وكانت تيريزا ماي قد تعهدت خلال هذا الشهر، بإدخال موعد الخروج من الاتحاد في نص التشريع الخاص بالانسحاب الأوروبي، والذي تتم مناقشته حالياً في مجلس العموم.
والهدف من إدخال التعديل، الذي ينص على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عند منتصف الليل من 29 مارس/ آذار 2019 بتوقيت بروكسل، هو إرضاء جمهور البريكست المتشدد ومناصريه داخل حزب المحافظين، حيث إن إضافة هذه الفقرة إلى القانون ستلزم بريطانيا بالطلاق مع بروكسل، بغض النظر عن الوصول إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي أو عدمه.
كما أن البرلمان البريطاني، وإن كان قد مرر قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي قبل شهرين، لا يزال يعارض منح الحكومة سلطات لامحدودة، تعرف باسم "صلاحيات هنري الثامن"، والتي تستطيع الحكومة بموجبها إدخال التعديلات التي تريد على القوانين البريطانية من دون العودة إلى مجلس العموم. وبالتالي فإن إدخال التعديل الذي ينص على موعد الخروج من الاتحاد يجرد البرلمان البريطاني من أي سلطة حول اتفاق البريكست النهائي.
وكان البرلمان البريطاني قد بدأ التصويت على التعديلات التي اقترحتها اللجان البرلمانية على قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع.
ورغم أن الحكومة نجحت في تمرير التعديلات التي تريدها حتى الآن، إلا أن أغلبيتها البرلمانية لا تتجاوز حالياً العشرين صوتاً. ولكي تستمر الحكومة في كسب التصويت في مجلس العموم فإنها تحتاج لجميع أصوات حزب المحافظين، إضافة إلى أصوات الحزب الديمقراطي الاتحادي الذي يدعم حكومة ماي في البرلمان.
ولكن المتمردين على رغبة الوزراء في التفرد بمصير البريكست من بين نواب الحزب الحاكم، كانوا قد هددوا ماي بالتصويت ضد التعديل المقترح بإدخال موعد البريكست النهائي في نص القانون.
وبينما يدفع عدد من الوزراء، مثل بوريس جونسون، وزير الخارجية، ومايكل غوف، وزير التجارة الدولية، تجاه بريكست مشدد، وإن كان يتطلب عدم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يطالب المتمردون من الحزب إلى جانب الأحزاب المعارضة، بمنح البرلمان تصويتاً ذا معنى على صفقة البريكست النهائية، والتي يجب أن تحدث قبل خروج بريطانيا من الاتحاد.
كما أن المتمردين، إضافة إلى استغلالهم لضعف وضع الحكومة البرلماني، وصلتهم دفعة معنوية جديدة بعد تبين أن الدول الأوروبية طلبت استشارة قانونية من المفوضية الأوروبية لبحث تمديد فترة التفاوض مع بريطانيا لأكثر من العامين اللذين تنص عليهما المادة 50، والتي تخرج بموجبها بريطانيا من الاتحاد.
ودفعت هذه التطورات مجتمعة بعدد من الوزراء البريطانيين للقول بأن رئيسة الحكومة تأخذ بجدية نصائح وزرائها بعدم إدخال موعد الانسحاب إلى نص القانون، وذلك لتجنب الهزيمة البرلمانية، والتي يمكن أن يكون لها تبعات على استقرار الحكومة ذاتها.
فالحكومة البريطانية عرضة لانتقاد متزايد لفشلها حتى الآن في الوصول إلى أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول بنود المرحلة الأولى من المفاوضات.
وفشل ديفيد ديفيس، وزير البريكست، في إقناع زعماء الأعمال الألمان، والذين يشكلون إحدى أهم قوى الضغط الأوروبية في المفاوضات الحالية، في الوصول إلى اتفاق تجارة حرة مع بريطانيا، خلال اجتماعه بهم يوم أمس في العاصمة الألمانية برلين.
وحاول ديفيس في كلمته التي ألقاها بعد الاجتماع شق الصف الأوروبي حينما اتهم ألمانيا وفرنسا بالاستئثار بالقرار الأوروبي، والمطاولة في المفاوضات، وهو ما يضر بمصالح الدول الأوروبية الأخرى مثل إيطاليا وهولندا وبولندا، والتي تريد الانتهاء من الأمر بأسرع ما يمكن، وفقاً لديفيس.
إلا أن اعتقاد وزير البريكست البريطاني بأن مشكلة المملكة المتحدة هي مع ألمانيا وفرنسا فقط لا يبدو مصيباً. فقد أطلق رئيس الوزراء الإيرلندي تصريحات قوية اليوم قبيل لقائه بتيريزا ماي، بأن إيرلندا ستمنع أي تقدم في مفاوضات البريكست خلال القمة الأوروبية المقبلة في ديسمبر/ كانون الأول، ما لم تتقدم بريطانيا بضمانات رسمية بعدم رفع الحدود بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية.
ويذكر أن الاتحاد الأوروبي يأخذ قرارته بالإجماع، ويمكن لأي دولة بمعارضتها، أن تعيق صدور القرار.
ودفعت حالة الشك المتزايدة بلويد بلانكفين، مدير غولدمان ساكس، إلى التغريد على تويتر يوم أمس مقترحاً استفتاء ثانياً على البريكست لتأكيد الإجماع البريطاني تجاه هذا القرار "الهام وغير القابل للعكس."
وقال بلانكفين إن هناك حالة من القلق تسود المدراء التنفيذيين للشركات العاملة في بريطانيا حول البريكست والطريق الصعب أمامهم. ويرى أن استفتاء جديداً سيكشف عن الإجماع البريطاني الحالي.
وتوظف غولدمان ساكس نحو 6 آلاف موظف في مقرها الجديد في لندن، والذي سيتم العمل عليه مع خروج بريطانيا من الاتحاد عام 2019.