تسارعت الأحداث بوتيرة دراماتيكية، وانفجر الوضع عسكرياً بين الحوثيين وقوات الحرس الرئاسي، في محيط دار الرئاسة جنوبي العاصمة صنعاء. واستمرت أصوات الانفجارات والاشتباكات بالرشاشات والمدفعية تُسمع حتى مساء أمس، الإثنين، عند المدخل الغربي لدار الرئاسة ومواقع الحرس الرئاسي في "تبة النهدين"، ووصلت الاشتباكات إلى جوار منزل الرئيس اليمني في شارع الستين. ووفق الأرقام الأولية للضحايا، قُتل نحو عشرة أشخاص وأصيب عشرات آخرون جراء المواجهات، التي تسببت أيضاً بهدم عدد من المنازل وإغلاق المداخل المؤدية إلى المنطقة. هجوم عسكري حوثي مكمّل لخطوة خطف مدير مكتب الرئيس اليمني، أحمد عوض بن مبارك، منذ أيام، بحجج رفض مسودة الدستور وتقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، إلى ما هناك من تبريرات ضرورية لمحاولة إسباغ الشرعية على الانقلاب العسكري ــ السياسي الحوثي المستمر منذ شهور.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، أعلن وزير الداخلية اليمني، اللواء جلال الرويشان، بدء سريان وقف إطلاق النار في صنعاء، ابتداء من الرابعة والنصف من بعد ظهر أمس، الإثنين، وذلك بناء على قرار لجنة أمنية شكّلها هادي برئاسة مستشاره عن الحوثيين، صالح الصماد.
وأوضح الرويشان، في تصريح نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، أن اللجنة الرئاسية باشرت عملها في متابعة وقف إطلاق النار في مختلف الأماكن. إلا أنه لا توجد تأكيدات بالالتزام بوقف إطلاق النار من الحوثيين، الذين اتهموا الحرس الرئاسي بالاعتداء عليهم.
وقال عضو المكتب السياسي في "أنصار الله"، عبدالملك العجري لـ"العربي الجديد"، إن الاشتباكات اندلعت عندما توجّهت وحدات من الحرس الرئاسي وفقاً لتوجيهات رئاسية، وقامت بالاعتداء على نقاط "اللجان الشعبية" واعتلاء بعض المباني وإطلاق النار عشوائياً على الأحياء منها.
وكان هادي قد اجتمع بمجلس الدفاع الوطني أمس الأول، الأحد، وأمر بانتشار وحدات الجيش والأمن. وعقب التوجيه، بدأ التوتر مساءً بتعزيز قوات الحراسة الرئاسية انتشارها في محيط الرئاسة في مقابل انتشار مكثّف للحوثيين، الذين أصدروا بياناً مطولاً، حمل قائمة اتهامات لهادي وطالب بتأجيل تحديد عدد الأقاليم وتنفيذ بعض استحقاقات "اتفاق السلم والشراكة".
التصعيد الحوثي وصل إلى حد إطلاق النار على موكب رئيس الوزراء، خالد محفوظ بحاح، إذ أكدت وزيرة الإعلام اليمنية، نادية السقاف، أن بحاح نجا من محاولة اغتيال، عندما تعرض موكبه لإطلاق نار كثيف في إحدى نقاط الحوثيين في "شارع الزبيري" في صنعاء، أثناء عودته من اجتماع مع هادي بحضور مستشار الأخير عن الجماعة، صالح الصماد، الذي تعرّض موكبه أيضاً، حسب الوزيرة، لإطلاق نار من قبل مسلّحين في "شارع الستين"، ولم تُحدد ما إذا كان ذلك قد جرى من قبل الحرس الرئاسي أم من مسلّحي الجماعة أنفسهم.
وقالت الوزيرة السقاف إن وسائل الإعلام الرسمية باتت مختطفة وتحت سيطرة الحوثيين، وإن وسيلة الإعلام الرسمية التابعة للحكومة أصبحت قناة "عدن" الفضائية وحسابها الشخصي في موقع "تويتر". وكان التلفزيون الرسمي، قناة "اليمن" الفضائية، قد بث خبراً عاجلاً، منسوباً إلى مصدر رئاسي، بأن هادي وجّه بإيقاف إطلاق النار ودعا إلى اجتماع يضم مختلف المكونات.
