يكره النظام المصري الصحافيين. هذه معلومة وليست رأياً. كل تفاصيل السنتين الأخيرتين تؤكد ذلك: سجن الصحافيين (64 صحافياً بحسب الشبكة العربية لحقوق الإنسان)، مصادرة الصحف أو وقف طباعتها وإجبارها على تغيير عناوينها (المصري اليوم قبل أسبوعين، وصحف الوادي، الأهرام، صوت الأمة، البيان، الوطن...)، اقتحام النقابة لأول مرة في تاريخ مصر الحديث واعتقال صحافيين من داخلها، تجييش البلطجية و"المواطنين الشرفاء" ضد صحافيين سلميين، تهديد صحافيين داخل مؤسساتهم.. ليصل النظام إلى القمة مع إصداره يوم أمس حكماً بإعدام ستة متهمين، بتهمة "التخابر مع قطر"، وإحالة أوراقهم إلى المفتي للحصول على الرأي الشرعي بالإعدام. بين هؤلاء الستة، أربعة صحافيين وعاملين في القطاع الإعلامي: أحمد علي عبده عفيفي (محبوس - منتج أفلام وثائقية)، أسماء محمد الخطيب (هاربة - مراسلة بشبكة رصد الإعلامية)، وعلاء عمر محمد سبلان (هارب – أردني الجنسية - معد برامج بقناة الجزيرة القطرية)، وإبراهيم محمد هلال (هارب - رئيس قطاع الأخبار بقناة الجزيرة القطرية).
أربعة زملاء لنا، قد تنتهي حياتهم بقرار من القضاء المصري، بحبل ملفوف على رقابهم، برصاص أخيرة أو بأي وسيلة من وسائل القتل التي يعرفها جيداً النظام المصري، ويتقنها، من دون أي تهمة حقيقية واضحة، باستثناء التهمة السياسية المبهمة والمطاطة (والمخزية في كل الأحوال) وهي "التخابر" مع دولة عربية أخرى. أساساً لا يحتاج هذا النظام، إلى حجة للقتل، لم يحتج لحجة عندما ارتكب أبشع مجزرة في تاريخ مصر الحديث، قبل ألف يوم، ولم يحتج لحجة عندما قتل شيماء الصباغ عشية الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، وهي واقفة في الشارع تحمل وردة. ثقافة القتل عادة، رسخها النظام، فبات المدنيون يموتون في الشارع على يد عساكر، بسبب ثمن كوب شاي، أو بسبب أفضلية المرور..
نعود إلى حكم الإعدام، الحكم الصادر بالتزامن مع أكبر انتفاضة للصحافيين ضد قمع النظام لهم، ولمهنتهم. لكن النظام لا يتراجع. يخطو خطوة (بل 10 خطوات إلى الأمام) ويصدر حكماً بقتل صحافيين، اثنان منهما يعملان في مؤسسة تختلف مع النظام في الرأي. حدود القضية هنا: "الجزيرة" تختلف مع النظام المصري في الرأي. تخالفه الرأي، تنتقده، تفضح انتهاكاته. وانتهى. حدود الموالاة والمعارضة البديهية. يحصل ذلك لأسباب سياسية، يحصل ذلك لأسباب أخرى؟ كل الاحتمالات مفتوحة، لكنها معارضة سلمية، حدها الأقصى، وسقفها الأعلى هو انتقاد النظام، بالصورة. فقط. يعدم النظام الصورة. كيف لا؟ الصورة تخيف الأنظمة الدكتاتورية. الصورة تقول كل شيء، من دون شرح، من دون فتح مجال للتبرير. الصورة دليل، والدليل يدين، والإدانة لا تراجع عنها.
قد ينفّذ حكم الإعدام وقد لا ينفّذ، لكن بغض النظار عن النتيجة الأخيرة، فإن التاريخ سيذكر أن هذا النظام، حوّل مصر إلى سرداب أسود يدفن في سجونه صحافيون أحياء، وتحت ترابه صحافيون مقتولون أخافوا نظاماً هشاً يتخبّط في قمعه ورعبه. الحرية لكل الصحافيين المعتقلين، والأمان والأمل للزملاء المحكوم عليهم. والتاريخ الأسود لهذا النظام ولقضائه وأحكامه.
اقــرأ أيضاً
أربعة زملاء لنا، قد تنتهي حياتهم بقرار من القضاء المصري، بحبل ملفوف على رقابهم، برصاص أخيرة أو بأي وسيلة من وسائل القتل التي يعرفها جيداً النظام المصري، ويتقنها، من دون أي تهمة حقيقية واضحة، باستثناء التهمة السياسية المبهمة والمطاطة (والمخزية في كل الأحوال) وهي "التخابر" مع دولة عربية أخرى. أساساً لا يحتاج هذا النظام، إلى حجة للقتل، لم يحتج لحجة عندما ارتكب أبشع مجزرة في تاريخ مصر الحديث، قبل ألف يوم، ولم يحتج لحجة عندما قتل شيماء الصباغ عشية الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، وهي واقفة في الشارع تحمل وردة. ثقافة القتل عادة، رسخها النظام، فبات المدنيون يموتون في الشارع على يد عساكر، بسبب ثمن كوب شاي، أو بسبب أفضلية المرور..
نعود إلى حكم الإعدام، الحكم الصادر بالتزامن مع أكبر انتفاضة للصحافيين ضد قمع النظام لهم، ولمهنتهم. لكن النظام لا يتراجع. يخطو خطوة (بل 10 خطوات إلى الأمام) ويصدر حكماً بقتل صحافيين، اثنان منهما يعملان في مؤسسة تختلف مع النظام في الرأي. حدود القضية هنا: "الجزيرة" تختلف مع النظام المصري في الرأي. تخالفه الرأي، تنتقده، تفضح انتهاكاته. وانتهى. حدود الموالاة والمعارضة البديهية. يحصل ذلك لأسباب سياسية، يحصل ذلك لأسباب أخرى؟ كل الاحتمالات مفتوحة، لكنها معارضة سلمية، حدها الأقصى، وسقفها الأعلى هو انتقاد النظام، بالصورة. فقط. يعدم النظام الصورة. كيف لا؟ الصورة تخيف الأنظمة الدكتاتورية. الصورة تقول كل شيء، من دون شرح، من دون فتح مجال للتبرير. الصورة دليل، والدليل يدين، والإدانة لا تراجع عنها.
قد ينفّذ حكم الإعدام وقد لا ينفّذ، لكن بغض النظار عن النتيجة الأخيرة، فإن التاريخ سيذكر أن هذا النظام، حوّل مصر إلى سرداب أسود يدفن في سجونه صحافيون أحياء، وتحت ترابه صحافيون مقتولون أخافوا نظاماً هشاً يتخبّط في قمعه ورعبه. الحرية لكل الصحافيين المعتقلين، والأمان والأمل للزملاء المحكوم عليهم. والتاريخ الأسود لهذا النظام ولقضائه وأحكامه.