أقر وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، بوجود عناصر مسلحة خارجة عن القانون اندست بين عناصر الوزارة وأطلقت النار على متظاهرين في العاصمة طرابلس، في الوقت الذي طالبت فيه البعثة الأممية بفتح تحقيق في الحادثة.
وتناقلت صفحات التواصل الاجتماعي بشكل واسع، الليلة الماضية وفجر اليوم الاثنين، فيديوهات تظهر إطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين خرجوا في ميدان الشهداء بطرابلس للاحتجاج على تردي الأوضاع المعيشية، لكن ناجي الناجح، أحد منظمي المظاهرة في طرابلس، أكد "وجود تهويل إعلامي لحسابات سياسية رافق أحداث المظاهرة".
وقال باشاغا، خلال تغريدة له اليوم، إن الوزارة "تحمي التظاهر السلمي، والتعبير عن الرأي حق مكفول لكل مواطن ويحتم علينا الخضوع لإرادة الشعب والاستماع والإنصات لصوت المواطن".
وبيّن الوزير أن العناصر المندسة التي أطلقت النار على المتظاهرين "ليسوا المتظاهرين، بل الذين ظهروا بمظهر رجال الأمن، وهم مجموعة خارجة عن القانون أطلقت النار"، مؤكدا على أن الوزارة ستحيل نتائج التحقيقات لرئاسة الحكومة والنيابة العامة من حيث الاختصاص الإداري والقضائي.
وبينما قال الناجح لــ"العربي الجديد"، إن الفوضى التي صاحبت المظاهرة لم تمكّن المنظمين من إلقاء بيانهم، أعلن المتظاهرون بمدينة مصراتة عن عدد من مطالبهم، من بينها "تشكيل لجنة من ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة ووزارة الداخلية لمحاربة الفساد والمفسدين المتغلغلين في الحكومة وإداراتها ومؤسساتها".
وقال المتظاهرون، في بيان لهم تناقلته وسائل إعلام ليبية، اليوم الإثنين، إن مطالبهم "شرعية"، مؤكدين أن حقوقهم إذا لم يستردوها بــ"الطرق السلمية سيستردونها بالقوة وسيستمرون في حراكهم واعتصامهم حتى تبدأ اللجنة التي طالبوا بتشكيلها في محاسبة الإدارات المتعاقبة للشركة العامة للكهرباء والكشف عن أسماء أصحاب الاعتمادات الوهمية والمساهمين في تهريب الأموال ومحاسبة وزارة الصحة والفساد المستشري بها".
وشملت المظاهرات مدن مصراته والزاوية وسبها، جنوب البلاد، بالإضافة للعاصمة طرابلس، ترفع المطالب ذاتها، لكن الناجح أكد وجود "استغلال سياسي من خلال بعض التقارير الإعلامية التي هوّلت من الحادث".
وعن أحداث أمس، قال: "المظاهرة احتشد لها قبل مغرب الأمس العشرات من المواطنين، وكانت سلمية إلى حين إقدام بعض المتظاهرين على الاعتداء على سيارات مديرية الأمن المكلفة بتأمين المتظاهرين".
وأشار إلى أن "سيارتين تم الاعتداء عليهما بالتكسير، ما أخرج المظاهرة عن أهدافها والسيطرة عليها"، وقال: "في تلك اللحظات قام مسلحون تابعون لمجموعة مسلحة معروفة باسمها في طرابلس باقتحام مكان المظاهرة، وإطلاق النار في الهواء، لكن إحدى الرصاصات أصابت مواطنا بجروح طفيفة".
وعلّق عدد من أنصار معسكر حفتر، شرق البلاد، على الحادثة، حيث خصصت قناة موالية لحفتر برنامجا لساعات طيلة ليل البارحة، استضافت خلاله نوابا من طبرق وسياسيين موالين لحفتر، دعوا إلى انتفاضة في طرابلس من أجل "المطالبة بالجيش"، في إشارة لمليشيات حفتر.
