01 نوفمبر 2024
الداخلية المصرية والبلطجة
في النظم الاستبدادية القمعية البوليسية، والتي تستند إلى حالةٍ عسكريةٍ فاشية، تكون الأجهزة الشرطية أهم أدوات القمع والترويع، وتنتدب قوات الشرطة من سلطة العسكر للقيام بأعمال قذرة كثيرة، لا تستطيع، وربما لا ترغب، قوات العسكر أن تقوم بها، نظرا لأن قوات الثكنات، وبحكم تكوينها، لا تقوى على التعامل اليومي الروتيني مع الشارع، وإن شئت الدقة "مجتمع المدنيين"، إن بقاء قوات العسكر في الشارع، مدداً طويلة، أمر لا يمكن تحمله من الجهتين، العسكر ومجتمعات المدنيين. أحد المحكات الأساسية، في هذا المقام، أن صفة "المدني" إنما تكون، في جوهرها، في قبالة "العسكري"، فضلا عن ذلك أن طبيعة تسليح قوات الجيش لا تصلح بحال في إدارة المدني، بتشابكاته وتعقيداته، وأن أي محاولة لتهويش المدنيين يمكن أن تسقط فيها ضحايا كثيرة، علامة ذلك في مصر أحداث مجازر الحرس الجمهوري والنصب التذكاري وفض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة ومجازر ميدان رمسيس.
تبدو الأجهزة الأمنية هي الأداة المستخدمة من منظومة فاشية عسكرية، في قيام أجهزة بوليسية شرطية كأهم أدوات للقمع والترهيب، للتخويف والترويع، وفي ظل الطلب على أجهزة البطش الشرطي في النظام الاستبدادي، تمارس هذه الأجهزة، في ظل الاحتياج لها، بطشاً خاصاً بها، كما ترتب اقتصادا يتعلق بالقمع بما يعرف، لدى المصريين، بالسبوبة، وتنشط معامل فساد لإدارة اقتصايات القمع والبطش والتغول، اعتقاداً منها أن مزيدا من البطش يجلب الهيبة ويجلب المال. وتترافق مع ذلك منظومة تطمين لهؤلاء، حين ارتكاب تجاوزاتٍ خطيرة، بأنهم فوق الحساب، ولن يطولهم عقاب، في حالة من تبادل مصالح، تعظم حالة القمع العامة، وتدعم حالة من إغراء السلطة وغطرسة القوة، فتمارس مزيداً من عنفها وفائض بطشها. تبرّر كل هذه الأفعال والسياسات والانتهاكات بممارساتها ذلك كله، حفاظاً على أمن الدولة وكرسي المستبد، بغض الطرف عن كل هذه الممارسات، مهما أجرمت، وتتحول كل تلك الممارسات إلى حالة بلطجة تمارسها هذه الأجهزة، حينما يفكّر بعضهم بمساءلتها ووضعها تحت الحساب واحتمال العقاب.
ضمن هذه المقايضة في منظومة السلطة المستبدة، وتلك المقاصّة الاستبدادية، تزداد وتيرة
القمع، فضلا عن القمع المضاف من جرّاء طلب الهيبة وإغراءات القوة، ضمن معادلات الأسياد والعبيد، ومتوالية لا حدّ لها ولا نهاية، ضمن مقولة "إحنا أسياد البلد"، يقولها أهل العسكر وأهل الشرطة وأهل القضاء ورجال الأعمال والإعلام، فتكون عصبة، أو إن شئت الدقة عصابة ذات مصالح متبادلة، يكون عموم الشعب فيها الضحية المؤكدة، في مزايدةٍ على العنف والبطش بعموم الناس، وفقاً للتعبير المصري "الناس اللي ما لهمش ضهر"، لا ظهر لهم ولا ظهير. ضمن هذه السياقات، يمكن فهم حوادث التطاول بالسلاح على عموم الناس الذي يصل في أقصى وأقسى صورة إلى القتل والضرب في المليان، مروراً بالسحل وامتهان كرامة الناس، مهما كانت مواقعهم في خدمة الناس، والاختطاف القسري والتعذيب حتى القتل، أمور تستوجب الحساب، إلا أن أدوارهم في ماكينة البطش والفجر الاستبدادي تجعلهم فوق المساءلة أو الحساب.
