعبة "كرة الطائرة" في الهواء الطلق، وفي وضح النهار، كما تشير الصور التي نشروها على حسابهم على موقع "تويتر"، بعد المذبحة.
وتتلخص أبرز التفسيرات لهذه التساؤلات، في رأيين، فهناك من يرى أن "القاعدة" لم تصل إلى هذا المستوى من الاطمئنان والأريحية، داخل مناطق حضرموت، إلا بعدما قامت، وعلى مدى سنوات، بضرب سَمْع الدولة وبصرِها في تلك المناطق، عن طريق سلسلة من الاغتيالات، التي طالت ضباطاً في الجيش والاستخبارات والشرطة، إضافة إلى ما خلّفته ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار (الدرون)، من تعاطف لدى بعض أبناء تلك المناطق مع "القاعدة".
هذا علماً أن حضرموت تُعدّ، بالإضافة لما سبق، الموطن الأصلي لمؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، وكان الأخير يحلم بأن يجعل منها نموذجا لـ"الدولة الإسلامية" وفق تصور "القاعدة".
في مقابل هذا التفسير، ثمة تفسير آخر يتكئ على "نظرية المؤامرة"، ويتلخّص بالقول إن قيادة وزارة الدفاع "تتواطأ مع مسلحي التنظيم للتخلص من وحدات عسكرية، على غرار تواطؤها مع مسلحي الحوثي، للتخلص من اللواء 310 في عمران"، حسب الاتهامات. ومثال ذلك، ما يراه الكاتب السياسي، مصطفى راجح، الذي لم يعد يستبعد وجود توظيف لـ"الإرهاب"، مبيِّناً "أن احتمالات وجود تواطؤ من قيادات في الدولة، مع عمليات القاعدة، لترويع الشماليين، جنوداً ومواطنين، ليخرجوا من الجنوب وحضرموت، صارت واردة". ورأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مجرد التفكير بوجود هذا التواطؤ، يبعث على القشعريرة".
وفي السياق، ولكن في الجهة المقابلة، يتهم آخرون رموز النظام السابق بدعم "القاعدة"، لإسقاط حكم الرئيس، عبدربه منصور هادي. في حين يردّ سياسيون في النظام السابق باتّهام النظام الحالي بـ"المتاجرة بدماء الجنود خارجياً، للحصول على أموال، بحجة تعاظم خطر الإرهاب في اليمن"، بحسب القيادي في حزب "المؤتمر"، ياسر اليماني.
وفي ظلّ تصاعد هذه الأعمال الإرهابية، وتصاعد الشكوك تجاه قيادة وزارة الدفاع، يبدو أن الجنود اليمنيين صاروا يعيشون في حالة معنوية يرثى لها، مع تزايد حوادث القتل اليومي التي تحوّلوا معها إلى مجرد أرقام في بيانات النعي الرسمية. وعليه فقد صار الجندي محل تعاطف واسع في اليمن، على عكس الصورة النمطية الشرسة للجنود، في العديد من البلدان.
وفي كل الأحوال، فإن مخاطر تصاعد قوة التنظيم في وادي حضرموت، مثلما أنها تهدّد الأمن والسكينة العامة؛ فإنها تعمل على إزاحة ممنهجة لحضور الدولة، في تلك المناطق المفتوحة من جهة الشمال، على حدود المملكة العربية السعودية، أكبر مزوِّد عالمي للنفط، وكذلك تطل من جهة الجنوب، على بحر العرب وخليج عدن وتالياً باب المندب، الذي يعتبر أحد أهم شرايين الملاحة العالمية بين الشرق والغرب.
وتكمن الخشية في ظل عدم إحراز السلطات لتقدم حقيقي على الأرض؛ في أن يؤدي تنامي حضور التنظيم في حضرموت إلى تدخل الخارج عسكرياً، بعد أن تم وضع اليمن تحت الفصل السابع، بحسب القرار الأممي 2140.
واللافت أن تنظيم "القاعدة" في أدبياته، يسعى جاهداً إلى مجيء مثل هذا التدخل، إذ يذهب مفهوم "إدارة التوحش" في مقدمته، إلى أنه لا يمكن "إسقاط أميركا" إلا بجعلها توزّع جيوشها على العالم، ولن تُجبَر واشنطن على توزيع جيوشها على العالم "إلا بعد أن تسقط الجيوش المحلية العميلة لها". وبالتالي يبدو أن حضرموت اليمنية التي يشبّهها البعض بـ"بنغازي ليبيا"، توشك أن تغدو أقرب إلى "موصل العراق"، حيث نجحت "داعش" أخيراً، في استجلاب تدخل عسكري أميركي.