24 سبتمبر 2020
الحرب العظمى وسقوط الخلافة
الحرب العظمى، أو الحرب العالمية الأولى، من عام 1914 وحتى 1918، وانتهت بتوقيع اتفاقية الهدنة، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام. وفي ذكرى ذلك اليوم هذا العام (2018)، رأت فرنسا، والتى كانت أحد أطراف تلك الحرب، وخرجت منها منتصرةً ضمن الحلفاء، أن تُقيم احتفالية بمناسبة مرور مائة عام على انتهائها، وأيضاً إقامة "منتدى باريس للسلام الدولي". وكانت باريس قد شهدت أيضاً، فى أعقاب انتهاء الحرب العظمى مؤتمراً للسلام، عقد في 18 يناير/ كانون الثاني من عام 1918، وعُرف بمؤتمر الدول المنتصرة، وتقسيم الغنائم بينها.
بدأت الحرب في أعقاب حادثة اغتيال متطرّف صربي وريث عرش النمسا والمجر، فرانز فرديناند، في البوسنة والهرسك، فأعلنت إمبراطورية النمسا الحرب على صربيا، وتوالت الأحداث بسرعة، وكانت في حقيقتها تداعياتٍ لحالة اضطراب تسود العلاقات الأوروبية في ظل التنافس الإستعماري الذي كان قائماً بين الإمبراطوريات والممالك الأوروبية القديمة، وسرعان ما تكوّنت جبهتان متحاربتان: الحلفاء، وضمّت، في البداية، الإمبرطوريتين البريطانية والروسية وفرنسا، ثم انضمت إليهم قبل نهاية الحرب، في العام 1917، الولايات المتحدة الأميركية، وهو العام نفسه الذي خرجت فيه روسيا من الحرب، بعد نجاح الثورة البلشفية، وسقوط روسيا القيصرية، واستيلاء لينين على الحكم. وضمّت الجبهة الثانية، وعُرفت بالمحور، إمبراطورية النمسا والمجر، والامبراطورية الألمانية، ومملكة بلغاريا، وإيطاليا، ثم ما لبثت الأخيرة أن تركت تلك الجبهة، وخرجت من الحرب، وانضمت الدولة العثمانية إليها.
المهم أن تلك الحرب دارت على مرحلتين: الأولى من بداية الحرب في 1914، وحتى
1916، حيث لم تخرج المعارك عن مسارح عمليات أوروبا. واعتباراً من عام 1917، تحوّل مسار الحرب، نتيجة اشتعال التنافس بشأن السيطرة على البحار بين بريطانيا وألمانيا، والحصار البحري المتبادل بينهما، وما عُرف بحرب الغواصات الألمانية، والتي كانت وراء دخول أميركا الحرب، بسبب تعرّض سفنها المتجهة إلى بريطانيا لتهديد الغواصات الألمانية، وأيضاً خروج روسيا البلشفية من الحرب، وشملت تلك المرحلة اتساع نطاق الحرب، واتخاذها طابعا عالميا، حيث امتدّت مسارح العمليات إلى أفريقيا والشرق الأوسط.
انتهت الحرب العظمى، أو الحرب العالمية الأولى، بهزيمةٍ ساحقةٍ لجبهة دول المحور. وبالنسبة لأوروبا، انتهت إمبراطورية النمسا والمجر، وتحولت النمسا جمهورية صغيرة، وانتهت الإمبراطورية الألمانية، وفقدت أجزاء كبيرة من ممتلكاتها، وتحولت جمهورية، ووقعت على معاهدة ڤرساي المهينة، والتي رفضها الشعب الألماني فيما بعد، وتغيرت الخريطة السياسية لأوروبا، وظهرت دول جديدة، مثل تشيكوسلوفاكيا والمجر ويوغوسلافيا.
تلك كانت أهم نتائج الحرب العظمى في أوروبا، وهى تغيير الخريطة السياسية لأوروبا، بعد انتهاء بقايا الأرستقراطيات والإمبراطوريات القديمة، وظهور أميركا قوة كبرى على الساحة العالمية.