أعلنت وزارة الداخلية المصرية، أخيراً، عن ضبط متهمين في قتل النائب العام السابق، المستشار هشام بركات، مستخدمة تقنيات فنية عالية، ويكون بذلك الإعلان الثالث، سواء في البيانات الرسمية أو من خلال المصادر الأمنية البارزة التي تتحدث لوسائل الإعلام، عن ضبط متهمين في اغتيال النائب العام أو قتلهم خلال تسعة أشهر. وبحسب البيانات الرسمية، هناك 13 شخصاً قتلوا في مواجهات أمنية مع الشرطة، ارتبطت أسماؤهم بقضية اغتيال النائب العام السابق، و14 مقبوضًا عليهم، و34 مطلوبا للعدالة، أي حوالي 61 متهماً، فيما أعلن وزير الداخلية، في المؤتمر الصحافي، الأحد الماضي، أن المتهمين 48 فقط، أعلنت وزارة الداخلية مقتل 13 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وقالت حينها إنها عثرت على مضبوطاتٍ وأدلة مادية قد تساعد بشكل مباشر في الكشف عن قتلة النائب العام. وفي اليوم التالي للبيان الصادر عن وزارة الداخلية، نشرت وسائل إعلام مصرية (قنوات فضائية وصحف) نقلا عن مصادر أمنية بارزة، أن هشام عشماوي، ضابط الجيش السابق المفصول، هو المُدبر الرئيسي والعقل الذي خطط لعملية اغتيال النائب العام، وأمدت الإعلام برسوم توضيحية لجرائمه، ثم نشرت صحيفة الأخبار القومية، في صدر صفحتها الأولى في 4 فبراير/ شباط2016، خبراً تحت عنوان "تصفية قتلة هشام بركات بحدائق المعادي". ثم خرج علينا وزير داخلية الانقلاب، قبل أيام، ليعلن أن الوزارة تمكنت من القبض على قتلة المستشار هشام بركات، وقال إن "جماعة الإخوان المسلمين، وشاركهم في التخطيط أفراد من حركة حماس بقطاع غزة، وراء تنفيذ اغتيال بركات"، موضحا أن المتهمين الذين تم ضبطهم عددهم 48 هم جميعاً عناصر خلية تابعة لجماعة الإخوان، نفذ 14 منهم عملية اغتيال الشهيد بركات، بناء على تكليف من القيادي الإخواني الهارب في تركيا، يحيى موسى، وأحد عناصر استخبارات حركة حماس الفلسطينية، والتي درّبت وأشرفت وأعدت للعملية، بالتنسيق مع عناصر الجماعة حتى إتمامها.
تلفق وزارة الداخلية المصرية هذه التهمة الجنائية لأي متهمين، لدوافع معينة، حسب التوقيت والظرف السياسي. وقد وثقت صحيفة المصري اليوم تصريحات "الداخلية" والمتحدثين باسمها ووسائل الإعلام المرئية والصحافية الرسمية، والموجهة أمنياً، والتي أعلنت فيها وزارة الداخلية المصرية ثلاث مرات على الأقل عن قتل منفذي عملية اغتيال النائب العام وتصفيتهم والقبض عليهم؛ أسماء مختلفة في كل مرة وأعداد المتهمين في الحادثة متناقضة. وتدلل هذه التناقضات الصارخة، وفي غياب تحقيقات نزيهة تتسم بالشفافية، بوضوح على توظيفٍ سياسي، تقوم به سلطة السيسي للجرائم الجنائية الكبرى، ما يجعل من المشروع أن يفكر كل ذي عقل أن المنفذ الحقيقي لعملية اغتيال النائب العام ربما لم يكشف عنه بعد!. وإذا كان هذا التوظيف السياسي للجرائم الجنائية هو الحال، فمن المشروع أيضاً أن نتساءل ابتداءً: هل من اغتال هشام بركات هو من اغتال الطالب الإيطالي چوليو ريچيني؟ ، لم يكن إعلان وزارة الداخلية المصرية، يوم الأحد الماضي، القبض على قتلة النائب العام السابق الذي اغتيل منذ نحو تسعة أشهر، شهد هذا الحدث أربع وقائع تغير فيها المدانون والجهات التي تقف وراءها، فهل قتل كل هؤلاء النائب العام؟!.
