مع استمرار رئيس الوزراء الأوكراني الجديد، دينيس شميغال (44 عاماً)، في تشكيل فريقه، خلفاً لحكومة سلفه المستقيل، أليكسي غونتشاروك، تتزايد الشكوك في أنْ ليس من شأن تغيير الحكومة الأوكرانية سوى إعادة تقاسم النفوذ بين طبقة الأوليغارشيا (أصحاب المال) المسيطرة على القطاعات الاستراتيجية من اقتصاد البلاد، وعودة "الدولة العميقة" إلى صدارة المشهد.
ومن المؤشرات المعززة لصحة هذه الشكوك، الروابط القوية بين شميغال وأثرى أثرياء أوكرانيا، رينات أحمدوف، بعد أن شغل وظائف قيادية في أكبر شركة طاقة أوكرانية خاصة "دتيك"، المملوكة لأحمدوف، الذي تقدر مجلة "فوربس" العالمية ثروته بـ6.7 مليارات دولار.
وفي هذا الإطار، يعتبر المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، أنّ تعيين شميغال رئيساً للوزراء يشكّل تتويجاً لنظام "الديمقراطية الأوليغارشية" في أوكرانيا، مقراً في الوقت نفسه بأنّ الفريق الجديد أكثر احترافية من حكومة غونتشاروك.
ويقول تشالينكو في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك قدر من التقدّم، إذ إنّ الحكومة الجديدة أكثر احترافية، وفق تشكيلتها، من تشكيلة الحكومة السابقة التي كان أعضاؤها يفتقرون إلى أي خبرة من الأساس، بل تمكنوا من الصعود في ظلّ موجة إقبال الأوكرانيين على دعم الوجوه الجديدة".
وفي ما يتعلق بتأثير علاقة شميغال بأحمدوف، يقول تشالينكو: "هذا أمر طبيعي، إذ إنّ أحمدوف يتعاون دائماً مع السلطة، لا المعارضة، حتى لا تُصادَر مصانعه"، مضيفاً: "يجري تنويع الأوليغارشيا، بعد أن اعتمد الرئيس فولوديمير زيلينسكي على دعم رجلَي الأعمال الأوكرانيَّين، فيكتور بينتشوك وإيغور كولومويسكي، والملياردير الأميركي المجري جورج سوروس. وبذلك يتحقق نظام الديمقراطية الأوليغارشية القائم في أوكرانيا".
وحول توقعاته بشأن التعاون الروسي الأوكراني في مجال الطاقة في عهد الحكومة الجديدة، يرى أنّ "هناك توجهاً نحو إعادة إيفان بلاتشكوف إلى حقيبة الطاقة"، موضحاً: "صحيح أنه أيضاً من رجال أحمدوف، ولكنه يتسم بدرجة عالية من البراغماتية، وله سجلّ حافل في المفاوضات والصلح مع روسيا".
وإذا صدقت هذه التوقعات، يمهّد تعيين الحكومة الجديدة لمواصلة التطبيع الروسي الأوكراني في مجال الطاقة، الذي توّج في نهاية العام الماضي بإبرام عقد جديد لترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية لمدة خمس سنوات.
من جهته، يعتبر الصحافي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف، أنّ "تعيين شخصيات بعينها في الحكومة الأوكرانية لم يعد له أي تأثير يذكر، في ظلّ انفراد زيلينسكي بالحكم، مدعوماً من حزبه (خادم الشعب) المسيطر على الرادا العليا (البرلمان الأوكراني)".
ويقول بورتنيكوف في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "في المرحلة الحالية، تُتخذ جميع القرارات من قبل مكتب الرئيس وأقرب المحيطين به، ثمّ يجري إملاؤها على البرلمان والحكومة، مثلما هو الحال في روسيا".
وحول دوافع زيلينسكي لتغيير الحكومة، يشير بورتنيكوف إلى أنّ "الرئيس لم يكن راضياً عن الحكومة التي كان كلفها، بعد أن أدى أداؤها إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني بنسبة 0.5 في المائة، للمرة الأولى منذ عام 2016، وتعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن تمويل كييف".
وبالنسبة إلى تنامي نفوذ أحمدوف، يقول بورتنيكوف: "يحدث ذلك في عهد كل رئيس، لأنّ أحمدوف يسيطر على قطاع الطاقة، ما يعني أنّ الاقتصاد الأوكراني سيصاب بالشلل في حال عزوفه عن التعاون مع الدولة. وبشكل عام، مثّل صعود زيلينسكي استرداداً لنفوذ نادي الأوليغارشيا المسيطر على القطاعات الاستراتيجية ووسائل الإعلام، بعد أن سعى سلفه، بيترو بوروشينكو، إلى الحدّ منه تحت ضغوط المقرضين الغربيين".
بدوره، يرى الباحث المتعاون مع مركز "كارنيغي" في موسكو، قسطنطين سكوركين، أنّ "حكومة غونتشاروك على الرغم من المآخذ عليها، إلا أنها كانت تعبّر عن الاندفاع المجتمعي الذي اعتلى زيلينسكي نفسه موجته للوصول إلى السلطة"، معتبراً أنّ "استقالتها تُفقد الرئيس جزءاً من شرعيته".
وفي مقال تحت عنوان "نهاية الرومانسية... دلالات تغيير الحكومة الأوكرانية"، نُشر في موقع مركز "كارنيغي"، يشير سكوركين إلى أنّ "مجلس الوزراء الأكثر شباباً في تاريخ أوكرانيا لم يستمر في مهامه سوى لنصف عام، تاركاً الساحة للمحترفين القدامى، بعد أن تبيّن أن النسخة الأوكرانية من الدولة العميقة المتمثلة بالأوليغارشيا كانت أكثر صموداً مما تصوره الإصلاحيون".
ويوضح كاتب المقال أنّ حكومة غونتشاروك "كانت هادفة إلى طمأنة المقرضين الدوليين وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلقت انطباعاً جيداً في الخارج، ولكنها اصطدمت برجل الأعمال الملياردير إيغور كولومويسكي في الداخل، بمعارضتها ردّ مصرفه (بريفات بنك) الذي أُمِّم، فتعرضت لهجوم إمبراطوريته الإعلامية، وتصويرها كأداة لإدارة أوكرانيا من الخارج".
ومع ذلك، خلص سكوركين إلى أنّ تراجع شعبية زيلينسكي من 64 في المائة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى 44 في المائة بحلول فبراير/شباط الماضي فقط، وفق أرقام "معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع"، هو الذي حسم مصير غونتشاروك وفريقه، سعياً من الرئيس للتخلّص من حكومة تهبط بشعبيته.
وكانت الرادا العليا قد صوتت يوم الأربعاء الماضي، بأغلبية 291 صوتاً على تعيين نائب رئيس الوزراء آنذاك، شميغال، رئيساً للحكومة خلفاً لغونتشاروك البالغ من العمر 35 عاماً فقط.
ومن بين أولويات حكومة شميغال التي ذكرها في كلمة أمام الرادا بعد تعيينه، تطوير البنية التحتية وتحسين مستوى الخدمات الطبية والتعليم، وتعزيز الدفاع والأمن الوطني، بالإضافة إلى الشعارات المعتادة، مثل إنهاء الحرب في منطقة دونباس شرق البلاد، واسترداد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.