ما إن تأكد فوز الباجي قائد السبسي، برئاسة الجمهورية، حتى بدأت الأسئلة تتوالى، حول ما الذي سيتغير في تونس خلال السنوات الخمس المقبلة، في ظلّ قيادة حزب "نداء تونس" السلطة التنفيذية ومجلس نواب الشعب.
وتعتبر السياسة الخارجية علامة بارزة من علامات الطريق التي ستحظى باهتمام الرئيس المقبل، وذلك لاعتبارات ثلاثة. أولها بحكم الاختصاص الدستوري، إذ تُعتبر السياسة الخارجية من بين صلاحيات الرئيس، ويديرها بالتعاون والتنسيق مع وزير الخارجية.
وينطلق الاعتبار الثاني من أن السبسي كان وزيراً للخارجية في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وحافظ على علاقات واسعة بشخصيات ودول كثيرة. أما الاعتبار الثالث فينحصر في المعركة الانتخابية التي دارت بينه وبين الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وتناولت في أحد محاورها، الانتقادات التي وجّهها السبسي لسلفه في هذا المجال حول المواقف التي اتخذها، والتي حسب اعتقاده قد أضرت بعلاقات تونس بدول عربية عديدة.
ولا يُمكن القول إن السياسة الخارجية لتونس مرشحة لتغييرات جذرية، لأن ما قامت به الحكومة الحالية برئاسة المهدي جمعة ووزير الخارجية السابق منجي الحامدي، كان بمثابة محاولة احتواء بعض الملفات الساخنة، وبالأخص الملفين السوري والمصري.
وما سيحصل خلال المرحلة المقبلة هو الاستمرار في التوجه عينه، الذي تبنته ما يُسمّى بـ "حكومة التكنوقراط"، ولهذا قال السبسي إنه "سيعمل على ترميم علاقات تونس الدبلوماسية مع البلدان الصديقة والشقيقة، وخصوصا مصر وسورية، من دون التدخل في شؤونها الداخلية". لم يقل بأنه سيغير، وإنما فضل استخدام كلمة "الترميم".
وإذا حاولنا ترجمة ذلك على أرض الواقع، في سعي لاستباق الزمن، يُمكن أن نتوقع خطوات الدبلوماسية التونسية برئاسة السبسي. في البداية كانت الجزائر أول دولة هنأت السبسي بفوزه، ولم يكن ذلك مجرد إجراء بروتوكولي، ولكن أيضاً بحكم العلاقات الشخصية القوية، التي تربط بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس التونسي الجديد. وهي علاقات قديمة تعود إلى مرحلة الستينيات. وقد فوجئ الكثيرون عندما سعى بوتفليقة إلى تقريب وجهات النظر بين السبسي ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، عندما احتدمت الأزمة السياسية في تونس بين الترويكا والمعارضة. وقد ساعدت تلك المساعي على تقريب وجهات النظر بين "الشيخين". وبالتالي فإن العلاقات التونسية الجزائرية مرشحة لمزيد من التعاون والدعم، خاصة على الصعيدين الأمني والمالي.
وقد تكون العلاقة مع سورية من الملفات الأولى، التي سيعمل السبسي على معالجتها بطريقته. فهو ينوي الإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أقرب فرصة، وذلك بعد أن قامت وزارة الخارجية التونسية بفتح مكتب بدمشق في محاولة منها لمعالجة أوضاع التونسيين المقيمين في سورية، الذين ضاعت حقوق الكثير منهم بعد قرار قطع العلاقات.
وقد لوحظ بأن رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد وجّه برقية هنأ فيها السبسي بنجاحه. ولا يستبعد أن ينشط في المرحلة المقبلة التنسيق الأمني بين البلدين، كون القلق الشديد يسيطر على الجانب التونسي، بسبب توجه الآلاف من الشباب التونسي نحو القتال بسورية في صفوف تنظيمي "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). لكن المؤكد أن الحكومة التونسية ستتمسك بمبدأ الحياد بالنسبة للأوضاع الداخلية لسورية وغيرها. ويقول السبسي "نحن متشبثون بالمحافظة على سيادة بلدنا، لذلك نرفض التدخل في شؤون البلدان الأخرى".
