01 نوفمبر 2024
الحرب وحساباتها
كان صباح يوم الأربعاء الماضي حربيّاً بامتياز على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. أجواء تعبئة عمّت المكان، ساعات بعد عملية حزب الله ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي. ساعات الاستنفار انتهت سريعاً، على الرغم من تقديرات أشاعتها سلطات الاحتلال وبيان حزب الله الذي حمل عنوان "البيان رقم واحد"، ما يعني، بالضرورة، أن هناك اثنين وثلاثة وأربعة تأتي لاحقاً، غير أن الأمور اقتصرت على هذا الرقم، بعدما تبادل الطرفان رسائل الطمأنة، وخصوصاً أن حسابات الجبهة لا تزال غير ناضجة لاندلاع حرب واسعة، هي ليست غاية أساساً، لا لحزب الله ولا للقيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل.
وعلى الرغم من هدوء الجبهة ووضوح رسائلها، إلا أن العالم الافتراضي في المقلب المؤيد لحزب الله استمر في حملة تعبئة، تبدو موجهة إلى الداخل العربي عموماً، واللبناني خصوصاً. تعبئة كان الهدف منها إضفاء تفخيم مبالغ فيه للعملية واستعدادات الحزب للدخول في معركة مع العدو، مع أن الواقع السياسي يؤكد غير ذلك. وهدفت الحملة، كما هو واضح، إلى استعادة ثقة جمهور حزب الله، أو على الأقل الجمهور المتعاطف معه من دون انتماء.
الثقة التي اهتزت منذ العام 2008، تاريخ اغتيال رئيس أركان حزب الله، عماد مغنية، في دمشق، وتهديد الحزب، منذ ذلك الحين، بالرد الذي لم يأت. وبعد ذلك، انخراط حزب الله في القتال على الجبهة السورية، وما تكبّده هناك من خسائر، إضافة إلى جهوده في إقناع بيئته الحاضنة في أن القتال في سورية أولوية مقدمة حالياً على قتال إسرائيل. وما بين الحدثين، كانت سلسلة غارات إسرائيلية في سورية، قيل، حينها، إنها تستهدف إمدادات أسلحة إلى الحزب، الذي اكتفى بـ"الاحتفاظ بحق الرد". لكن، جاءت غارة القنيطرة، ورمزية ضحاياها، وخصوصاً جهاد مغنية، نجل عماد مغنية، لتضع الحزب في موقف حرج إزاء جمهوره وخصومه، في المقامين الأول والثاني. كان لا بد من عمل أمني ما، يحفظ له ماء الوجه، بعد الضربات التي تلقاها، من دون أن يؤدي إلى الانجرار إلى حرب واسعة، تستنزف مزيداً من قدراته، وهو الملتفت حالياً بشكل أساس إلى الجبهة الشرقية "لمواجهة خطر التكفيريين"، كما يقول.
من هنا، كانت حملة "التبجيل" التي قام بها مؤيدو الحزب، ورفعهم من قيمتها، على الرغم من أن للحزب، في السابق، عمليات أقوى وأكثر أهمية. هي الرغبة في استعادة الهيبة وقدرة الردع في مواجهة الاحتلال الغاية الأولى من العملية، وهو ربما ما قرأته إسرائيل، وأعلنت مبكراً الاكتفاء بالرد الذي قامت به، أي قصف محيط منطقة العملية، وانتظار ما سيكون عليه رد فعل الحزب لاحقاً، خصوصاً أيضاً أن الحرب ليست في حسابات إسرائيل حالياً، ولا سيما على الجبهة اللبنانية. فمصير إيهود أولمرت بعد عدوان 2006 لا يزال ماثلاً أمام بنيامين نتنياهو، وهو حالياً ليس في وارد تكرار ما فعله سلفه، في ظل خطر محيط به من اليمين المتطرف.
إضافة إلى هذا وذاك، لا يمكن، لا لحزب الله ولا لإسرائيل، تجاهل الأجواء الدولية، وحال التقارب بين حليفيهما، أي الولايات المتحدة وإيران، وقصائد الغزل المتبادل في ظل حال التقاء مصالح، هو الأول من نوعه منذ حربي أفغانستان والعراق. تقارب ليس من المسموح، إيرانياً أو أميركياً، تعكيره حالياً، ولا سيما أن للبلدين اهتمامات أوسع، تبدأ من اليمن، لتمر في سورية، وتنتهي في الجبهة اللبنانية التي ليست في قائمة الأولويات. فالهدوء على الجبهة مكفول وقائم، وسيظل قائماً، في الوقت الراهن.
