21 فبراير 2018
الخوف استراتيجيةً
كيف لا تحصل الجبهة الوطنية في فرنسا على المرتبة الأولى في انتخابات الجهات، ومدير حملتها الانتخابية كان أباعوض الذي قاد كتيبة الموت في باريس، قبل ثلاثة أسابيع، ونشر الرعب، بعد أن أطفا مصابيح عاصمة الأنوار، ودفع الناخب الفرنسي إلى اليمين المتطرف، بحثاً عن الأمن والأمان اللذين افتقدهما، حسب ظنه، في حكومة اليسار وبرنامج اليمين.
الجبهة الوطنية المتطرفة على أبواب السلطة. هكذا عَنونت صحف فرنسا. وزعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، بدأت تفرك يديها استعداداً لدخول الإليزيه في 2017. حصل حزبها العنصري الذي يدعو إلى طرد المهاجرين، وتنقية الهوية الفرنسية من الشوائب التي علقت بها، وإعادة رسم حدود الدولة والهوية والعملة، حصل في الدور الأول للانتخابات الجهوية على 28% من أصوات الناخبين، وحصل حزب الجمهوريين الذي يقوده نيكولا ساركوزي على 27%، فيما جاء الحزب الاشتراكي، حزب رئيس الجمهورية في المرتبة الثالثة، بـ 23.5%. الرسالة واضحة، مسّت رصاصات تنظيم داعش وقنابله عمق الفرنسيين، ودفعتهم إلى الجواب العاطفي. اختاروا رد فعل الخائف الذي يطلب الحماية من أقرب شخص إليه، ولم يختاروا الرد العقلاني الشجاع، أن أكبر مشكلة مع الخوف هي الخوف نفسه، وأحسن رد على الإرهاب التمسك بقيم التعايش والاختلاف والتنوع وعدم السقوط في الحرب الأهلية.
ما الذي يدفع الشعوب الغربية إلى التصويت لليمين المتطرف، ولبرنامجه الشعبوي، ولتوجهاته العنصرية؟ إنه الخوف عندما يتحول برنامجاً سياسياً، واستراتيجية انتخابية في يد التيارات القومية أو العنصرية.
الخوف شعور إنساني طبيعي. ولكن، هناك من يُعقلن خوفه، ويقبل بهامش من المخاطر التي تصاحب الحياة، بل ويجعل من خوفه الطبيعي حافزاً نحو التفكير في مشكلات الحاضر. وهناك خوف مرضي يسيطر على الأفراد والجماعات، يعطل التفكير، ويدفع صاحبه، تحت الضغط، إلى اختيار الحلول السهلة، وإلى تصور طوباوي، يبحث عن الأمان المطلق، حتى لو اتجه إلى حلول متطرفة.
الأمر شبيه بركوب السيارة المعرّض صاحبها، دائماً، لحوادث السير على الطرقات، بسبب أخطاء السائق أو أخطاء الآخرين. يقبل الإنسان العادي هذه المخاطرة، ويسعى إلى تقليل هامش الخطر، بوضع حزام السلامة ومراقبة الحالة الميكانيكية للسيارة، واحترام قانون السير، والقبول بهامش الخطر القائم، لأن كلفة عدم السفر أعلى من كلفة تحمل مخاطر الطريق. لا يشتغل هذا التمرين البسيط الذي يقوم به المتعلم والأمي، دائماً، مع الناخب الغربي الذي يدخل إلى غرفة التصويت، محملاً بالخوف من الإرهاب والخوف من البطالة والخوف من الأجنبي والخوف من المستقبل. فماذا يصنع؟ يختار الحلول السهلة والمختزلة والعاطفية وغير العقلانية، حتى وإن كانت كلفتها أغلى، فالحلول السهلة للمشكلات المعقدة غالباً ما تقود إلى الكارثة.
إليكم الطريقة التي تستقطب بها الأحزاب اليمينية والقومية المتطرفة جمهورها في فرنسا، وعموم البلاد الغربية، ونوع الحلول التي تقترحها على هذه المجتمعات في موضوع البطالة، مثلاً، وهي قضية معقدة جداً، وتحتاج حلولاً مبتكرةً ووقتاً وتدرجاً وإجراءات عديدة من إصلاح التعليم وتشجيع المقاولة إلى التكوين وإعادة تأهيل اليد العاملة وربح التنافسية في الداخل والخارج وتغيير القوانين القديمة، وغيرها من الإجراءات.
يختصر الخطاب الشعبوي المسافة والجهد والوقت والتفكير، ويقول للناخب إن المهاجرين والأجانب سبب ارتفاع نسبة البطالة، فقد أخذوا مكان ابن البلد، والحل الفعال والسهل طردهم. عندما يقول لهم العقلاء إن هذا ممنوع في القانون وفي قيم الجمهورية وفي ثقافة الإنسان الأوروبي، وهؤلاء أبناء فرنسا، والمواطنة الحديثة مرتبطة بالأرض والضريبة واحترام القانون واختيار حمل العلم، وليس الباقي ضرورياً لتكون فرنسيا. يرد اليمين المتطرف بوقاحة: القانون يتغيّر، والذي وضعه أمس يغيره اليوم، وقيم الجمهورية تعرّضت للتشويه والتهجين، وثقافة الفرنسي هي ما نحاول تغييره ببعث الإحساس القومي الذي اندثر، وكذا الشخصية الوطنية القوية، والخوف هو العملة الرائجة اليوم في السوق الانتخابية.