من جهتهم، رحّب المصريون بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس، وهم يتوقعون بأن العلاقات بين النظامين مرشحة للتحسن خلال الفترة المقبلة. وهو ما أكده السبسي عندما ذكر قبل أيام قليلة بأن "مصر دولة صديقة وشقيقة، وقعت فيها تغييرات كبيرة ولا بدّ عدم التدخل في شأنها الداخلي".
وهذا يعني أن الطرف التونسي سيعمل على تعميق التواصل مع القيادة المصرية الحالية، وأن يتجنب التعرض للصراع السياسي الداخلي، خصوصاً وأن "نداء تونس"، كان من بين الأطراف التي ساندت بقوة ما حدث يوم 30 يونيو/حزيران 2013، ولم تعترض على مختلف التداعيات التي ترتبت ذلك.
الملف المعقد الذي ستواجهه الدبلوماسية التونسية، يتعلق بالملف الليبي. هناك ميل داخل أوساط "نداء تونس" نحو الترحيب بالمحاولات التي تقوم بها الأطراف العسكرية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، من أجل استرجاع العاصمة طرابلس وبقية المدن الليبية الكبرى، لكن ذلك لن يدفع بالحكومة المقبلة إلى الانحياز السياسي المعلن لأحد طرفي النزاع.
ومن المتوقع أن تحافظ تونس على مسافة واحدة تجاه الجميع، وأن تعزز انخراط الدبلوماسية التونسية في المساعي الإقليمية والدولية، للتوصل إلى تسوية سياسية بين الليبيين، من دون إشراك بعض التنظيمات المسلحة المعادية لتونس. فالهاجس الأمني سيبقى العامل المحدد بالنسبة للحكومة العتيدة مثلما كان بالنسبة للحكومات السابقة.
يبدو أن السبسي يتجه نحو تحريك مختلف الملفات مع جميع دول الخليج، بما في ذلك السعودية، التي كانت من بين المهنئين، مستفيداً من علاقاته القديمة. صحيح أن دولة الإمارات أبدت اهتماماً متميزاً بالسبسي منذ فترة، وخصّته أثناء الحملة الانتخابية بهدية ثمينة، تمثلت في سيارتين مصفحتين لحمايته من التهديدات الأمنية. وهو ما أثار ضجة في الأوساط السياسية، وأوحى بأن تعاوناً متميزاً منتظراً بين البلدين، سيتمّ في حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية. سيكون هدف السبسي التعاون مع الجميع، من أجل ضمان استقرار حكومته، وإنعاش الاستثمارات الخليجية في تونس.
فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، لا يتوقع تغييرات واسعة، وذلك على الرغم من أن لا علاقات سابقة للسبسي ومساعديه بحركة "حماس"، مقارنة بصداقات السبسي القديمة مع الرئيس محمود عباس ورموز السلطة الوطنية.
ولا شكّ في أن هذه العلاقات ستشهد تنشيطاً لها خلال المرحلة المقبلة، مع محاولة التعرف إلى رموز حركة "حماس" التي بخروج الرئيس السابق المنصف المرزوقي، من السلطة قد فقدت صديقاً.
لكن مع أهمية هذه المتغيرات، إلا أنه لا يتوقع أن تكون للحكومة الجديدة دور ما، من شأنه أن ينعكس سلباً على الساحة الداخلية الفلسطينية، ولهذا أكد السبسي على "ضرورة إعادة وحدة الصف الفلسطيني، نظراً لما تمثله القضية الفلسطينية من أهمية لدى تونس، وكل المساندين للقضايا العادلة في العالم".
بالنسبة للموقف من إسرائيل، فإنه يستبعد جداً أن تقدم الحكومة الجديدة على أي خطوة في اتجاه التطبيع، فهذا الأمر يعتبر بمثابة الخط الأحمر في أجواء ما بعد الثورة التونسية. ولن يغامر أي طرف بمستقبله السياسي إذا ما أراد أن يتقدم في هذا الاتجاه في أجواء معادية جدا للعدو الصهيوني.
