الخطر القادم من سيناء
دعونا نشطح بخيالنا بعيداً، ونفترض سيناريو "مخيفاً"، قد يراه بعضهم مستحيلاً. لكن، ما جرى في الأعوام الثلاثة الماضية، في الجارة الجريحة، سورية، يدفعنا إلى بحثه، وأخذه على محمل الجد. يتمثّل هذا السيناريو الافتراضي بتمدد الجماعات السلفية الجهادية الموجودة في شبه جزيرة سيناء، باتجاه قطاع غزة، وعملها على إزالة الحدود (كما حدث بين العراق وسورية)، وإقامة إمارة تتبع لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم "داعش".
قد يستبعد بعضهم هذا السيناريو، في ضوء المعطيات الحالية، المتمثّلة بقوة الجيش المصري في سيناء، وقوة حركة حماس في قطاع غزة. لكن، علينا أن نتذكّر ما جرى في سورية والعراق، في الأعوام الماضية، إذ لم يكن أحد يتخيل أن تتمدد هذه الجماعات، وتتمكّن من السيطرة على أراضٍ شاسعة، وتقيم فيها دولة. بمعنى آخر: الأمر المستحيل حدوثه هذا العام، قد يكون ممكناً بعد عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة. وبشكل أكثر وضوحاً، قد يجد هذا السيناريو النور، إذا كانت هناك مخططات أميركية، أو إسرائيلية، متعلقة به، من دون أن يعني هذا وجود تنسيق مع تلك الجماعات، فهذا أمر نستبعده تماماً. لكن، تستطيع هذه الدول توفير الظروف الملائمة لتحقيق مخططاتها.
أما المصلحة الأميركية والإسرائيلية، في تحقيق هذا الأمر، فتتمثل في أمرين. الأول، أنه سيتسبب بصدام بين الجماعات الجهادية من جهة، وحركة حماس وفصائل المقاومة من جهة ثانية، وهو ما يعني حرفَ بوصلة المقاومة الفلسطينية. والثاني، أن إسرائيل ستستفيد منه في تسويق دعايتها السوداء القائمة على اعتبار قطاع غزة بؤرة إرهابية يجب التخلص منها، والقضاء عليها.
كما أن الجماعات السلفية الجهادية لا ترى أولوية في قتال إسرائيل، على اعتبار أنها لا تختلف كثيراً عن الدول العربية التي تحكمها نظم غير إسلامية، وترى أن الأولوية إقامة "الخلافة"، وإسقاط "القادة العرب الطواغيت"، بحسب وصفها، وهو ما عبّر عنه أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الفلسطينيين، ويدعى أبو عزام الغزي، في حوار مع وكالة "أعماق الإخبارية"، التابعة للتنظيم، نشرته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ولعل من الشواهد التي قد تدفع نحو تحقيق هذا السيناريو، زيادة نفوذ الفكر السلفي الجهادي، في سيناء يوماً بعد يوم.
كما أن الجماعات الجهادية تكفّر الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، وفي وسع الجميع التأكد من ذلك، بزيارة مواقعهم ومنتدياتهم، فهم يهاجمون الحركة بشراسة، ويتهمونها بأنها ترفض تطبيق "شرع الله"، وأنها تحارب "الموحدين"، وهو المصطلح الذي يطلقونه على أنصارهم.
وقد سبق لأنصار هذه الجماعات في القطاع، أن اصطدموا مع حركة حماس، أكثر من مرة، وجرت اشتباكات مسلحة دامية بين الطرفين، سقط فيها قتلى وجرحى. وبالتالي، فإن استمرار تعاظم نفوذ هذه الجماعات في سيناء لا يحمل بشارة لقطاع غزة، إذ إنهم قد يحاولون نقل نفوذهم إلى القطاع.
إن حصل هذا السيناريو المخيف، لا قدّر الله، سيكون كابوساً فلسطينياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهو سيحرف بوصلة المقاومة والكفاح الفلسطيني، بشكل كامل، وسيحولها من مقاومة مشروعة للاحتلال الإسرائيلي الذي يغتصب الأرض، إلى اقتتال داخلي، يهلك الحرث والنسل، ويقضي على الحركة الوطنية الفلسطينية التي تشكّل غزة أحد أهم مفاصلها.
ما يجري في المنطقة يدفعنا، كعرب عموما، إلى افتراض أسوأ السيناريوهات، مهما كانت مُفزعة، بهدف العمل على حماية الأمن القومي العربي، فمن الواضح أن الهدف الأميركي الإسرائيلي الأكبر هو إدخال المنطقة في حالة حروب أهلية، لا تبقي ولا تذر. فيا أيها المسؤولون الفلسطينيون، ويا قادة الرأي، ادرسوا مسار الثورة السورية جيداً، واستخلصوا الدروس والعِبر مما جرى هناك، يرحمكم الله.