الجبهة الوطنية المتطرفة على أبواب السلطة. هكذا عَنونت صحف فرنسا. وزعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، بدأت تفرك يديها استعداداً لدخول الإليزيه في 2017. حصل حزبها العنصري الذي يدعو إلى طرد المهاجرين، وتنقية الهوية الفرنسية من الشوائب التي علقت بها، وإعادة رسم حدود الدولة والهوية والعملة، حصل في الدور الأول للانتخابات الجهوية على 28% من أصوات الناخبين، وحصل حزب الجمهوريين الذي يقوده نيكولا ساركوزي على 27%، فيما جاء الحزب الاشتراكي، حزب رئيس الجمهورية في المرتبة الثالثة، بـ 23.5%. الرسالة واضحة، مسّت رصاصات تنظيم داعش وقنابله عمق الفرنسيين، ودفعتهم إلى الجواب العاطفي. اختاروا رد فعل الخائف الذي يطلب الحماية من أقرب شخص إليه، ولم يختاروا الرد العقلاني الشجاع، أن أكبر مشكلة مع الخوف هي الخوف نفسه، وأحسن رد على الإرهاب التمسك بقيم التعايش والاختلاف والتنوع وعدم السقوط في الحرب الأهلية.
ما الذي يدفع الشعوب الغربية إلى التصويت لليمين المتطرف، ولبرنامجه الشعبوي، ولتوجهاته العنصرية؟ إنه الخوف عندما يتحول برنامجاً سياسياً، واستراتيجية انتخابية في يد التيارات القومية أو العنصرية.
الخوف شعور إنساني طبيعي. ولكن، هناك من يُعقلن خوفه، ويقبل بهامش من المخاطر التي تصاحب الحياة، بل ويجعل من خوفه الطبيعي حافزاً نحو التفكير في مشكلات الحاضر. وهناك خوف مرضي يسيطر على الأفراد والجماعات، يعطل التفكير، ويدفع صاحبه، تحت الضغط، إلى اختيار الحلول السهلة، وإلى تصور طوباوي، يبحث عن الأمان المطلق، حتى لو اتجه إلى حلول متطرفة.
الأمر شبيه بركوب السيارة المعرّض صاحبها، دائماً، لحوادث السير على الطرقات، بسبب أخطاء السائق أو أخطاء الآخرين. يقبل الإنسان العادي هذه المخاطرة، ويسعى إلى تقليل هامش الخطر، بوضع حزام السلامة ومراقبة الحالة الميكانيكية للسيارة، واحترام قانون السير، والقبول بهامش الخطر القائم، لأن كلفة عدم السفر أعلى من كلفة تحمل مخاطر الطريق. لا يشتغل هذا التمرين البسيط الذي يقوم به المتعلم والأمي، دائماً، مع الناخب الغربي الذي يدخل إلى غرفة التصويت، محملاً بالخوف من الإرهاب والخوف من البطالة والخوف من الأجنبي والخوف من المستقبل. فماذا يصنع؟ يختار الحلول السهلة والمختزلة والعاطفية وغير العقلانية، حتى وإن كانت كلفتها أغلى، فالحلول السهلة للمشكلات المعقدة غالباً ما تقود إلى الكارثة.
إليكم الطريقة التي تستقطب بها الأحزاب اليمينية والقومية المتطرفة جمهورها في فرنسا، وعموم البلاد الغربية، ونوع الحلول التي تقترحها على هذه المجتمعات في موضوع البطالة، مثلاً، وهي قضية معقدة جداً، وتحتاج حلولاً مبتكرةً ووقتاً وتدرجاً وإجراءات عديدة من إصلاح التعليم وتشجيع المقاولة إلى التكوين وإعادة تأهيل اليد العاملة وربح التنافسية في الداخل والخارج وتغيير القوانين القديمة، وغيرها من الإجراءات.
يختصر الخطاب الشعبوي المسافة والجهد والوقت والتفكير، ويقول للناخب إن المهاجرين والأجانب سبب ارتفاع نسبة البطالة، فقد أخذوا مكان ابن البلد، والحل الفعال والسهل طردهم. عندما يقول لهم العقلاء إن هذا ممنوع في القانون وفي قيم الجمهورية وفي ثقافة الإنسان الأوروبي، وهؤلاء أبناء فرنسا، والمواطنة الحديثة مرتبطة بالأرض والضريبة واحترام القانون واختيار حمل العلم، وليس الباقي ضرورياً لتكون فرنسيا. يرد اليمين المتطرف بوقاحة: القانون يتغيّر، والذي وضعه أمس يغيره اليوم، وقيم الجمهورية تعرّضت للتشويه والتهجين، وثقافة الفرنسي هي ما نحاول تغييره ببعث الإحساس القومي الذي اندثر، وكذا الشخصية الوطنية القوية، والخوف هو العملة الرائجة اليوم في السوق الانتخابية.