حققت عملية حزب الله المراد منها: أعادت الحد الأدنى من الثقة، من دون أن تخرق سقف الحسابات الداخلية والخارجية الضابطة لإيقاع الوضع على الجبهة مع إسرائيل.
وعلى الرغم من هدوء الجبهة ووضوح رسائلها، إلا أن العالم الافتراضي في المقلب المؤيد لحزب الله استمر في حملة تعبئة، تبدو موجهة إلى الداخل العربي عموماً، واللبناني خصوصاً. تعبئة كان الهدف منها إضفاء تفخيم مبالغ فيه للعملية واستعدادات الحزب للدخول في معركة مع العدو، مع أن الواقع السياسي يؤكد غير ذلك. وهدفت الحملة، كما هو واضح، إلى استعادة ثقة جمهور حزب الله، أو على الأقل الجمهور المتعاطف معه من دون انتماء.
الثقة التي اهتزت منذ العام 2008، تاريخ اغتيال رئيس أركان حزب الله، عماد مغنية، في دمشق، وتهديد الحزب، منذ ذلك الحين، بالرد الذي لم يأت. وبعد ذلك، انخراط حزب الله في القتال على الجبهة السورية، وما تكبّده هناك من خسائر، إضافة إلى جهوده في إقناع بيئته الحاضنة في أن القتال في سورية أولوية مقدمة حالياً على قتال إسرائيل. وما بين الحدثين، كانت سلسلة غارات إسرائيلية في سورية، قيل، حينها، إنها تستهدف إمدادات أسلحة إلى الحزب، الذي اكتفى بـ"الاحتفاظ بحق الرد". لكن، جاءت غارة القنيطرة، ورمزية ضحاياها، وخصوصاً جهاد مغنية، نجل عماد مغنية، لتضع الحزب في موقف حرج إزاء جمهوره وخصومه، في المقامين الأول والثاني. كان لا بد من عمل أمني ما، يحفظ له ماء الوجه، بعد الضربات التي تلقاها، من دون أن يؤدي إلى الانجرار إلى حرب واسعة، تستنزف مزيداً من قدراته، وهو الملتفت حالياً بشكل أساس إلى الجبهة الشرقية "لمواجهة خطر التكفيريين"، كما يقول.
من هنا، كانت حملة "التبجيل" التي قام بها مؤيدو الحزب، ورفعهم من قيمتها، على الرغم من أن للحزب، في السابق، عمليات أقوى وأكثر أهمية. هي الرغبة في استعادة الهيبة وقدرة الردع في مواجهة الاحتلال الغاية الأولى من العملية، وهو ربما ما قرأته إسرائيل، وأعلنت مبكراً الاكتفاء بالرد الذي قامت به، أي قصف محيط منطقة العملية، وانتظار ما سيكون عليه رد فعل الحزب لاحقاً، خصوصاً أيضاً أن الحرب ليست في حسابات إسرائيل حالياً، ولا سيما على الجبهة اللبنانية. فمصير إيهود أولمرت بعد عدوان 2006 لا يزال ماثلاً أمام بنيامين نتنياهو، وهو حالياً ليس في وارد تكرار ما فعله سلفه، في ظل خطر محيط به من اليمين المتطرف.
إضافة إلى هذا وذاك، لا يمكن، لا لحزب الله ولا لإسرائيل، تجاهل الأجواء الدولية، وحال التقارب بين حليفيهما، أي الولايات المتحدة وإيران، وقصائد الغزل المتبادل في ظل حال التقاء مصالح، هو الأول من نوعه منذ حربي أفغانستان والعراق. تقارب ليس من المسموح، إيرانياً أو أميركياً، تعكيره حالياً، ولا سيما أن للبلدين اهتمامات أوسع، تبدأ من اليمن، لتمر في سورية، وتنتهي في الجبهة اللبنانية التي ليست في قائمة الأولويات. فالهدوء على الجبهة مكفول وقائم، وسيظل قائماً، في الوقت الراهن.
حققت عملية حزب الله المراد منها: أعادت الحد الأدنى من الثقة، من دون أن تخرق سقف الحسابات الداخلية والخارجية الضابطة لإيقاع الوضع على الجبهة مع إسرائيل.