سنوات طويلة عاشها الحاج علي حسن عوض في خارج الوطن، لكنّه ما زال يحلم بالعودة إلى فلسطين... إلى قرية جدين الواقعة إلى شمال شرق عكا. هو خرج منها عندما كان في السابعة عشرة من عمره، وما زالت ذاكرته تحتفظ بكلّ تفاصيل حياته هناك وكلّ ما حدث، على الرغم من أنّ أيامه كانت مرّة أحزنت قلبه وشرّدته وأفقدته عائلته وكذلك سمعه.
في عام 1931، ولد الحاج علي حسن عوض في جدين الفلسطينية، وهُجّر منها في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1948 وليس في مايو/ أيار من العام نفسه شأنه شأن الفلسطينيين الآخرين في القرى الباقية. ويخبر الحاج علي الذي يسكن في تجمّع بمنطقة جلّ البحر في صور، جنوبي لبنان، "تركت فلسطين مع أمي وإخوتي من دون والدي الذي كان قد توفّاه الله في إبريل/ نيسان من عام 1948، بسبب مرض ألمّ به". يضيف أنّ "جدتّي لأمّي خرجت معنا وكذلك عمّي، لكنّه عاد إلى الوطن حيث بقيت زوجته، فأنجب ولداً واحداً ومات في جدين. واليوم، ما زال ابنه يعيش مع أولاده في عسفيا إلى جنوب شرق حيفا".
ويتابع الحاج علي: "كنّا نعيش في قلعة جدين، بجوار ترشيحا وعمقا، وكانت حياتنا كريمة، فوالدي كان يعمل في تربية الماعز، وكنّا نملك أكثر من سبعمائة رأس من الماعز بالإضافة إلى عدد من الأبقار. وأنا كنت أعمل مع والدي، ولم ألتحق بالمدرسة. لماذا؟ لا أعرف". ويكمل: "بعدما احتل الصهاينة جدين، خرجنا منها هرباً من بطشهم، ليلاً وسيراً على الأقدام متوجّهين إلى لبنان. وصلنا إلى منطقة عيتا الشعب في جنوب لبنان، ومكثنا فيها خمسة أيام قبل أن ننتقل إلى منطقة العزية في قضاء صور. هناك، استقررنا لمدّة خمسة أعوام، عملنا في خلالها بالبستنة وقطاف الليمون، علماً أنّنا استطعنا إخراج مائتي رأس ماعز معنا من جدين. لكنّها نفقت كلها. حاولنا شراء غيرها مرّات عدة، لكنّها كانت تنفق في كلّ مرّة. وعزفنا عن الأمر".
ويشير الحاج علي إلى أنّه "بعد ذلك، طلبت الدولة اللبنانية من الفلسطينيين ترك المنطقة والنزول إلى الساحل، بسبب المشكلات التي كانت تحصل بين بعض الشبان اللبنانيين والفلسطينيين. حينها، جئت مع عائلتي إلى تجمّع جلّ البحر حيث ما زلت أسكن وسط ظروف معيشية صعبة. فأنا لم أعد أقوى على العمل بعدما تقدّمت في السنّ".
لأعوام عدّة ناضل الحاج علي من أجل فلسطين، قبل أن يتفرّغ لعمله ولتربية أولاده. وقد أصابته في خلال تلك الأعوام فاجعة. يقول: "خسرت عائلتي المؤلفة من أكثر من ثلاثين فرداً وقد سقطوا جميعاً شهداء، في قصف لطيران العدو الصهيوني مبنى في منطقة القناية بصيدا (جنوب) في أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان في عام 1982". من بين هؤلاء الذين استشهدوا، أربع من بناته وخمسة من أبنائه وزوجته، إلى جانب أخيه وزوجته وأولادهما وأخواته وأولادهنّ. تجدر الإشارة إلى أنّ الحياة كانت مريرة وصعبة، لكنّها لم تتوقف بالنسبة إلى الحاج علي، فتزوّج مرّة ثانية وأنجب ابنَين وابنة واحدة.