الدائرة المفرغة!

10 يونيو 2015

الإصرارعلى حظر الإخوان يعطيهم قداسة لا يستحقها أحد(Getty)

+ الخط -
(ستكتسب السطور القادمة فيما أظن معنى مختلفاً، حين أقول لك إنها ما سمحت المساحة باقتطافه، من مقال نشرته في صحيفة الدستور عام 2005 بعنوان (الإسلام هو الحل.. الإخوان هم المشكلة)، ولا أظنك ستسألني في نهايتها لماذا قررت إعادة نشرها، وما إذا كان لها مثلاً علاقة بنتائج الانتخابات التركية، أو بكل ما جرى في مصر خلال الأعوام الماضية). 
"... لقد كانت الانتخابات الماضية هي فرصة العمر التي لاحت للإخوان، لكي يكتبوا ميلاداً جديداً وحقيقياً لجماعتهم... وإذا لم يستغل الإخوان هذه الفرصة جيداً، فقد لا تعود ثانية، أقول ذلك لإدراكي أن للإخوان تاريخاً عريقاً من الغباء السياسي أو الاندفاع السياسي إن شئت، يكفي انجرارهم وراء المؤامرة التي رتبها لهم عبد الناصر عام 54 واغترارهم بقوتهم وفردهم عضلاتهم، بدلاً من الانحناء للعاصفة ليخسروا وتخسر مصر الكثير بغياب فصيل سياسي نبيل، كان يضم داخله خيرة رجالات مصر في كل المجالات، خذ أيضاً انجرارهم وراء استخدام السادات لهم في السبعينات، بدلاً من أن يضعوا أيديهم في أيدي باقي التيارات الوطنية، ويطبقوا ولو لمرة شعار المرحوم حسن البنا "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، وهو شعار أتمنى أن أرى الإخوان يطبقونه فعلاً على أرض الواقع.
هنا أتمنى أن يكف الإخوان قيادة وقواعد عن المهاترات، التي لا تليق بمن يقف الآن في موقف القوة، قد تليق المهاترات بمن يقف موقف الضعف، لكن لم يعد الآن مناسباً أن ينشغل الإخوان بمحاولة إظهار أن كل ما فعلوه في تاريخهم كان حقاً وصواباً، فإذا كنا نلوم على الرئيس مبارك ورجاله أنهم لا يعترفون بأي خطأ ارتكبوه ولو دون قصد، فيجب أن نلوم على الإخوان أننا لم نلمس لهم موقفاً رسمياً يعترف بأخطائهم طيلة عمر الجماعة، صحيح أن هناك العديد من رجالات الإخوان كتبوا عن أخطاء الإخوان، لكن حتى هؤلاء تم تهميشهم داخل الجماعة، ولم يتم تبني شهاداتهم كموقف رسمي، ولعل أبرز نموذج على ذلك ما فعلوه مع مؤرخهم المرحوم، محمود عبدالحليم، بعد تشريحه تاريخ الإخوان بكل حسناته وسيئاته.
في رأيي سيكسب الإخوان كثيراً لو شهدنا لهم قريباً موقفاً رسمياً، يعترف بأن الجماعة أخطأت حين اغترت بقوتها أكثر من مرة، ودخلت في صراعات لم يكن لها داع، وأن أداء ممثليها في المجالس النيابية الماضية، كان أداءً مخجلاً، أخاف نانسي عجرم أكثر مما أخاف الحزب الوطني، وأن الجماعة لسنين طويلة لم تنفتح على التيارات السياسية والفكرية في مصر، وأخذت "جنباً مراوغاً" في أكثر من مناسبة، ولم تعكس بشكل حقيقي قدرة الإسلام على استيعاب أكثر الآراء مخالفة له، وأنها في أحيان كثيرة كانت تجري وراء رضا رجل الشارع البسيط، فتدوس على قيم مهمة مثل حرية الفكر والاعتقاد، وأهمية عدم تحدث أحد باسم الله وأن دين الله لا يضره رأي ولا حزب ولا كتاب ولا موقع إنترنت، وأن الخلاف على الأرض هو خلاف بين أشخاص لا بين ممثلين لله جل وعلا وممثلين للشيطان.
على مستوى آخر، نقول للأغبياء من رجال الأمن والإعلام الموالي، إن إصراركم على حظر الإخوان يعطيهم قداسة لا يستحقها أحد ويجعلهم هائمين في نور الشعارات غير مشاركين في ظلام الواقع، ولو كان هذا الحكم الغبي الذي لا يفقه أكثر من أرقام حساباته البنكية، قد أتاح للإخوان المشاركة في الواقع السياسي، لأتاح للناس أن يعلموا أنه لا يوجد ملائكة يمشون على الأرض مطمئنين، وأنه لا توجد مبادئ سحرية للقضاء على مشكلات العصر، وإنما هناك طريق طويل للتقدم يبدأ بإصلاح الفرد، وتنقية عقله من الخرافات والشعوذة والسلبية والتواكل والعدمية، طريق لا يخاف من أي رأي مهما شط وتجاوز، طالما كان رأياً قابلاً للمناقشة ولا يتم فرضه بالقوة، طريق يدرك أهمية الإيمان بالتفكير العلمي كمنهج، دعا إليه الإسلام أساساً للإيمان بالله، فلماذا لا نؤمن به كمنهج لإصلاح الحياة لعلنا نحول الإسلام إلى قوة دافعة لا قوة معطلة.
... عندما نؤمن جميعاً بذلك ونعرف أنه هو الحل الوحيد لنا، عندها سنخرج من الدائرة المفرغة، التي ندور فيها من قرون، بسبب عدم قدرتنا على ممارسة النقد الذاتي، وانتفاء الديمقراطية كسلوك إنساني لدى الحكام والمعارضين والإخوان والمتفرجين والسكان الأصليين لمصر، لو فعلنا ذلك وآمنا به لا لشيء سوى لكي نكون أقرب إلى الله وأبعد عن العفن الذي نعيش فيه، لو فعلنا ذلك من أجل مصلحتنا الذاتية، من أجل أن نكون بني آدمين بجد، عندها صدقوني لن نكون بحاجة لإشهار شعار (الإسلام هو الحل)، لأنه لن يكون هناك أساساً مشكلة".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.