10 نوفمبر 2024
الدين والانتخابات في الأردن
فاجأ التحالف الوطني للإصلاح (يضم حزب جبهة العمل الإسلامي "إخوان الأردن" مع مرشحين مستقلين) الرأي العام والأوساط السياسية ونسبة كبيرة من قواعده الشعبية، في المهرجان الذي أقامه، وأعلن فيه قائمته الانتخابية، بابتعاده كثيراً عن الصيغة التقليدية التي ميزت حملاته الانتخابية السابقة. وتمثلت أبرز التغييرات بالتخلي عن شعار "الإسلام هو الحل" الذي دمغ برامجه الانتخابية السابقة، ثم جاء المهرجان الانتخابي الذي خلا من رايات "الإخوان" الخضراء، ذات الرمزية الدينية، وصُبغ بالهتافات الوطنية، فيما طغت على حملتهم الانتخابية الإلكترونية القضايا الداخلية المرتبطة بالشباب والبطالة والفساد والإصلاح السياسي.
وعلى الرغم من أنّ القضية الفلسطينية لم تختف تماماً من أولويات "الحملة الانتخابية"، إلاّ أنّ المساحة التي احتلتها تقلصت نسبياً، مقارنة بمشاركاتهم في الانتخابات السابقة، ولم يتردّد الشعار المعروف "الأردن أرض الرباط وفلسطين أرض الجهاد".
تساءل الزميل فهد الخيطان، الكاتب المعروف في يومية الغد، في مقالةٍ له، فيما إذا كان هذا التحول تكتيكياً عابراً مرتبطاً بضغوط اللحظة الراهنة، أم أنّه تطور بنيوي مرتبط بخطاب الحركة الإسلامية الأردنية ومسارها؟
إذا كان من الصعوبة بمكان الإجابة الحاسمة عن سؤال الخيطان، ومن ورائه حشد من المراقبين والسياسيين الأردنيين؛ إلاّ أنّ المتتبع للحركة، وما مرت به من مخاضات كبيرة في الفترة الماضية، داخلياً في الانشقاقات التنظيمية والخلافات السياسية وفي علاقتهم بالنظام، أو خارجياً عبر الظلال الثقيلة التي ألقتها التجربة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين الأم على الحركة قد يرى أنّ التغييرات الراهنة بمثابة "المخرجات الأولية" التي بدأت تظهر على الجماعة كاستجابة لكل ما سبق، ومقدمة لعودتها إلى اللعبة السياسية، بعد أعوام المقاطعة والخصومة الشديدة مع الدولة.
على الطرف الآخر، هنالك مياه كثيرة جرت تحت الأقدام، تجعل من فرضية استعادة العلاقة الودية، أو على الأقل، بناء جسور الثقة مرة أخرى، بين "الدولة" والجماعة أمراً مستبعداً، يعزّز ذلك اتجاه متنامٍ يحظى بقبول كبير في أوساط نخبة القرار الجديدة، يرى أنّ زمن العلاقة مع التيار الإسلامي أفل إلى غير رجعة، ويدفع إلى التحالف مع تياراتٍ أخرى، والتخفيف من حضور التيار الإسلامي في المجتمع.
المفارقة الصادمة التي واجهت الدولة والنخب المثقفة والسياسية هي أنّ تراجع حضور الخطاب الديني لدى الجماعة قابله صعوده وانتشاره من خارج رحم جماعة "الإخوان"، وحتى الأحزاب الجديدة المنشقة عنها (مثل زمزم والوسط الإسلاميين).
برزت "الظاهرة الدينية" في الانتخابات من خلال اللحية والخمار والشعارات الدينية واستحضار القضية الفلسطينية بكثافة، من خلال قوائم وشخصيات أخرى، وفي بعض معطياته وتفصيلاته أكثر حدةً من ذلك الذي تقدمه "الجماعة"، ما يكشف أنّ التيار المحافظ دينياً تجاوز الجماعة، وأصبح حالة منتشرة متنامية، لها جذورها وحضورها الواسع.
أصبح التيار المحافظ مجتمعياً كبيراً ونافذاً، وإن كان لا ينطلق من أيديولوجيا "الإسلام السياسي" التقليدية، فمن الصعوبة لاحقاً التمييز بين الاثنين في ضوء متغيرين رئيسين. الأول تخلي "الإخوان" تدريجياً بصورة واضحة في الحملة الحالية عن الشعارات التقليدية المعروفة، ما يجعلها أقرب إلى الحزب السياسي المحترف. والثاني تحت قبة البرلمان لاحقاً، عندما يتبنى "القضايا الدينية" النواب المحافظون من داخل الجماعة ومن خارجها، في مواجهة هواجس بدأت تنمو لدى هذا التيار (ليست دقيقة بالضرورة) ترى أن الهوية الإسلامية مستهدفة، ولا تشعر بالارتياح للسياسات الجديدة.
