تظهر أرقام صادرة عن "الإحصاء الدنماركي" زيادة مضطردة خلال السنوات العشر الماضية في قابلية الدنماركيين للعيش معاً في عائلات كبيرة ممتدة لأجيال. وتشير الأرقام الرسمية، المبنية على دراسة لوحدة التحليل في البلديات، إلى زيادة بنسبة 27 بالمائة منذ 2007 لأعداد المنتقلين للعيش في منازل كبيرة ضمن أسر ممتدة، تشمل الجد والجدة والأولاد والأحفاد.
وعلى عكس الانطباع السائد عن تفكك منظومة الأسر في الدنمارك، تظهر الدراسات المتعددة بأن "الأسر الدنماركية النواة (الزوجان والأطفال) باتت تتسع لتصبح أسراً ممتدة، ويتوق بعضها، بنسبة 80 بالمائة، للاقتراب من مكان سكن الأسر الممتدة، أو العيش معاً إن سمحت الظروف"، وفقاً لدراسة أجراها معهد "يوغوف" لمصلحة "مركز معرفة توجهات ملاك المنازل" (بوليوس) عن مزايا البقاء بالقرب من الأسر.
والمفاجئ أيضاً، في ضوء الأرقام التي قدمتها "وحدة التحليل" في مركز الإحصاء، أن هذه الزيادة التي تضاعفت مرتين، باتت ظاهرة في منطقة العاصمة كوبنهاغن الكبرى، وجزيرة شايلاند عموماً، أي ليست في الأرياف كما كانت تقليدياً.
وتتربع بلدية غريبسكو على قائمة بلديات الدنمارك في أعداد الأسر المنتقلة معاً إلى بيوت أكبر. ووفقاً لما قالته شركة سمسرة لبيع المنازل في غرايستيد للتلفزة الدنماركية فإن "هذه الزيادة متطابقة مع مؤشرات بيع المنازل الواسعة لأسر كبيرة ترغب في انتقال جماعي إليها".
ويضيف المسؤول في الشركة، هينريك موللر، بأن "قرب المسافة إلى العاصمة، والرغبة الاجتماعية عند كبار السن في تقديم يد العون للأبناء والأحفاد، ورخص التكاليف المالية، تلعب أدواراً مهمة في رغبة الانتقال الجماعي".
وفي الاتجاه ذاته ذهبت مديرة مركز "بوليوس"، كريستينا فيرن، للقول بإن "الجيل الأكبر يعرفون مدى انشغال الأبناء في أعمالهم، وهم بالتالي يرغبون في المساعدة بالاهتمام بأحفادهم ومنازلهم".
ويبدو أن "التركيز الإعلامي خلال العقد الماضي على ظروف الأجداد الوحيدين، وتزايد النقاش عن التقاسم الاقتصادي المشترك لتخفيف الأعباء وحاجة الأطفال للاهتمام، كسرت دورة التفكير النمطي حول طبيعة الأسرة ودورها الاجتماعي"، بحسب ما تصرح فيرن.
وفي تعقيبه على هذه التطورات، يرى الباحث الاجتماعي في مجال الأسرة والإسكان بجامعة كوبنهاغن، بيللا ماركمان، أن "الحاجة للجدين باتت أكثر مع ضغط ساعات العمل غير التقليدية، وليس هناك من هو أقرب للأطفال من الجدين اللذين بنيا علاقة طويلة مع الأحفاد".
وتشير أرقام الدنماركيين في هذه الدراسة البحثية إلى أن "هذا النمط من العيش المشترك، في العوائل الممتدة، منتشر بكثرة بين الدنماركيين من أصول مهاجرة وأبنائهم. وتراوح نسب العيش المشترك العابر للأجيال بين 3.8 إلى 5 بالمائة". ولأسباب يردّها الباحثون إلى "الثقافة والتقاليد" فإن "النسب عند الأشخاص من العرق الدنماركي لا تتجاوز 1 بالمائة"، وفقاً لما تذهب إليه الباحثة في مجال "بنية عوائل الأقليات الإثنية"، أنيكا ليفرسايا، من "مركز الأبحاث الوطني للرعاية والرفاهية".
وتشرح الباحثة للدنماركيين "أسباب عيش العوائل المهاجرة عبر الأجيال يعود إلى ثقافة المجتمعات التي يعيش أبناؤها الكبار مع أهاليهم المسنين ويكونون أسرهم انطلاقاً من المنزل الكبير".
بكل الأحوال، تبدو تجربة العيش المشترك، والتي شملت اليوم أكثر من عشرة آلاف أسرة في العقد الأخير، قصة قديمة في المجتمع الدنماركي، والذي تخلّى عن هذا النمط من العيش في بداية أربعينيات القرن الماضي مع التطور الصناعي والانتقال من الريف، والذي لا يزال في بعض مناطقه شمال غرب جزيرة جوتلاند يحافظ على نمطه الفلاحي والعيش ضمن تجمعات أسرية ممتدة.
وانطلقت تجربة "العيش الجماعي" بين أسر دنماركية في سبعينيات القرن الماضي، وهي مستمرة في بعض المناطق، ضمن مجمعات سكنية بمطابخ مشتركة، مع تناول الوجبات الجماعية في قاعات ملحقة بالمجمعات التي تسمى بالدنماركية "فايلس بو" (سكن مشترك).
وإلى جانب هذه الدراسة تذهب دراسات اجتماعية أخرى إلى الاستنتاج بأن "قضاء العطلة جماعياً، بين الأسرة الكبيرة بما فيها أبناء العمومة والخؤولة" بات نمطاً يتجه إليه الدنماركيون "لتقوية العلاقات الاجتماعية"، بحسب ما استندت إليه دراسة صدرت في 2015 استناداً إلى نمط حجز الإجازات عبر شركات السياحة المنتشرة في البلد.
وليس بغريب أيضاً، في المجتمع الريفي الدنماركي، أن تُقام "حفلة العائلة السنوية"، والتي يتداعى إليها الأقارب، على الأقل 100 شخص، للالتقاء والتعارف بين الأقارب المتوزعين بين المدن الكبيرة في رحلة عودة إلى القرى كل عام.