الدكتاتور الضاحك
من معرفتي ببعض الذين يعرفون الدكتاتور بشار الأسد، أستطيع أن أتخيّل ضحكته البلهاء، وهو يرى كلّ "الأطراف" الدولية حائرة بشأنه. ويمكن تخيّله وهو يضحك الضحكة البلهاء نفسها، وهو ينظر إلى جموع الشعب السوري تهبُّ على الغرب بحثاً عن ملجأ آمن. في الحالتين، سيفكر أن العالم أخطأ بحقه، وشرائح كبيرة من الشعب السوري في مقدمة هؤلاء. انظروا، سيقول، ألم يكن أفضل لكم لو صدّقتم، من البداية، أن مصيري من مصير هذه البلاد؟ إنْ بقيتُ تبقى، وإن ذهبتُ تصبح قاعاً صفصفاً. صدق الدكتاتور. هو الوحيد الذي طلع يعرف كل الحكاية، وهو الوحيد الذي لم يقدّم تنازلاً لأحد، منذ شعارات أطفال درعا إلى نزول عسكر القيصر الروسي على شاطئ دويلته الاحتياط.
لم يصدّق الناس أنَّ شعار الشبيحة القائل: الأسد أو نحرق البلد، كان حقيقةً لا مجاز فيها. لم يكن، مثل أقوال "أصدقاء سورية"، كلاماً في كلام. طلعت كل كلمة في هذا الشعار صحيحة. كلّ كلمة فيه أبيدت مقابلها ثلاث محافظات، وشُرِّد مليون، وقتل وجرح واختفى مئات الآلاف. حتى وهو في حضيضه العسكري، عندما كان على وشك الفرار من مخبئه الدمشقي إلى الساحل، لم يقدّم الدكتاتور تنازلاً إلى دُعاة جنيف ورُعاتها. لا جنيف الأولى ولا الثانية، فهو ينتظر جنيف الثالثة أو الرابعة، ليكون على رأس طاولتها غير المستديرة، ويضحك أمام الكاميرات ضحكته منبَتّة الجذور مع شعبه، وآلامه، ويقول أنا السوري المنتخب بشار الأسد، أقصى ما أقدمه لكم (لمعارضيه) أن تعملوا معي. ضمن سقفي وشروطي.
الآن، أكثر من أي وقت مضى، تأكّد للدكتاتور الضاحك ببلاهة أنه رقم صعب في المعادلة الدولية. شيء يذكّرنا بالمرحوم أبو عمار الذي كان دائم الحديث عن الرقم الفلسطيني الصعب الذي حوَّله ورثته إلى أسهل رقم في العالم.
الآن، بعد كل جولات الاسترضاء العربية للقيصر الروسي، ومحاولة سحب البساط، قليلاً، من تحت قدمي بشار الأسد، يؤكد الروس لنا وللعالم أحد أمرين: إما أنهم كانوا يضحكون على زوّارهم العرب، رفيعي المستوى، أو أن هناك، حسب الفيلم الأميركي الشهير، شيئاً ضائعاً في الترجمة. فكيف ننتقل من كلام الزوار العرب، رفيعي المستوى، وكلام قادة "الائتلاف الوطني" الذي يشير إلى عدم تمسّك الروس ببشار الأسد، إلى إنزال قوات ومعدات ثقيلة في معقل الأسد العائلي؟
هذه نقلة لا تعقب فهماً وقناعات كالتي خرج بها زوار موسكو العرب، قبل أقل من شهر. أقصد أن هناك خطأً في الأمر، خطأ في الفهم، خطأ في التقدير؟ لا أدري. وبصرف النظر عن هذا كلّه، نحن اليوم في واقع مختلف تماماً من عمر المأساة السورية.
لا نعرف، نحن الذين نقرأ الصحف ونشاهد التلفزات، ما يجري وراء الأكمة، إن كان هناك شيءٌ وراء الأكمة غير الأكمة نفسها. فثمة من يقول إن ردَّ الفعل الأميركي الضعيف على التورّط الروسي المباشر في سورية ليس بريئاً. لا أقصد متواطئاً مع الروس، ولكنه قد يكون مشجِّعاً، من دون أن يبدو كذلك، على مزيد من تورّطهم. استدراج لوضع يشبه أفغانستان ثانية، تنهي هذا الطور المتنفِّج للقيصرية الروسية الجديدة. هناك من يقول إن الروس رؤوسهم حامية، وسرعان ما يقعون في الفخّ. ولكن، حتى لو صحَّ هذا، فهو خبر سيئ لنا. إنه يعني المزيد من الحرب. المزيد من الدمار. المزيد من التشريد السوري الذي بزَّ أي تشريد بشري معاصر.
أما إن كان الروس أصحى، اليوم، من تكرار ورطة أفغانستان، فليس أقل سوءاً من الأول، لأن على من يريد حلاً سياسياً لسورية أن يجلس مع بشار الأسد، على تلال من الجماجم تسمّى حواراً.
والحال، ماذا سيقول "حلفاء" الشعب السوري وأشقاؤه، الذين دفعوا ثورته إلى السلاح، لمَن ماتوا وهُجِّروا ودُمِّرت بيوتهم؟ من الذي يستطيع أن يقول لهم: عفى الله عمّا مضى؟