لا شيء دائم في السياسة، فالمصالح هي المُحدّد الرئيس للعلاقات بين الدول، وهذا ما ينطبق على زيارة رئيس ساحل العاج الحسن درامان وتارا إلى فرنسا، التي تستغرق يومين.
فالرئيس العاجي معروف بعلاقاته الوثيقة مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وهو الذي ترأس حفل زفافه في بلدية نويي حين كان عُمدتها. في حين كان الاشتراكيون الفرنسيون يؤيدون بشدة، حزب الرئيس العاجي السابق لوران غباغبو الاشتراكي، وكان السياسي الاشتراكي الفرنسي هنري إيمانويللي كثيراً ما يردد مقولة "غباغبو هو توأمي الأسود"، ولكن السياسة والمصالح الفرنسية اقتضت أن يحسم الجيش الفرنسي في فترة ساركوزي الصراع المحتدم بعد الانتخابات في ساحل العاج لصالح وتارا، ويعتقل غباغبو قبل أن يُحاكَم في لاهاي ويُودَع في السجن الهولندي.
وبعد وصول الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند إلى السلطة، بدأت العلاقات في التحسن بعد فترة جفاء قصيرة، فقد جاءت الأزمات السياسية والإقليمية في منطقة الساحل وانهماك فرنسا فيما تسميه حروبها على الإرهاب، وحاجتها إلى حلفاء إقليميين وقواعد عسكرية، لتمنح دفئاً للعلاقات بين البلدين. كما أن سياسات وتارا الاقتصادية الليبرالية ومواقفه الصريحة الرافضة للتطرف الإسلامي، جعلت منه حليفاً يُعتدّ به في المنطقة.
وكان موقف ساحل العاج أخيراً، في مساعدة فرنسا على تسهيل عملية خروج رئيس بوركينا فاسو الذي أطيح به بليز كومبواريه إلى ساحل العاج، إثر ما سمي بـ"ربيع بوركينا فاسو"، قمة التنسيق العسكري والسياسي بين البلدين.
وهكذا تأتي هذه الزيارة لتؤكد أن وتارا صديقٌ، ليس فقط لليمين، من خلال ساركوزي، بل لفرنسا الاشتراكية أيضاً.
وقد وقّع رئيس الوزراء العاجي دانيال كابلان دانكان مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، على هامش الزيارة، اتفاقات اقتصادية هامة مع فرنسا، تتمثل في تحويل ديون ساحل العاج إلى مشاريع تنموية يحدّدها الطرفان من أجل المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلد.
وبلغت المساعدة الفرنسية ملياراً و123 مليون يورو تضاف إلى مبلغ 630 مليون يورو للفترة ما بين 2013 إلى 2015. ويبدو أن المساعدات الفرنسية متنوعة إذ تشمل ستة قطاعات لها صبغة الأولوية: التنمية الحضرية والتعليم والبنى التحتية لقطاع النقل والزراعة والتنمية القروية والتنوع الحيوي والعدالة.
والطريف أن زيارة الرئيس العاجي ترافقت مع إعادة افتتاح قاعة الحفلات التابعة للمعهد الفرنسي في أبيدجان، والتي تم تأهيلها بعد أن ظلت مغلّقة خلال 11 عاماً. وكأن فرنسا لا تزال تعير أهميّة لما تسميه "الاستثناء الثقافي" في زمن العولمة الكاسحة.
وستكون زيارة وتارا فرصة للقاء صديقه الحميم ساركوزي، الرجل الجديد القوي لحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، والحالم بالعودة إلى الإليزيه مرة ثانية.