يتحدّث مسؤولون ومراقبون عراقيون عن عودة عدد من الوجوه المألوفة ضمن العمل السياسي في البلاد مرة أخرى بمناصب جديدة. وعلى الرغم من أن ذلك لا يُعد مفاجأة أو حدثاً جديداً بالنسبة للشارع العراقي، إلا أنه يؤكد تراجع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والكتل السياسية عن شعاراتها السابقة التي رفعتها قبل الانتخابات، وهي "المجرب لا يُجرب"، و"حكومة التكنوقراط"، معتبرين أن الترشيحات الجديدة للمناصب هي بمثابة إعلان عن تنصّل القوى السياسية بشكل كامل عن وعودها السابقة للشارع.
وكشفت مصادر عراقية في وزارة الخارجية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن 13 شخصية عراقية شغلت في وقت سابق مناصب وزارية وبرلمانية، خلال الفترة ما بين 2006 و2014، ستعود مرة أخرى من باب السفراء والبعثات الدبلوماسية، وسينظر البرلمان بها ضمن قائمة جديدة في فترة قريبة للمصادقة عليها أو رفضها. وتوقعت المصادر أن تكون تلك الشخصيات مثار الجدل السياسي المقبل، لكنها لفتت إلى أنه "في النهاية ستكون هناك تسويات واسعة حولها بين القوى السياسية لتمريرها، على الرغم من أن بعضها عليه شبهات فساد كبيرة"، مرجعة إعادة طرح أسماء هؤلاء من قِبل قوى سياسية إلى "كونهم ارتبطوا بملفات مهمة وحساسة خلال السنوات الماضية، ولا يمكن التخلي عنهم خوفاً من كشفهم تلك الملفات"، مؤكدة أن عدداً منهم فُرض على وزير الخارجية محمد علي الحكيم من قبل تلك القوى السياسية.
ولفتت المصادر إلى أن هناك أسماء مُررت فعلاً كسفراء، مثل علي الدباغ، المتحدث باسم حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية، وأحد المتهمين بصفقة السلاح الروسي الفاسد، وجرت تسميته سفيراً للعراق في سلطنة عمان، وكذلك ترشيح الوزير السابق للموارد المائية حسن الجنابي سفيراً في تركيا، وتسمية جعفر الصدر سفيراً، ولم يُحسم ما إذا سيكون سفيراً في بيروت (مقر إقامته الدائم) أو في لندن. عدا عن تثبيت سعد محمد رضا كسفير دائم في دمشق، على الرغم من أنه أثار أزمة للعراق في العام 2017 عندما كان سفيراً في البرتغال على خلفية فضيحة اعتداء نجليه على قاصر واتهامهما بالشروع في قتله، وتم نقله إلى سورية واليوم هناك قرار بإبقائه سفيراً هناك وعدم إعادته إلى بغداد، إضافة إلى تعيين محسوبين على حركة "صادقون"، الجناح السياسي لمجموعة "العصائب"، في مواقع دبلوماسية خارج البلاد. ولا يقتصر الأمر على السفراء، إذ كشفت تقارير محلية عراقية أن مسؤولين ونواباً سابقين عيّنوا في الفترة الأخيرة كمستشارين في البرلمان ورئاسة الجمهورية، أبرزهم حسن السنيد وإسماعيل الحديدي.
وتنسف عملية تدوير الوجوه التي لم يستفق منها العراقيون، طيلة الأعوام الماضية، الوعود التي طرحها عبد المهدي، الذي كان قد أكد في كلمته الأولى بعد اختياره رئيساً، أمام مجلس النواب، أنه سيحارب الفساد والإرهاب بيد، ويغيّر شكل العملية السياسية بما تتناسب مع تطلعات الشعب العراقي والشباب، باليد الأخرى. لكن اختيار الحكومة للدباغ والجنابي، دفع عراقيين للتساؤل بتهكم عن احتمالية عودة أسماء لطالما سخروا منها، مثل موفق الربيعي وحنان الفتلاوي وغيرهما من الأسماء التي لم تفز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في مايو/أيار 2018.
