بين خطابي القيادي البارز صالح الصماد في الساعات الأخيرة قبل مقتله في أبريل/نيسان الماضي، وزعيم جماعة "أنصار الله"، عبدالملك الحوثي، يوم الأحد الماضي، ملامح تحكي رعب ما قد يبدو الأشهر الأخيرة للحوثيين في محافظة الحديدة، إذ يبدو أن الجماعة في طريقها لخسارة ثاني أهم المدن الخاضعة لسيطرتها بعد صنعاء، في تطورٍ يكاد يكون التحول الأهم، الذي سيترك خارطة جديدة للحرب الدائرة منذ سنوات في البلاد، ومعها جهود الحل الرامية لإعادة الأطراف اليمنية قريباً إلى طاولة المشاورات.
ووفقاً لمصادر محلية وعسكرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "وحدات قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية ومجاميع القوات المدعومة من التحالف بدعم من التحالف بواجهة إماراتية، باتت على بعد كيلومترات معدودة، من مدينة الحديدة، مركز المحافظة اليمنية الحيوية، بعد أن حققت انتصارات بوتيرة متسارعة، خلال الأيام الأخيرة، إلا أن الحوثيين في المقابل، كثفوا انتشارهم في شوارع المدينة ومناطق متفرقة، استعداداً لما قد يجعل المعركة مكلفة، على الأقل".
وعلى الرغم من أن تقدم الشرعية، لا يزال مهدداً، مع بقاء سيطرة الحوثيين على أغلب مديريات المحافظة الساحلية الأهم في اليمن، بالنسبة للشمال والغرب، على وجه خاص، إلا أن زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي وفي خطوة غير متوقعة، سارع إلى الإقرار بخسائر تكبدها مقاتلو الجماعة في الساحل الغربي. وتضمن خطابه مساء الأحد الماضي، ما اعتبره مراقبون تمهيداً للإقرار بهزيمته في الحديدة أمام أتباعه، على غرار اعتبار أن التراجع في بعض المحافظات لأسباب موضوعية والاستشهاد بخسارة الجماعة للمحافظات الجنوبية (أواخر 2015)، للدلالة على أن التراجع لا يعني نهاية المعركة، واستخدم عبارات على غرار أن "الاختراقات قابلة للاحتواء"، وأن "التقدم يمكن أن يسقط"، وغيرها من التعبيرات والتصريحات، التي كان مضمونها مؤشرا إلى أن الجماعة في طريقها لخسارة الحديدة وأنها بدأت بتحضير أتباعها لاحتمال حصول ذلك، على الرغم مما تضمنه الخطاب، من أن "العدو يستطيع أن يفتح معركة في الحديدة لكن يستحيل عليه أن يحسمها".
ومن أبرز ما كشف عنه الحوثي في الخطاب الذي وُصف بأنه خطاب إقرار أو تمهيد للهزيمة، التلميح إلى أن "جماعته لا تزال تسيطر على مناطق الثقل الاستراتيجي"، في إشارة إلى المحافظات الشمالية في صنعاء ومحيطها. وكأن الجماعة بدأت بالانتقال إلى مرحلة إحصاء ما تبقّى من مناطق خاضعة لها وما الذي تمثله أو يمكن أن تفعله أمام خسائر كبيرة في الساحل الغربي. وبالإضافة إلى ذلك شدّد الحوثي على أن "معركة الحديدة، معركة أميركية بامتياز". الأمر الذي يسلط الضوء على الموقف الدولي، الذي طالما كان عاملاً رئيسياً في الضغط على التحالف لوقف أي عملية عسكرية نحو الحديدة، باعتبارها الشريان الذي تصل إليه غالبية الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية، وخفتت نسبياً لهجة التصريحات الدولية المعارضة للتقدم في الحديدة، في الأسابيع الأخيرة على الأقل، مع تسريبات بـ"ضوء أخضر"، من بعض الأطراف الدولية الفاعلة للتحالف بدعم التقدم نحو الحديدة.
ومع تواتر مؤشرات خسارة الحوثيين للحديدة، بعد أكثر من عام على إعلان التحالف والحكومة، أنها الهدف التالي للعمليات العسكرية في الساحل الغربي، بعد المناطق الساحلية لتعز (المخا وذوباب قرب باب المندب)، فإن تحولاً محورياً على صعيد الحرب اليمنية ظهرت ملامحه، فتطورات الأيام الأخيرة، هي الحدث الأهم منذ انهيار تحالف الحوثيين وصالح ومقتل الأخير، كما أن خسارة الحديدة، يمكن أن تكون التطور الميداني الأهم على مسار الحرب اليمنية، منذ انسحاب الحوثيين وحلفائهم من عدن ومحيطها في النصف الأخير من عام 2015.
في هذا السياق، اعتبر الباحث علي محمد الذهب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أهمية تقدم الجيش في جبهة الساحل تتحدد بأمرين رئيسين، هما موقع الحديدة في أجندات قوى التنافس الدولي على البحر الأحمر، وارتباط بقائها في قبضة الحوثيين، باستمرار تهديد الصواريخ للسعودية، لما تؤديه موانئ الساحل الغربي من دور في تهريب الصواريخ وتقنياتها". ورأى أن "أي تهديد يمكن أن يشكله الحوثيون على التقدم الذي حصل الأيام الأخيرة لن يكون كبيراً إذا ما نقلت المواجهة شمالاً، إلى ما بعد مدينة باجل، وتطوير المعركة باتجاه العاصمة من أي نقطة تقرّب، سواء من هذه الجبهة أو من نهم أو غيرها". وأضاف أن "السيطرة على الحديدة تعني فقدان الحوثيين 70 في المائة من قدرتهم على الصمود، لكنهم سيقاومون لفترة محددة، وسيلجأون إلى المناورة السياسية لتفادي المزيد من الانكسارات".
اقتصادياً، فإن الحديدة هي أبرز مصادر الدخل التي يعتمد عليها الحوثيون، من الجمارك المفروضة على الواردات التجارية، التي تغطي بالمجمل المواد الغذائية والواردات المتنوعة، لأغلب سكان البلاد، وبالتالي فإن وضع سيطرة الجماعة فيما تبقى من المناطق الخاضعة لها أصبحت محفوفة بالمخاطر في أغلب الأحوال. ومن المرجح أن تسعى الجماعة للمناورة سياسياً وتكثيف جهود إعادة ترتيب صفوفها عسكرياً، بما يبقي على سيطرتها في صنعاء، قدر الإمكان، باعتبار أنها تبقى مركز الدولة اليمنية، التي تمنح السيطرة عليها الكثير جداً بما لا يٌقارن مع أي محافظة أخرى.
وعلى الصعيد العسكري، فإن خسارة الحديدة يمكن أن تصل تبعاتها إلى المناطق الحدودية وعلى مختلف جبهات القتال في البلاد، على أنها بالنسبة للجماعة لا تفقدها الانتصار الكبير ضد طرف صالح، الذي كان أيضاً يهدد سيطرتها في العاصمة ومحيطها بما في ذلك محافظة الحديدة، فيما الخسائر بعد ثلاث سنوات من الحرب غير المتكافئة تمثل نتيجة منطقية وموضوعية، إلى حد كبير. ويبقى سؤال المرحلة المقبلة، عن حدود خسائر الحوثيين بسبب تطورات الحديدة، وعن تأثيرها على سير عملية السلام التي يرعاها المبعوث الأممي الجديد، مارتن غريفيث، والتي سيقدم بموجبها خطة لمجلس الأمن الدولي بعد نحو أسبوعين، وغير ذلك من التبعات.