هذا، وسيستمر الرئيس الجديد في سياسة تعميق التعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، المشجعين للانتقال الديمقراطي في تونس، من دون إسقاط أهمية الدور الروسي. كما تفيد مصادر مطّلعة، بأن الأميركيين والأوروبيين، يدعمان أي توجه نحو إشراك الإسلاميين خلال المرحلة المقبلة، اعتقاداً منهما بأن ذلك من شأنه تجنيب البلاد التورط في أزمات جديدة.
وينطلق الاعتبار الثاني من أن السبسي كان وزيراً للخارجية في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وحافظ على علاقات واسعة بشخصيات ودول كثيرة. أما الاعتبار الثالث فينحصر في المعركة الانتخابية التي دارت بينه وبين الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وتناولت في أحد محاورها، الانتقادات التي وجّهها السبسي لسلفه في هذا المجال حول المواقف التي اتخذها، والتي حسب اعتقاده قد أضرت بعلاقات تونس بدول عربية عديدة.
ولا يُمكن القول إن السياسة الخارجية لتونس مرشحة لتغييرات جذرية، لأن ما قامت به الحكومة الحالية برئاسة المهدي جمعة ووزير الخارجية السابق منجي الحامدي، كان بمثابة محاولة احتواء بعض الملفات الساخنة، وبالأخص الملفين السوري والمصري.
وما سيحصل خلال المرحلة المقبلة هو الاستمرار في التوجه عينه، الذي تبنته ما يُسمّى بـ "حكومة التكنوقراط"، ولهذا قال السبسي إنه "سيعمل على ترميم علاقات تونس الدبلوماسية مع البلدان الصديقة والشقيقة، وخصوصا مصر وسورية، من دون التدخل في شؤونها الداخلية". لم يقل بأنه سيغير، وإنما فضل استخدام كلمة "الترميم".
وإذا حاولنا ترجمة ذلك على أرض الواقع، في سعي لاستباق الزمن، يُمكن أن نتوقع خطوات الدبلوماسية التونسية برئاسة السبسي. في البداية كانت الجزائر أول دولة هنأت السبسي بفوزه، ولم يكن ذلك مجرد إجراء بروتوكولي، ولكن أيضاً بحكم العلاقات الشخصية القوية، التي تربط بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس التونسي الجديد. وهي علاقات قديمة تعود إلى مرحلة الستينيات. وقد فوجئ الكثيرون عندما سعى بوتفليقة إلى تقريب وجهات النظر بين السبسي ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، عندما احتدمت الأزمة السياسية في تونس بين الترويكا والمعارضة. وقد ساعدت تلك المساعي على تقريب وجهات النظر بين "الشيخين". وبالتالي فإن العلاقات التونسية الجزائرية مرشحة لمزيد من التعاون والدعم، خاصة على الصعيدين الأمني والمالي.
وقد لوحظ بأن رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد وجّه برقية هنأ فيها السبسي بنجاحه. ولا يستبعد أن ينشط في المرحلة المقبلة التنسيق الأمني بين البلدين، كون القلق الشديد يسيطر على الجانب التونسي، بسبب توجه الآلاف من الشباب التونسي نحو القتال بسورية في صفوف تنظيمي "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). لكن المؤكد أن الحكومة التونسية ستتمسك بمبدأ الحياد بالنسبة للأوضاع الداخلية لسورية وغيرها. ويقول السبسي "نحن متشبثون بالمحافظة على سيادة بلدنا، لذلك نرفض التدخل في شؤون البلدان الأخرى".
من جهتهم، رحّب المصريون بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس، وهم يتوقعون بأن العلاقات بين النظامين مرشحة للتحسن خلال الفترة المقبلة. وهو ما أكده السبسي عندما ذكر قبل أيام قليلة بأن "مصر دولة صديقة وشقيقة، وقعت فيها تغييرات كبيرة ولا بدّ عدم التدخل في شأنها الداخلي".
