يواجه السجناء في فرنسا، خصوصاً العرب والمسلمين، أزمة اندماج حقيقية بعد الخروج من السجن. ويعامل المجتمع عدداً كبيراً من هؤلاء بحذر، وقد يجدون صعوبة كبيرة في إيجاد وظائف، ما يتطلب العمل على كسر الصورة النمطية
ليس سهلاً على السجناء السابقين الاندماج مجدّداً في المجتمع، إذا لم يكن هناك عمل جدي داخل السجون لناحية التأهيل والتعليم من أجل اندماج أفضل بعدما يرون الشمس من جديد. وكثيراً ما يسقط سجناء سابقون مجدداً في الجريمة والعنف ويعودون إلى السجن.
وعلى الرغم من أن خمسين في المائة من الفرنسيّين يرون، بحسب استطلاع للرأي، أن السجناء في فرنسا يعاملون معاملة جيدة، إلا أن الحقيقة ليست وردية، إذ إن 59 في المائة من الذين حكم عليهم بالسجن يعودون خلال السنوات الخمس التي تعقب إطلاق سراحهم لارتكاب الجرائم، علماً أن النسبة تبدو ضئيلة في ما يخص من لم تصدر بحقه عقوبات، بحسب المرصد الدولي للسجون في فرنسا.
وما قد يؤثّر سلباً على السجناء هو ضعف الطاقة الاستيعابية في السجون. في السجون أكثر من 69 ألف سجين، بحسب إحصاء صدر في الأول من فبراير/ شباط 2017، بنسبة 140 في المائة من قدرتها الاستيعابية، ما يعني اختلاطاً كبيراً جداً وغياباً للحميمية، ويؤدي إلى عنف متزايد. وهذا ما تحاول المؤسسة السجنية في فرنسا التصدي له.
لكن أوضاع السجناء من أصول عربية إسلامية، والذين يشكلون نحو 25 في المائة من مجموع السجناء، بحسب وزيرة العدل نيكول بيلوبير، أكثر تعقيداً. ويؤدي القمع والتشدد الذي يستهدف أبناء الضواحي دوراً كبيراً في ارتفاع عدد المساجين من هذه الفئات. ميلود، فرنسي من أصول جزائرية، حكم عليه بالسجن عاماً واحداً بتهمة بيع المخدرات، يعترف بأن هذه السنة حطّمت حياته. "كنت أتصور أن الأمر سيكون سهلاً. عليّ دفع ثمن حماقة ارتكبتها. لكنه لم يكن كذلك بعدما أسيئت معاملتي من قبل السجانين، وتعرضت للضرب أكثر من مرة".
يضيف: "حين خرجت، سبقني ملفي السيئ، ولم يقبلني الكثير من المشغلين. وما أزال أعتمد على المساعدات الاجتماعية الهزيلة".
اقــرأ أيضاً
وإذا كان ميلود يعترف بأن الديانة لا تشغل باله كثيراً، إلا أن حالة رشيد تكشف سوء الفهم وانعدام الحرية الدينية في السجون، على الرغم من كل محاولات تحسينها. إصرار رشيد على أداء صلواته في السجن وصوم شهر رمضان والمطالبة باللحم الحلال، جعل رؤساء السجن يمارسون بحقه ضغوطاً نفسية كبيرة. "كان الحراس يفتشون زنزانتي أكثر من الزنزانات الأخرى ويقلبونها رأساً على عقب، وهو ما كان يغيظني. أحتج فيعاقبونني..". لكنّ الأمر ساء أكثر بعد خروج رشيد، الذي قضى سنتين في السجن بسبب إدانته بارتكاب جرائم عنفية مع شريك له في التجارة. وجاءت الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا عام 2015 لتزيد أوضاع مسلمي فرنسا سوءاً. "اعتقلت استناداً إلى قانون الطوارئ، وقيل لي إنني أصبحت متطرفاً أثناء فترة السجن، علماً أنني كنت أؤدي شعائري الدينية فقط. وُضعتُ تحت الإقامة الإجبارية خلال أكثر من سنة، ولم أعد قادراً على الخروج والبحث عن عمل من الناحية النفسية".
أما جواد، فسجن خمس سنوات بتهمة سرقة مصرف. خرج من السجن منهكاً، وبدا أنه أكبر سناً من عمره الحقيقي". يضيف: "كنت في سجن قذر مليء بالجرذان والصراصير، وقد أصبت بالكثير من الأمراض. بعد خروجي، لم تتقبلني زوجتي، وكذلك أصدقائي. بقي لي أمي العجوز".