ذلك عن أوروبا، وأطراف الحرب المباشرين، من انتصر ومن انهزم. ماذا عن أفريقيا والشرق الأوسط؟ والطرف الرئيسي الذي كان مشاركا في تلك الحرب هو الدولة العثمانية، وعلى رأسها السلطان محمد الخامس والذى يعتبر خليفة المسلمين حتى ذلك الوقت ، انتهت الحرب بهزيمة ساحقة لدولة الخلافة العثمانية، وفقدت سيادتها ونفوذها على كل ما كانت تحكمه من أقاليم خارج تركيا، وتحولت جمهورية تركيا، بل وتعرضت لاحتلال إيران جزءا من أراضيها، وخاضت حرباً ضروساً، حتى نجحت فى تحرير الأراضي التركية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، والذي ألغى الخلافة الإسلامية في العام 1924، تلك الخلافة التى آلت إلى الدولة العثمانية في أعقاب فتح السلطان سليم الأول مصر والشام والحجاز، وإعدام السلطان طومان باي على باب زويلة فى القاهرة، واستلام مفتاح الحرمين، واصطحاب آخر الخلفاء العباسيين، محمد المتوكل على الله، الى إسطنبول، ثم جعله يُعلن تنازله عن الخلافة الإسلامية الى السلطان سليم الأول، ليصبح أول من يحمل لقب الخليفة، وتحول الدولة العثمانية إلى دولة "الخلافة الإسلامية العثمانية"، والتي استمرت تحمل تلك الصفة منذ العام 1517، وحتى العام 1924،عندما أعلن مصطفى كمال أتاتورك إنهاء الخلافة الإسلامية.
مرّت مائة عام على تلك الأحداث الفارقة. ولكن يبقى السؤال الذى يعنينا، نحن شعوب المنطقة العربية، الشرق أوسطية أساسا: أين كنا، وماذا كان موقفنا عندما اندلعت تلك الحرب العظمى؟ ثم ما الذي جرى خلال تلك المائة عام؟ وكيف أصبحنا، ونحن لم نكن طرفاً أصيلاً في تلك الحرب؟ كانت الحرب نفسها تدور حول السيطرة على أوطاننا ومقدّراتنا، ودارت رحاها، في مرحلةٍ رئيسيةٍ منها، على أراضينا؟ وللأسف، كانت النظرة إلينا غنائم تلك الحرب، والتي سيتقاسمها المنتصرون.
كانت المنطقة، عند بداية الحرب، مقسّمة بين عدة أطراف: بريطانيا العظمى، وتحت سيطرتها مصر وجنوب الجزيرة العربية وعدن وعُمان والبحرين والكويت. وفرنسا التي تسيطر على المغرب وشمال أفريقيا في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا والصومال وجيبوتي، بينما تخضع ليبيا لإيطاليا. وكانت الدولة العثمانية تسيطر مباشرة على الشام والعراق واليمن وبعض مناطق الخليج، وفي شبه الجزيرة العربية على الحجاز وعسير، بينما كانت منطقة نجد يتنازعها ابن الرشيد وابن سعود.
تلك كانت خريطة المنطقة في بداية الحرب العظمى، فكيف أصبحت بعد الحرب؟ ما حدّد ذلك مؤتمر عقده المجلس الأعلى للحلفاء، فى مدينة سان ريمو الإيطالية في أبريل/ نيسان عام
1920، لحسم موقف المنطقة، أو ما كان يُعرف بتركة الدولة العثمانية المنهارة. انتهى المؤتمر إلى تقسيم النفوذ في المنطقة بأن توضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وكل من العراق وفلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني، وتبقى مصر والسودان ومشيخات الخليج تحت الحماية البريطانية، بينما يبقى المغرب العربي وشمال أفريقيا، تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا والصومال، تحت الحماية الفرنسية، وليبيا تحت سيطرة إيطاليا.
تلك كانت أهم ما أسفرت عنه الحرب العالمية الأولى التي دارت أربع سنوات، وراح ضحيتها، طبقاً لأقل التقديرات، أكثر من عشرة ملايين قتيل، وعشرين مليون جريح، وأكثر من ثمانية ملايين مفقود. ولكن تبقى الأسئلة: ماذا جرى بعد مائة عام؟ وما الذي تغير بالنسبة لأطراف تلك الحرب؟ والأهم ما الذي جرى بالنسبة "للغنائم" التي اقتسمها المنتصرون؟ ستجد الإجابة في مشهد احتفالية باريس التي جمعت أطراف الحرب. وتكفي الإشارة إلى الأطراف التي خرجت من تلك الحرب تجر أذيال الهزيمة، في مقدمتها ألمانيا، والتي أصبحت أكبر قوة اقتصادية أوروبية. أما الدولة العثمانية التى تم اختزالها في جمهورية تركيا فأصبحت قوة إقليمية كبرى، وعضوا رئيسىا فى حلف الناتو، وواحدة من أكبر عشرين دولة.
