من لم يتسن له من شباب العراق السفر، بات حبيساً في منزله خوفاً أو يأساً، في بلدٍ يمثل فيه الشباب، الجزء الأكبر بين شرائح المجتمع.
وبحسب الأمم المتحدة، يعتبر العراق واحداً من أكثر البلدان الفتية في العالم؛ ذلك أن نصف عدد سكانه تقريباً دون الحادية والعشرين من العمر، هؤلاء الشباب والفتية تعرضوا كما كل فئات المجتمع، إلى القتل والخوف والاضطهاد والحرمان من التعليم والعمل، حتى تصدروا حسب إحصائيات غير رسمية؛ قوائم المهاجرين والمهجرين في البلدان التي تعيش تحت آلة الحرب.
زيدون أحمد (20 عاماً)، من سكان بغداد، واحد من مئات الشباب في العراق، الذين يقبعون أغلب أوقاتهم في المنزل، بسبب تصادف عيشهم في مدن ومناطق غير آمنة، تنتشر فيها المليشيات، أو تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة (داعش)، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أجد أمامي غير محاولات الهروب المتكررة من أهلي وبلدي؛ والتي باءت جميعها بالفشل بعد أن ضاقت بي الحياة. لم أعد أحتمل العيش أغلب أيام الشهر سجيناً في المنزل بسبب تردي الوضع الأمني، وخوف أهلي من أن تخطفني المليشيات أو تقتلني على الهويّة، حتى إنني بدأت أتمنى أن أقتل فعلاً، وأكذب إن قلت إنني لم أفكر بالانتحار".
ويعيش الشاب دريد العزاوي (28عاماً)، ظروفاً مشابهة لما يعيشه زيدون، بيد أنّه يتفهم خوف أهله ويقول لـ"العربي الجديد" "في عام 2007 بدأت معاناتي من المليشيات، عندما هددوا بخطفي وقتلي، وهذا ما حرمني من الامتحان للسادس الإعدادي، حيث تركت الدراسة قبل الامتحان بشهرٍ تقريباً؛ بسبب التهديد".
ويضيف "بعدها أكملت دراستي بصعوبة، وأصبحت الآن حبيس المنزل، لا أخرج إلا للضرورة، وإن خرجت يقلق الجميع بشأني حتى عودتي سالماً، كما أنني تركت عملي في المحل التجاري الذي كنت أعمل فيه؛ كل ذلك جعلني أفكر كثيراً في السفر خارج العراق؛ غير أنني أشفق على والدي المريض ووالدتي التي لا تقوى على فراقي".
أما سيف عبد الكريم السامرائي (24 عاماً)، فيقول لـ"العربي الجديد": "لديّ خمس شقيقات، وهذا ما ضاعف معاناتي، حيث اضطرت عائلتي للتنقل أكثر من مرة بسبب خوفهم أن أُخطف أو أُقتل، وكثيراً ما يجبرني والدي على عدم الخروج من المنزل؛ وكأني طفل صغير، وبسبب ذلك كله وحرماني من إكمال دراستي الجامعية بعد انتقالنا لمنطقة أخرى داخل محافظة صلاح الدين، اضطررت لمراجعة أطباء نفسيين، فما أعيشه لا يمكن تحمله بأي شكل من الأشكال، خاصة أن الوضع يزداد سوءاً، ولا تملك عائلتي المال الذي يساعدنا على السفر خارج العراق".
اقرأ أيضاً:"لأنك عراقي" حملة شبابية من كربلاء لنبذ الطائفية
وفي هذا السياق، ترى الباحثة في جامعة ديالى، زهرة الربيعي، أن أصعب ما يواجهه الشاب العراقي هو الخوف الدائم على حياته ومستقبله؛ في ظروف حطمت نفسية ومستقبل كثير منهم، وتقول لـ"العربي الجديد" "نحن نتعامل مع الشباب ذكوراً وإناثاً؛ على أنهم قادة المستقبل، غير أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد؛ أجبر الكثير من هؤلاء الشباب على ترك دراستهم أو سلوك طريق آخر هو حتماً ليس الطريق الصحيح، خاصة ممن أكملوا دراستهم ولم يحصلوا على فرص عمل أو تعيين حكومي".
وأضافت الربيعي "أكاد أجزم أن 70 في المائة من الطلاب في جامعة ديالى حياتهم معرضة للخطر بسبب التهديدات والقتل اليومي على الهوية، وهذا ما يجعلنا في الموسم الدراسي نراعي قدر الإمكان الطلاب الذين لم يستطيعوا الانتظام اليومي، حيث فقد الكثير منهم حياته، وتم تهديد آخرين لأسباب أغلبها طائفية، ما اضطر البعض إلى ترك دراسته أو محاولة الحضور أيام الامتحانات فقط".
أما عضو جمعية التعاون لحماية المستهلك المحلية، حيدر الشيباني، فيشرح لـ"العربي الجديد" "أن أغلب الشباب والشابات، وبسبب تردي الوضع الأمني يرغبون في العمل من داخل منازلهم، سواء كان طباعة على الحاسوب أو أي عمل آخر من شأنه أن ينجز عن بعد، وهذا الأمر لا ترفضه الشركات الأهلية أو المنظمات غير الحكومية".
وأضاف "تلقيت كثيراً من الطلبات ممن يفضلون أن ينجزوا عملهم من المنزل، حتى لا يضطروا إلى الخروج والتعرض للخطر، ما جعلهم يفقدون فرص العمل المحدودة أصلاً، كما أن بعض هؤلاء الشباب يعتبر رفضهم من قبل أي مؤسسة أو شركة أهلية؛ خسارة كبيرة بسبب كفاءتهم وتميزهم، وهذا يجعل الطرفين في خانة الخاسر".
إلى ذلك، دعا الشيباني الجهات المعنية إلى الإسراع بإيجاد حل من شأنه الحفاظ على ما أسماه "ثروة البلاد من الطاقة البشرية الشابة"، وتمكينهم الانخراط في مؤسسات الدولة من خلال توفير فرص عمل لهم، وضرورة العمل على كبح التنظيمات الإرهابية، بكل مسمياتها وانتماءاتها التي تهدد حياة ومستقبل الشاب العراقي.