إنها بلطجة الداخلية المصرية في الاتهام والتلفيق، لديها فائض من المعتقلين، ينقصهم فقط الاتهام وتلفيق الجريمة وتصنيع القضية. صار هذا الأمر يمارس بكل استهانة. الداخلية كذلك تمارس بلطجتها بالإهانة والقتل لعموم الناس، سواء في الاعتداء على الأطباء أو غيرهم وقتل سائق الدرب الأحمر، بل قتلها الأجانب الذي تمثل في قصة روجيني الإيطالي، الداخلية بلطجية فلا تُسأل عن تلفيقها، ولا إهاناتها، ولا حتى قتلها. هذا وعد المنقلب لهم.
تبدو الأجهزة الأمنية هي الأداة المستخدمة من منظومة فاشية عسكرية، في قيام أجهزة بوليسية شرطية كأهم أدوات للقمع والترهيب، للتخويف والترويع، وفي ظل الطلب على أجهزة البطش الشرطي في النظام الاستبدادي، تمارس هذه الأجهزة، في ظل الاحتياج لها، بطشاً خاصاً بها، كما ترتب اقتصادا يتعلق بالقمع بما يعرف، لدى المصريين، بالسبوبة، وتنشط معامل فساد لإدارة اقتصايات القمع والبطش والتغول، اعتقاداً منها أن مزيدا من البطش يجلب الهيبة ويجلب المال. وتترافق مع ذلك منظومة تطمين لهؤلاء، حين ارتكاب تجاوزاتٍ خطيرة، بأنهم فوق الحساب، ولن يطولهم عقاب، في حالة من تبادل مصالح، تعظم حالة القمع العامة، وتدعم حالة من إغراء السلطة وغطرسة القوة، فتمارس مزيداً من عنفها وفائض بطشها. تبرّر كل هذه الأفعال والسياسات والانتهاكات بممارساتها ذلك كله، حفاظاً على أمن الدولة وكرسي المستبد، بغض الطرف عن كل هذه الممارسات، مهما أجرمت، وتتحول كل تلك الممارسات إلى حالة بلطجة تمارسها هذه الأجهزة، حينما يفكّر بعضهم بمساءلتها ووضعها تحت الحساب واحتمال العقاب.