وتعليقاً على ذلك، رأى القيادي في التيار المدني العراقي أحمد الياسري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ذلك كان متوقعاً من أول لحظة اعتمد فيها شعار "المجرب لا يُجرب"، فالشارع لم يكن مرتاحاً لهم ولا لوعودهم. وأضاف "إعادة تدوير الوجوه نفسها لسياسيين عراقيين، فشلوا في مناصب سابقة، يندرج ضمن ملف الفساد، لأن الفساد في العراق عبارة عن حلقة مغلقة، وفيها ملفات لا يريد أحد كشفها، فالكل متورط بها"، موضحاً أن "هناك إصراراً على المحاصصة المرفوضة على مستوى الخطاب الإعلامي للحكومة والرأي العام، ولكن على أرض الواقع تُثبت الحكومة الحالية تمسكها بالمحاصصة وتوزيع المناصب على الأحزاب من دون الاستعانة بالقدرات البشرية غير المتحزبة، واختيار سفراء مثل حسن الجنابي والدباغ وتقديم أسماء أخرى، علمنا أنهم جميعاً وجوه سياسية وحكومية سابقة غابت عدة سنوات وعادت اليوم، بما ينسف البرنامج الحكومي الذي قدمه عبد المهدي".
من جهته، أشار عضو ائتلاف "الوطنية" حامد المطلك إلى أن "العراق يعاني من وضع مأساوي، وهناك خلل كبير في الكثير من مؤسسات الدولة وبعض الشخصيات في بعض المواقع، والفساد ما زال مستشرياً، ويُزكم الأنوف. ويبدو أن الحكومة غير جادة بالإصلاح الذي تحدثت عنه، ولا حتى بتبديل الوجوه التي أشبعت العراق ضيماً وقهراً"، معتبراً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تدوير الوجوه يكون أمراً طبيعياً في حال كانت هذه الوجوه غير مُدانة بالسرقة والقتل والإرهاب، لكن بطبيعة الحال، الأحزاب العراقية لم تتمكن من التمسك بشعاراتها وتحويلها إلى أفعال بما يتعلق بالمحاصصة الطائفية والحزبية".
أما القيادي في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" غياث السورجي فأكد "تسليمه سيرته الذاتية إلى حزبه، من أجل نيل منصب سيادي من الدرجات الخاصة"، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "كل الأحزاب المشاركة في حكومة بغداد لديها استحقاقات انتخابية، من الوزارات والوكلاء ومستشاري الوزارات والسفراء والمديراين العامين، وهذا أمر طبيعي ومعمول به في العراق. وكل حزب يأخذ ما يستحق من مناصب بحسب ما حصل عليه من أصوات ومقاعد برلمانية عقب الانتخابات التشريعية". من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي محمد عماد أن "مناصب السفراء تُعتبر من الدرجات الخاصة في الدولة العراقية، وهي تُقسم وفق نظام المحاصصة بين الكتل السياسية على أساس طائفي وسياسي حزبي، وهو ما حدث حين تم تعيين شخصيات سياسية أو وزراء سابقين، مثل الدباغ والجنابي، الذين كانوا على رأس مناصب سابقة، فهم كانوا يمثلون أحزابهم في المناصب، وحالياً يجري الأمر نفسه"، مشيراً إلى أن "التقسيم يكون وفق نظام حجم الكتل البرلماني، فكل كتلة وجهة سياسية لها مناصب معينة في الدرجات الخاصة، كالسفراء والوكلاء وحتى المدراء العامين". وتابع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قضية تعيين السفراء ليست بيد رئيس الوزراء، بل هي من صلاحية وزارة الخارجية، ثم يُصادق عليها رئيس الجمهورية، ويُفترض أن يُصوّت عليها مجلس النواب أيضاً. فقبل أيام جاء وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم إلى مجلس النواب واجتمع مع ممثلي الكتل والأحزاب السياسية، واتفقوا على تقسيم هذه المناصب بنسبة 50 في المائة، بمعنى أن نصف السفراء تختارهم الجهات السياسية والنصف الآخر تختارهم وزارة الخارجية من دون تدخّل الجهات السياسية".