ويبدو حال جواد، وهو فرنسي، أفضل حالاً بالمقارنة مع محكومين آخرين لا يتمتعون بالجنسية الفرنسية، إذ يقضون "عقوبة مزدوجة"، أي يقضون عقوبة السجن في فرنسا، ثم يرحلون إلى بلدانهم فور خروجهم من السجن. وهذا ما حصل مع المغربي عبد الفتاح الراجي الذي رحّل إلى المغرب بعد اتهامه بالمتاجرة في المخدرات. وعلى الرغم من أنه لا يتحدث العربية، فقد وصل إلى فرنسا في عمر مبكر.
اقــرأ أيضاً
الراجي لم يستطع الصمود في المغرب فعاد إلى فرنسا سراً. ولم يتمكن من تسوية أوضاعه لأن الأمر يتطلب معركة قضائية طويلة، وبالتالي لن يستطيع العمل بصفة قانونية. "أعيش بفضل مساعدات الأصدقاء وبعض الجمعيات". وشاء الظرف السياسي الذي عاشته فرنسا بعد اعتداءات عام 2015، أن تستقبل السجون الفرنسية سجناء متطرفين وراديكاليين، يطرحون قضايا أكثر إشكالية لدى انتهاء عقوباتهم. ويسود الانطباع بأن فرنسا كما فشلت في دمج الكثير من سجنائها السابقين، تعرف فشلاً أكبر مع هذه الفئة الجديدة. وفي كل فترة يكتشف الفرنسيون ذلك حين يضطر سجين سابق لحمل السلاح وقتل مواطنيه.
وإذا كان الرأي العام الفرنسي في غالبيّته ما زال يرى أنه يستحيل دمج شباب الضواحي وتطويرهم، سيكونون عاجزين عن التأقلم مع المواطنة والاستقلالية الفردية. وليس من المبالغة القول إن الجالية العربية ليست قوية، ولا تشكل قوة اقتصادية مستقلة قادرة على استيعاب هؤلاء الذين خرجوا من رحمها، فيبقون فترة طويلة محلّ شبهة وحذر، عدا عن الإسلاموفوبيا.
ملف السجن، بحسب ميلود: "يظل يطاردك لفترة طويلة على الرغم من أنك تكون قد أديت للمجتمع ما يستحقه، أي عقوبة سجنية وتعويضات للمتضررين في حال الاعتداءات أو السرقات".
وعلى الرغم من أن خمسين في المائة من الفرنسيّين يرون، بحسب استطلاع للرأي، أن السجناء في فرنسا يعاملون معاملة جيدة، إلا أن الحقيقة ليست وردية، إذ إن 59 في المائة من الذين حكم عليهم بالسجن يعودون خلال السنوات الخمس التي تعقب إطلاق سراحهم لارتكاب الجرائم، علماً أن النسبة تبدو ضئيلة في ما يخص من لم تصدر بحقه عقوبات، بحسب المرصد الدولي للسجون في فرنسا.
وما قد يؤثّر سلباً على السجناء هو ضعف الطاقة الاستيعابية في السجون. في السجون أكثر من 69 ألف سجين، بحسب إحصاء صدر في الأول من فبراير/ شباط 2017، بنسبة 140 في المائة من قدرتها الاستيعابية، ما يعني اختلاطاً كبيراً جداً وغياباً للحميمية، ويؤدي إلى عنف متزايد. وهذا ما تحاول المؤسسة السجنية في فرنسا التصدي له.
لكن أوضاع السجناء من أصول عربية إسلامية، والذين يشكلون نحو 25 في المائة من مجموع السجناء، بحسب وزيرة العدل نيكول بيلوبير، أكثر تعقيداً. ويؤدي القمع والتشدد الذي يستهدف أبناء الضواحي دوراً كبيراً في ارتفاع عدد المساجين من هذه الفئات. ميلود، فرنسي من أصول جزائرية، حكم عليه بالسجن عاماً واحداً بتهمة بيع المخدرات، يعترف بأن هذه السنة حطّمت حياته. "كنت أتصور أن الأمر سيكون سهلاً. عليّ دفع ثمن حماقة ارتكبتها. لكنه لم يكن كذلك بعدما أسيئت معاملتي من قبل السجانين، وتعرضت للضرب أكثر من مرة".