وبالتوازي مع انفجار المواجهات المسلّحة، تحركت الوساطات والمفاوضات السياسية، من خلال لجنة تألفت من مستشاري الرئيس اليمني السياسيين عن القوى السياسية وممثلين عن الحوثيين، هدفت لتهدئة الوضع والوصول إلى توافق حول أبرز نقاط الخلاف، وتتمثل بشكل أساسي، بموضوع مسودة الدستور وعدد الأقاليم، بالإضافة إلى ضغوط الحوثيين من أجل تعيينات في مواقع بالدولة وقيادة السلطة المحلية في محافظة مأرب.
وتشترط جماعة "أنصار الله" تغيير مسودة الدستور لإطلاق سراح مدير مكتب الرئيس اليمني المختطف لديها، أحمد عوض بن مبارك، وتهدئة الأوضاع العسكرية، وتسعى تحديداً لإلغاء التقسيم إلى ستة أقاليم.
وعلى الرغم من أن هذه النقاط المعلن حولها الخلاف، إلا أن وصول الأمر إلى مواجهات مسلّحة في الدائرة الضيقة للدولة ممثلة بدار الرئاسة، أمر قرأه كثيرون بأنه توجّه جدي من الجماعة المسيطرة على صنعاء وعدد من المحافظات للإطاحة بهادي، خصوصاً مع تزامنه مع لهجة حادة في خطاب الحوثيين تُلقي بالمسؤولية على الرئيس وتصبّ عليه الاتهامات.
لكن القيادي في الجماعة، عبدالملك العجري، نفى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تكون هناك نية لدى جماعته بإبعاد هادي، وقال إن "المسألة كلها أن الرئيس اليمني يريد أن يمرر سيناريو الأقاليم (التقسيم إلى ستة) بالطريقة نفسها التي مرر بها التقسيم في السابق، على الرغم من أن وثيقة السلم والشراكة نصّت صراحة على إعادة النظر في شكل الدولة". واعتبر أن الرئيس "حاول أن يقفز على هذا البند وأن يقدّم مسودة الدستور بالصيغة التي هو يريد أن يمررها من دون أن يتم التوافق عليها".
واحتضن منزل المستشار السياسي للرئيس، عبدالكريم الإرياني، اجتماعاً لقادة الأحزاب السياسية بمشاركة الحوثيين مساء الأحد، من دون أن يتم الإعلان عن نتائج رسمية للاجتماع. وكان الصماد، قد دشّن الأزمة الأخيرة، بتصريح، قبل أيام، أعلن فيه أنه سيتوارى عن المشهد وأن "الوضع سيخرج عن السيطرة".
وعلى الرغم من التطورات غير المسبوقة والتي تهدد موقع الرجل الأول في الدولة، إلا أن مواقف القوى السياسية الأخرى بدت حذرة، بسبب علاقات هادي المتدهورة مع القوى ومثلها علاقاته مع الحوثيين. وأياً تكن التطورات، فإن الوضع يتأرجح بين احتمالين: الأول هو العودة إلى طاولة السياسة والتفاهم حول أبرز نقاط الخلاف من خلال اتفاق جديد يُمكّن الجماعة من السيطرة أكثر في مؤسسات الدولة، ويحقق بعض مطالبها، ويمكن عندها أن تتواصل العملية السياسية بصورة هشة لفترة مقبلة، ويكون الرئيس بموقع أكثر ضعفاً.
أما السيناريو الثاني، فهو أن يكمل الحوثيون التضييق على هادي ويجبرونه على المغادرة أو اعتزال السلطة، وهنا يبدأ الوضع مرحلة جديدة مفتوحة على جميع الاحتمالات، والخطوة الأرجح أن تتم كرد فعل، هي إعلان مجلس عسكري مدعوم من أبرز الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الذي يترأسه الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، والذي كانت اتهامات قد وُجّهت إليه بالسعي لإنجاز انقلاب.