وهذا يعني أن الطرف التونسي سيعمل على تعميق التواصل مع القيادة المصرية الحالية، وأن يتجنب التعرض للصراع السياسي الداخلي، خصوصاً وأن "نداء تونس"، كان من بين الأطراف التي ساندت بقوة ما حدث يوم 30 يونيو/حزيران 2013، ولم تعترض على مختلف التداعيات التي ترتبت ذلك.
الملف المعقد الذي ستواجهه الدبلوماسية التونسية، يتعلق بالملف الليبي. هناك ميل داخل أوساط "نداء تونس" نحو الترحيب بالمحاولات التي تقوم بها الأطراف العسكرية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، من أجل استرجاع العاصمة طرابلس وبقية المدن الليبية الكبرى، لكن ذلك لن يدفع بالحكومة المقبلة إلى الانحياز السياسي المعلن لأحد طرفي النزاع.
ومن المتوقع أن تحافظ تونس على مسافة واحدة تجاه الجميع، وأن تعزز انخراط الدبلوماسية التونسية في المساعي الإقليمية والدولية، للتوصل إلى تسوية سياسية بين الليبيين، من دون إشراك بعض التنظيمات المسلحة المعادية لتونس. فالهاجس الأمني سيبقى العامل المحدد بالنسبة للحكومة العتيدة مثلما كان بالنسبة للحكومات السابقة.
يبدو أن السبسي يتجه نحو تحريك مختلف الملفات مع جميع دول الخليج، بما في ذلك السعودية، التي كانت من بين المهنئين، مستفيداً من علاقاته القديمة. صحيح أن دولة الإمارات أبدت اهتماماً متميزاً بالسبسي منذ فترة، وخصّته أثناء الحملة الانتخابية بهدية ثمينة، تمثلت في سيارتين مصفحتين لحمايته من التهديدات الأمنية. وهو ما أثار ضجة في الأوساط السياسية، وأوحى بأن تعاوناً متميزاً منتظراً بين البلدين، سيتمّ في حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية. سيكون هدف السبسي التعاون مع الجميع، من أجل ضمان استقرار حكومته، وإنعاش الاستثمارات الخليجية في تونس.
فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، لا يتوقع تغييرات واسعة، وذلك على الرغم من أن لا علاقات سابقة للسبسي ومساعديه بحركة "حماس"، مقارنة بصداقات السبسي القديمة مع الرئيس محمود عباس ورموز السلطة الوطنية.
ولا شكّ في أن هذه العلاقات ستشهد تنشيطاً لها خلال المرحلة المقبلة، مع محاولة التعرف إلى رموز حركة "حماس" التي بخروج الرئيس السابق المنصف المرزوقي، من السلطة قد فقدت صديقاً.
لكن مع أهمية هذه المتغيرات، إلا أنه لا يتوقع أن تكون للحكومة الجديدة دور ما، من شأنه أن ينعكس سلباً على الساحة الداخلية الفلسطينية، ولهذا أكد السبسي على "ضرورة إعادة وحدة الصف الفلسطيني، نظراً لما تمثله القضية الفلسطينية من أهمية لدى تونس، وكل المساندين للقضايا العادلة في العالم".
بالنسبة للموقف من إسرائيل، فإنه يستبعد جداً أن تقدم الحكومة الجديدة على أي خطوة في اتجاه التطبيع، فهذا الأمر يعتبر بمثابة الخط الأحمر في أجواء ما بعد الثورة التونسية. ولن يغامر أي طرف بمستقبله السياسي إذا ما أراد أن يتقدم في هذا الاتجاه في أجواء معادية جدا للعدو الصهيوني.
هذا، وسيستمر الرئيس الجديد في سياسة تعميق التعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، المشجعين للانتقال الديمقراطي في تونس، من دون إسقاط أهمية الدور الروسي. كما تفيد مصادر مطّلعة، بأن الأميركيين والأوروبيين، يدعمان أي توجه نحو إشراك الإسلاميين خلال المرحلة المقبلة، اعتقاداً منهما بأن ذلك من شأنه تجنيب البلاد التورط في أزمات جديدة.