ورغم محاولات شد انتباه الرأي العام للحادثة، إلا أن الناجح أكد أن "متظاهرين بالعشرات أقفلوا الطرقات في عدد من أحياء طرابلس، ورفعوا شعارات لأهداف المظاهرة، دون أن يتعرضوا للتضييق"، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن "تتحلى الحكومة بالمسؤولية، وتعلن عن مسمى وهوية المجموعة المسلحة المتورطة في استهداف المواطنين بالرصاص".
وبينما أكد الناجح أن الدعوات لا تزال مستمرة للخروج للتظاهر اليوم، قال إن "المظاهرات لن تتوقف حتى تحقيق مطالب المتظاهرين وحقهم في العيش الكريم".
وكانت الوزارة قد لمّحت، في البداية، إلى عدم علاقتها بالمتورطين في إطلاق الرصاص على المتظاهرين، متهمة، في بيانها ليل البارحة، أفرادا وصفتهم بــ"المندسين الخارجين عن القانون والنظام لاستعمال ورقة ضبط المظاهرة"، دون أن تحدد تبعيتهم لأي جهة، وأضافت أن هدفهم "إثارة الفتنة وزعزعة الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، المكلفة أصلا بحمايتهم وليس الاعتداء عليهم".
وفيما أكد بيان الوزارة، في وقت سابق من ليل البارحة، أنه تم رصد "هؤلاء الأشخاص وتم التعرف عليهم لضبطهم وهم ليسوا عناصر شرطة"، أقر باشاغا، اليوم، في تغريدته، بأنهم "ظهروا بمظهر رجال الأمن"، في إشارة للباسهم وسياراتهم "التيكانت" ترفع شعارات وزارة الداخلية.
وفي الأثناء، نشرت الوزارة عددا من فرقها الأمنية في مفاصل المدينة وطرقاتها الرئيسية، منذ ساعات صباح اليوم، لتسهيل حركة المارة وتأمين الطرقات.
ولقي الحادث جدلا واسعا، فقد دعت البعثة الأممية إلى "إجراء تحقيق فوري وشامل في الاستخدام المفرط للقوة من جانب أفراد أمن موالين لحكومة الوفاق مع المتظاهرين في العاصمة طرابلس، أمس الأحد، ما أسفر عن إصابة بعضهم".
طالبت قوة حماية طرابلس قادة الحكومة بتحمل مسؤوليتهم وأن يذكروا أسماء المتورطين علناً
وشددت البعثة، في بيان لها اليوم الإثنين، على "حق المواطنين في التجمع السلمي والاحتجاج وحرية التعبير وأنه حق يندرج ضمن التزامات ليبيا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
وأشارت إلى أن الدافع وراء هذه الاحتجاجات شعور المواطن "بالإحباط من استمرار الظروف المعيشية السيئة، وانقطاع الكهرباء والمياه، وانعدام الخدمات في جميع أنحاء البلد".
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، قد دعا إلى عدم "السماح للمندسين باستغلال مظاهراتهم"، وحث حكومة الوفاق على ضرورة "الاستماع لصوت المواطنين والاستجابة لهم"، وفق تغريدة له.
من جانبها، طالبت "قوة حماية طرابلس"، أكبر المجموعات المسلحة ضمن قوات حكومة الوفاق، قادة الحكومة بتحمل مسؤوليتهم، وأن يعلنوا أسماء المتورطين في استهداف المحتجين.
واعتبرت القوة، في بيان أصدرته اليوم الإثنين، أنه من الطبيعي في هذه الأوضاع المعيشية الصعبة أن يتحرك الشعب ويخرج عن صمته وينادي بحقوقه، وأن تلتزم الحكومة المدنية بحماية المتظاهرين وتأمينهم بأذرعها الأمنية المتمثلة في وزارة الداخلية، مؤكدة أن "ما حدث من تهجم مسلح على المتظاهرين العزل من بعض الجهات الأمنية، والتي هي معروفة لدى وزارة الداخلية، هو خرق واضح لكل القوانين والمعاهدات الدولية، وخروج صارخ عن الشعارات التي تنادي بالدولة المدنية دولة القانون والمؤسسات".
وأمهلت القوة حكومة الوفاق ووزارة الداخلية 24 ساعة للخروج والإعلان عن هوية من يقف وراء الاعتداء على المتظاهرين.