الأهم، وما يعنينا أساسا، هو ما جرى لغنائم تلك الحرب التى تم اقتسامها بين القوى المتحاربة في نهاية الحرب، وما بقي من فكرة الخلافة الإسلامية. تكفى نظرة متأنية إلى أحوال المنطقة العربية والشرق الأوسط، لندرك أن تلك الغنائم، وعلى الرغم من مرور مائة عام، ما زالت تتنافس عليها القوى نفسها التي اقتسمتها منذ مائة عام. أما فكرة الخلافة الإسلامية فقد تحولت تهمة تلاحق من ينادي بها.
بدأت الحرب في أعقاب حادثة اغتيال متطرّف صربي وريث عرش النمسا والمجر، فرانز فرديناند، في البوسنة والهرسك، فأعلنت إمبراطورية النمسا الحرب على صربيا، وتوالت الأحداث بسرعة، وكانت في حقيقتها تداعياتٍ لحالة اضطراب تسود العلاقات الأوروبية في ظل التنافس الإستعماري الذي كان قائماً بين الإمبراطوريات والممالك الأوروبية القديمة، وسرعان ما تكوّنت جبهتان متحاربتان: الحلفاء، وضمّت، في البداية، الإمبرطوريتين البريطانية والروسية وفرنسا، ثم انضمت إليهم قبل نهاية الحرب، في العام 1917، الولايات المتحدة الأميركية، وهو العام نفسه الذي خرجت فيه روسيا من الحرب، بعد نجاح الثورة البلشفية، وسقوط روسيا القيصرية، واستيلاء لينين على الحكم. وضمّت الجبهة الثانية، وعُرفت بالمحور، إمبراطورية النمسا والمجر، والامبراطورية الألمانية، ومملكة بلغاريا، وإيطاليا، ثم ما لبثت الأخيرة أن تركت تلك الجبهة، وخرجت من الحرب، وانضمت الدولة العثمانية إليها.
المهم أن تلك الحرب دارت على مرحلتين: الأولى من بداية الحرب في 1914، وحتى
انتهت الحرب العظمى، أو الحرب العالمية الأولى، بهزيمةٍ ساحقةٍ لجبهة دول المحور. وبالنسبة لأوروبا، انتهت إمبراطورية النمسا والمجر، وتحولت النمسا جمهورية صغيرة، وانتهت الإمبراطورية الألمانية، وفقدت أجزاء كبيرة من ممتلكاتها، وتحولت جمهورية، ووقعت على معاهدة ڤرساي المهينة، والتي رفضها الشعب الألماني فيما بعد، وتغيرت الخريطة السياسية لأوروبا، وظهرت دول جديدة، مثل تشيكوسلوفاكيا والمجر ويوغوسلافيا.
تلك كانت أهم نتائج الحرب العظمى في أوروبا، وهى تغيير الخريطة السياسية لأوروبا، بعد انتهاء بقايا الأرستقراطيات والإمبراطوريات القديمة، وظهور أميركا قوة كبرى على الساحة العالمية.