ضمن هذه المقايضة في منظومة السلطة المستبدة، وتلك المقاصّة الاستبدادية، تزداد وتيرة
أعلنت وزارة الداخلية المصرية، أخيراً، عن ضبط متهمين في قتل النائب العام السابق، المستشار هشام بركات، مستخدمة تقنيات فنية عالية، ويكون بذلك الإعلان الثالث، سواء في البيانات الرسمية أو من خلال المصادر الأمنية البارزة التي تتحدث لوسائل الإعلام، عن ضبط متهمين في اغتيال النائب العام أو قتلهم خلال تسعة أشهر. وبحسب البيانات الرسمية، هناك 13 شخصاً قتلوا في مواجهات أمنية مع الشرطة، ارتبطت أسماؤهم بقضية اغتيال النائب العام السابق، و14 مقبوضًا عليهم، و34 مطلوبا للعدالة، أي حوالي 61 متهماً، فيما أعلن وزير الداخلية، في المؤتمر الصحافي، الأحد الماضي، أن المتهمين 48 فقط، أعلنت وزارة الداخلية مقتل 13 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وقالت حينها إنها عثرت على مضبوطاتٍ وأدلة مادية قد تساعد بشكل مباشر في الكشف عن قتلة النائب العام. وفي اليوم التالي للبيان الصادر عن وزارة الداخلية، نشرت وسائل إعلام مصرية (قنوات فضائية وصحف) نقلا عن مصادر أمنية بارزة، أن هشام عشماوي، ضابط الجيش السابق المفصول، هو المُدبر الرئيسي والعقل الذي خطط لعملية اغتيال النائب العام، وأمدت الإعلام برسوم توضيحية لجرائمه، ثم نشرت صحيفة الأخبار القومية، في صدر صفحتها الأولى في 4 فبراير/ شباط2016، خبراً تحت عنوان "تصفية قتلة هشام بركات بحدائق المعادي". ثم خرج علينا وزير داخلية الانقلاب، قبل أيام، ليعلن أن الوزارة تمكنت من القبض على قتلة المستشار هشام بركات، وقال إن "جماعة الإخوان المسلمين، وشاركهم في التخطيط أفراد من حركة حماس بقطاع غزة، وراء تنفيذ اغتيال بركات"، موضحا أن المتهمين الذين تم ضبطهم عددهم 48 هم جميعاً عناصر خلية تابعة لجماعة الإخوان، نفذ 14 منهم عملية اغتيال الشهيد بركات، بناء على تكليف من القيادي الإخواني الهارب في تركيا، يحيى موسى، وأحد عناصر استخبارات حركة حماس الفلسطينية، والتي درّبت وأشرفت وأعدت للعملية، بالتنسيق مع عناصر الجماعة حتى إتمامها.
تلفق وزارة الداخلية المصرية هذه التهمة الجنائية لأي متهمين، لدوافع معينة، حسب التوقيت والظرف السياسي. وقد وثقت صحيفة المصري اليوم تصريحات "الداخلية" والمتحدثين باسمها ووسائل الإعلام المرئية والصحافية الرسمية، والموجهة أمنياً، والتي أعلنت فيها وزارة الداخلية المصرية ثلاث مرات على الأقل عن قتل منفذي عملية اغتيال النائب العام وتصفيتهم والقبض عليهم؛ أسماء مختلفة في كل مرة وأعداد المتهمين في الحادثة متناقضة. وتدلل هذه التناقضات الصارخة، وفي غياب تحقيقات نزيهة تتسم بالشفافية، بوضوح على توظيفٍ سياسي، تقوم به سلطة السيسي للجرائم الجنائية الكبرى، ما يجعل من المشروع أن يفكر كل ذي عقل أن المنفذ الحقيقي لعملية اغتيال النائب العام ربما لم يكشف عنه بعد!. وإذا كان هذا التوظيف السياسي للجرائم الجنائية هو الحال، فمن المشروع أيضاً أن نتساءل ابتداءً: هل من اغتال هشام بركات هو من اغتال الطالب الإيطالي چوليو ريچيني؟ ، لم يكن إعلان وزارة الداخلية المصرية، يوم الأحد الماضي، القبض على قتلة النائب العام السابق الذي اغتيل منذ نحو تسعة أشهر، شهد هذا الحدث أربع وقائع تغير فيها المدانون والجهات التي تقف وراءها، فهل قتل كل هؤلاء النائب العام؟!.
إنها بلطجة الداخلية المصرية في الاتهام والتلفيق، لديها فائض من المعتقلين، ينقصهم فقط الاتهام وتلفيق الجريمة وتصنيع القضية. صار هذا الأمر يمارس بكل استهانة. الداخلية كذلك تمارس بلطجتها بالإهانة والقتل لعموم الناس، سواء في الاعتداء على الأطباء أو غيرهم وقتل سائق الدرب الأحمر، بل قتلها الأجانب الذي تمثل في قصة روجيني الإيطالي، الداخلية بلطجية فلا تُسأل عن تلفيقها، ولا إهاناتها، ولا حتى قتلها. هذا وعد المنقلب لهم.