يضيف: "حين خرجت، سبقني ملفي السيئ، ولم يقبلني الكثير من المشغلين. وما أزال أعتمد على المساعدات الاجتماعية الهزيلة".
وإذا كان ميلود يعترف بأن الديانة لا تشغل باله كثيراً، إلا أن حالة رشيد تكشف سوء الفهم وانعدام الحرية الدينية في السجون، على الرغم من كل محاولات تحسينها. إصرار رشيد على أداء صلواته في السجن وصوم شهر رمضان والمطالبة باللحم الحلال، جعل رؤساء السجن يمارسون بحقه ضغوطاً نفسية كبيرة. "كان الحراس يفتشون زنزانتي أكثر من الزنزانات الأخرى ويقلبونها رأساً على عقب، وهو ما كان يغيظني. أحتج فيعاقبونني..". لكنّ الأمر ساء أكثر بعد خروج رشيد، الذي قضى سنتين في السجن بسبب إدانته بارتكاب جرائم عنفية مع شريك له في التجارة. وجاءت الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا عام 2015 لتزيد أوضاع مسلمي فرنسا سوءاً. "اعتقلت استناداً إلى قانون الطوارئ، وقيل لي إنني أصبحت متطرفاً أثناء فترة السجن، علماً أنني كنت أؤدي شعائري الدينية فقط. وُضعتُ تحت الإقامة الإجبارية خلال أكثر من سنة، ولم أعد قادراً على الخروج والبحث عن عمل من الناحية النفسية".
أما جواد، فسجن خمس سنوات بتهمة سرقة مصرف. خرج من السجن منهكاً، وبدا أنه أكبر سناً من عمره الحقيقي". يضيف: "كنت في سجن قذر مليء بالجرذان والصراصير، وقد أصبت بالكثير من الأمراض. بعد خروجي، لم تتقبلني زوجتي، وكذلك أصدقائي. بقي لي أمي العجوز".
ويبدو حال جواد، وهو فرنسي، أفضل حالاً بالمقارنة مع محكومين آخرين لا يتمتعون بالجنسية الفرنسية، إذ يقضون "عقوبة مزدوجة"، أي يقضون عقوبة السجن في فرنسا، ثم يرحلون إلى بلدانهم فور خروجهم من السجن. وهذا ما حصل مع المغربي عبد الفتاح الراجي الذي رحّل إلى المغرب بعد اتهامه بالمتاجرة في المخدرات. وعلى الرغم من أنه لا يتحدث العربية، فقد وصل إلى فرنسا في عمر مبكر.
الراجي لم يستطع الصمود في المغرب فعاد إلى فرنسا سراً. ولم يتمكن من تسوية أوضاعه لأن الأمر يتطلب معركة قضائية طويلة، وبالتالي لن يستطيع العمل بصفة قانونية. "أعيش بفضل مساعدات الأصدقاء وبعض الجمعيات". وشاء الظرف السياسي الذي عاشته فرنسا بعد اعتداءات عام 2015، أن تستقبل السجون الفرنسية سجناء متطرفين وراديكاليين، يطرحون قضايا أكثر إشكالية لدى انتهاء عقوباتهم. ويسود الانطباع بأن فرنسا كما فشلت في دمج الكثير من سجنائها السابقين، تعرف فشلاً أكبر مع هذه الفئة الجديدة. وفي كل فترة يكتشف الفرنسيون ذلك حين يضطر سجين سابق لحمل السلاح وقتل مواطنيه.
وإذا كان الرأي العام الفرنسي في غالبيّته ما زال يرى أنه يستحيل دمج شباب الضواحي وتطويرهم، سيكونون عاجزين عن التأقلم مع المواطنة والاستقلالية الفردية. وليس من المبالغة القول إن الجالية العربية ليست قوية، ولا تشكل قوة اقتصادية مستقلة قادرة على استيعاب هؤلاء الذين خرجوا من رحمها، فيبقون فترة طويلة محلّ شبهة وحذر، عدا عن الإسلاموفوبيا.
ملف السجن، بحسب ميلود: "يظل يطاردك لفترة طويلة على الرغم من أنك تكون قد أديت للمجتمع ما يستحقه، أي عقوبة سجنية وتعويضات للمتضررين في حال الاعتداءات أو السرقات".