ذلك عن أوروبا، وأطراف الحرب المباشرين، من انتصر ومن انهزم. ماذا عن أفريقيا والشرق الأوسط؟ والطرف الرئيسي الذي كان مشاركا في تلك الحرب هو الدولة العثمانية، وعلى رأسها السلطان محمد الخامس والذى يعتبر خليفة المسلمين حتى ذلك الوقت ، انتهت الحرب بهزيمة ساحقة لدولة الخلافة العثمانية، وفقدت سيادتها ونفوذها على كل ما كانت تحكمه من أقاليم خارج تركيا، وتحولت جمهورية تركيا، بل وتعرضت لاحتلال إيران جزءا من أراضيها، وخاضت حرباً ضروساً، حتى نجحت فى تحرير الأراضي التركية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، والذي ألغى الخلافة الإسلامية في العام 1924، تلك الخلافة التى آلت إلى الدولة العثمانية في أعقاب فتح السلطان سليم الأول مصر والشام والحجاز، وإعدام السلطان طومان باي على باب زويلة فى القاهرة، واستلام مفتاح الحرمين، واصطحاب آخر الخلفاء العباسيين، محمد المتوكل على الله، الى إسطنبول، ثم جعله يُعلن تنازله عن الخلافة الإسلامية الى السلطان سليم الأول، ليصبح أول من يحمل لقب الخليفة، وتحول الدولة العثمانية إلى دولة "الخلافة الإسلامية العثمانية"، والتي استمرت تحمل تلك الصفة منذ العام 1517، وحتى العام 1924،عندما أعلن مصطفى كمال أتاتورك إنهاء الخلافة الإسلامية.
مرّت مائة عام على تلك الأحداث الفارقة. ولكن يبقى السؤال الذى يعنينا، نحن شعوب المنطقة العربية، الشرق أوسطية أساسا: أين كنا، وماذا كان موقفنا عندما اندلعت تلك الحرب العظمى؟ ثم ما الذي جرى خلال تلك المائة عام؟ وكيف أصبحنا، ونحن لم نكن طرفاً أصيلاً في تلك الحرب؟ كانت الحرب نفسها تدور حول السيطرة على أوطاننا ومقدّراتنا، ودارت رحاها، في مرحلةٍ رئيسيةٍ منها، على أراضينا؟ وللأسف، كانت النظرة إلينا غنائم تلك الحرب، والتي سيتقاسمها المنتصرون.
كانت المنطقة، عند بداية الحرب، مقسّمة بين عدة أطراف: بريطانيا العظمى، وتحت سيطرتها مصر وجنوب الجزيرة العربية وعدن وعُمان والبحرين والكويت. وفرنسا التي تسيطر على المغرب وشمال أفريقيا في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا والصومال وجيبوتي، بينما تخضع ليبيا لإيطاليا. وكانت الدولة العثمانية تسيطر مباشرة على الشام والعراق واليمن وبعض مناطق الخليج، وفي شبه الجزيرة العربية على الحجاز وعسير، بينما كانت منطقة نجد يتنازعها ابن الرشيد وابن سعود.
تلك كانت خريطة المنطقة في بداية الحرب العظمى، فكيف أصبحت بعد الحرب؟ ما حدّد ذلك مؤتمر عقده المجلس الأعلى للحلفاء، فى مدينة سان ريمو الإيطالية في أبريل/ نيسان عام
تلك كانت أهم ما أسفرت عنه الحرب العالمية الأولى التي دارت أربع سنوات، وراح ضحيتها، طبقاً لأقل التقديرات، أكثر من عشرة ملايين قتيل، وعشرين مليون جريح، وأكثر من ثمانية ملايين مفقود. ولكن تبقى الأسئلة: ماذا جرى بعد مائة عام؟ وما الذي تغير بالنسبة لأطراف تلك الحرب؟ والأهم ما الذي جرى بالنسبة "للغنائم" التي اقتسمها المنتصرون؟ ستجد الإجابة في مشهد احتفالية باريس التي جمعت أطراف الحرب. وتكفي الإشارة إلى الأطراف التي خرجت من تلك الحرب تجر أذيال الهزيمة، في مقدمتها ألمانيا، والتي أصبحت أكبر قوة اقتصادية أوروبية. أما الدولة العثمانية التى تم اختزالها في جمهورية تركيا فأصبحت قوة إقليمية كبرى، وعضوا رئيسىا فى حلف الناتو، وواحدة من أكبر عشرين دولة.
الأهم، وما يعنينا أساسا، هو ما جرى لغنائم تلك الحرب التى تم اقتسامها بين القوى المتحاربة في نهاية الحرب، وما بقي من فكرة الخلافة الإسلامية. تكفى نظرة متأنية إلى أحوال المنطقة العربية والشرق الأوسط، لندرك أن تلك الغنائم، وعلى الرغم من مرور مائة عام، ما زالت تتنافس عليها القوى نفسها التي اقتسمتها منذ مائة عام. أما فكرة الخلافة الإسلامية فقد تحولت تهمة تلاحق من ينادي بها.