هم أطفال في عمر الزهور، دفعتهم الحرب الطاحنة في اليمن إلى مهن الكبار، لتجهض طفولتهم. كبروا قبل الأوان، وفي الوقت الذي مازال أقرانهم يلعبون، حكمت عليهم الظروف القاسية بالتشمير عن سواعدهم الصغيرة، والانخراط في سوق العمل، ليعيلوا أسرهم.
أيمن سمير (11 عاماً)، واحد من هؤلاء، لم يختر هذا الطريق الشائك والمجهد له كطفل، من تلقاء نفسه، بل كان مدفوعاً إليه حين فرضت عليه الظروف والأوضاع الصعبة التي تشهدها اليمن عامة، وتعز خصوصاً، جرّاء حرب تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامٍ مضى، أن يصبح المعيل الوحيد لوالدته وأشقائه الأصغر منه، بعد وفاة والده، قبل خمسة أشهر بقذيفة سقطت أمام منزلهم، في منطقة المحصاب غرب المدينة، بحسب وكالة "الأناضول".
يضع الصغير كيساً ممتلئاً بالخردوات على ظهره، مودعاً أقرانه من أطفال الحي، ليخرج في جولة جديدة من الطواف في شوارع وأزقة مدينة تعز وسط اليمن، ليبيع للمارة ما يحمله.
ويقول الطفل أيمن الذي بدا كرجل ستيني منحني الظهر، وهو يتوسل المارة في أكبر شوارع المدينة، ويستجديهم من أجل شراء بضاعته، بأنه وجد نفسه مضطراً لإعالة أسرته، بعد فقدان والدهم، باعتباره الابن الأكبر سناً، مضيفاً "العمل أفضل وأكرم من سؤال الناس ليتصدقوا علينا".
وأكد تقرير لمنظمة "يونيسف" في مارس/آذار الماضي، أن ستة أطفال في اليمن يقتلون أو يصابون يومياً، وأن أعداد المجندين منهم تضاعفت، وأن 10 ملايين طفل يحتاجون للمساعدات الغذائية والصحية العاجلة.
لا يكاد حال أيمن، يختلف عن حال محمد (13 عاماً)، والذي يفترش الرصيف ليعرض على المارة بعضاً من مستلزمات التنظيف والزينة التي تُحيكها والدته في المنزل، وقال بابتسامة خفيفة "نمشّي أمورنا ولا نجلس في البيت (منتظرين) الناس يتصدقون علينا".
وفيما لفت إلى أن والدته تُساعده في عمله الجديد الذي بدأه منذ 10 أيام، تابع: "أمي تُصلح (تُحيك) الأكياس والقبعات في البيت، وأنا أجي (أحضر) هنا أبيعهن للناس، وأربح منها".
وبعد أكثر من عام مضت على اندلاع حرب مستعرة في مختلف أنحاء البلاد، غدت تعز، تعج بأطفال يعملون في عمر مبكر، على شاكلة، أيمن، إذ وجدوا أنفسهم أمام مسؤوليات كبيرة، جعلت منهم رجالاً شيباً، وهم لا يزالون ولداناً.
تعز كغيرها من معظم المدن اليمنية، تعج بقصص مؤلمة منحتها الأعوام الماضية لـ"جيل الحرب"، ومن خلال تفاصيلها كبر هؤلاء الأطفال قبل أن يكبروا، حُرموا من براءة الطفولة وبهجة الحياة، وكان لزاماً عليهم أن يذوقوا العناء، في مرحلة مبكرة من حياتهم.
وفي تعز ذات الكثافة السكانية العالية، تستمر المعارك، منذ مطلع العام الماضي، بين قوات موالية للحكومة الشرعية من جهة، ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثي) وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من جهة ثانية.
وأوضح برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن نحو نصف محافظات اليمن ومجموعها 22 محافظة، على شفا المجاعة، وأن أكثر من 13 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية. ويحتاج نحو عشرة ملايين طفل إلى مساعدات إنسانية للحيلولة دون تدهور الأوضاع بشكل أكبر.
ومع اقتراب حلول عيد الفطر، فإن العشرات من الأطفال شرعوا في بيع الملابس الخفيفة والإكسسوارات في أسواق تعز، آملين أن يحقق ذلك أرباحاً جيدة تضمن لهم فرحة العيد، التي ذهبت برحيل آبائهم عن دنياهم.
سوسن الأشول، وهي ناشطة حقوقية وراصدة ميدانية، تحدثت عن الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، قائلة إن "العشرات من الأطفال وجدوا أنفسهم في خضم الحرب، والمعاناة اليومية، دون اكتراث من المجتمع"، مشيرة، في الوقت نفسه، إلى عدم وجود إحصائية بعدد الأطفال العاملين، ليحلوا محلاً بات شاغراً برحيل آبائهم.
في المقابل، يتحدث بشير سالم عن أحد أطفال حيّه الذي انضم لمسلحي الحوثي في منطقة الحوبان شمالي تعز، "بعد وفاة والده بالمعارك، والذي كان هو، أيضاً، أحد عناصر الجماعة المسلحة. وذكر أن "الطفل الذي يبلع من العمر 14 عاماً تقريباً، انضم للحوثيين من أجل ضمان الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه والده، بالإضافة إلى التموينات والسلال الغذائية، التي توزعها الجماعة على منتسبيها".
ويحذر مراقبون في الشأن المجتمعي اليمني، من ارتفاع معدلات الأطفال الذين يُدفعون إلى مكابد الحياة ومشقاتها، لما لذلك من انعكاسات كبيرة عليهم، من حيث الحالة النفسية وترك الدراسة.
وقال رئيس مؤسسة "سياج" (مدنية معنية بحماية الطفولة)، أحمد القرشي، إن هناك تناسباً طردياً بين ارتفاع معدل القتل والوفيات بين الكبار بسبب الحرب، وارتفاع ولوج الأطفال لسوق العمل، على حساب حياتهم وفرحتهم.
تجدر الإشارة إلى أن تقريراً أممياً، صدر يونيو/حزيران الماضي، أشار إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين قتلوا أو تعرضوا للإصابة جرّاء الحرب في اليمن خلال العام 2015 إلى 1953 طفلاً، وهو ما يمثل نحو ستة أضعاف عددهم عام 2014.