الهواجس التي تغذّي التيار المحافظ تتبدّى، بوضوح، اليوم، خارج أوساط الحملات الانتخابية، في الجدل العام عن المناهج الدراسية وتطويرها، وحالة التجاذب المتدحرجة مثل كرة الثلج بين نخبةٍ علمانيةٍ ازداد نشاطها الإعلامي والثقافي والسياسي بقوة، أخيراً، وتيار ديني مجتمعي عريض، بدأ يتشكل حتى داخل المؤسسة الدينية الرسمية يشعر بالقلق من هذا النشاط.
حملة تغيير المناهج بدعوى التخلص من الداعشية وتجفيف التطرف، التي تبنتها نخبة القرار، قابلها صعود ملحوظ لحملة مضادة تحت عنوان رفض تشويه المناهج، بدعوى أن التغييرات تتعلق فقط بالرموز الإسلامية، وأنّها تستهدف الهوية الإسلامية بصورة أساسية.
تغيرات نوعية مفصلية تفتح الباب أمام تحولات وصراعات ثقافية مجتمعية وسياسية تمثل الحملات الانتخابية الحالية جزءاً من تجلياتها.
وعلى الرغم من أنّ القضية الفلسطينية لم تختف تماماً من أولويات "الحملة الانتخابية"، إلاّ أنّ المساحة التي احتلتها تقلصت نسبياً، مقارنة بمشاركاتهم في الانتخابات السابقة، ولم يتردّد الشعار المعروف "الأردن أرض الرباط وفلسطين أرض الجهاد".
تساءل الزميل فهد الخيطان، الكاتب المعروف في يومية الغد، في مقالةٍ له، فيما إذا كان هذا التحول تكتيكياً عابراً مرتبطاً بضغوط اللحظة الراهنة، أم أنّه تطور بنيوي مرتبط بخطاب الحركة الإسلامية الأردنية ومسارها؟
إذا كان من الصعوبة بمكان الإجابة الحاسمة عن سؤال الخيطان، ومن ورائه حشد من المراقبين والسياسيين الأردنيين؛ إلاّ أنّ المتتبع للحركة، وما مرت به من مخاضات كبيرة في الفترة الماضية، داخلياً في الانشقاقات التنظيمية والخلافات السياسية وفي علاقتهم بالنظام، أو خارجياً عبر الظلال الثقيلة التي ألقتها التجربة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين الأم على الحركة قد يرى أنّ التغييرات الراهنة بمثابة "المخرجات الأولية" التي بدأت تظهر على الجماعة كاستجابة لكل ما سبق، ومقدمة لعودتها إلى اللعبة السياسية، بعد أعوام المقاطعة والخصومة الشديدة مع الدولة.
على الطرف الآخر، هنالك مياه كثيرة جرت تحت الأقدام، تجعل من فرضية استعادة العلاقة الودية، أو على الأقل، بناء جسور الثقة مرة أخرى، بين "الدولة" والجماعة أمراً مستبعداً، يعزّز ذلك اتجاه متنامٍ يحظى بقبول كبير في أوساط نخبة القرار الجديدة، يرى أنّ زمن العلاقة مع التيار الإسلامي أفل إلى غير رجعة، ويدفع إلى التحالف مع تياراتٍ أخرى، والتخفيف من حضور التيار الإسلامي في المجتمع.
المفارقة الصادمة التي واجهت الدولة والنخب المثقفة والسياسية هي أنّ تراجع حضور الخطاب الديني لدى الجماعة قابله صعوده وانتشاره من خارج رحم جماعة "الإخوان"، وحتى الأحزاب الجديدة المنشقة عنها (مثل زمزم والوسط الإسلاميين).
برزت "الظاهرة الدينية" في الانتخابات من خلال اللحية والخمار والشعارات الدينية واستحضار القضية الفلسطينية بكثافة، من خلال قوائم وشخصيات أخرى، وفي بعض معطياته وتفصيلاته أكثر حدةً من ذلك الذي تقدمه "الجماعة"، ما يكشف أنّ التيار المحافظ دينياً تجاوز الجماعة، وأصبح حالة منتشرة متنامية، لها جذورها وحضورها الواسع.
أصبح التيار المحافظ مجتمعياً كبيراً ونافذاً، وإن كان لا ينطلق من أيديولوجيا "الإسلام السياسي" التقليدية، فمن الصعوبة لاحقاً التمييز بين الاثنين في ضوء متغيرين رئيسين. الأول تخلي "الإخوان" تدريجياً بصورة واضحة في الحملة الحالية عن الشعارات التقليدية المعروفة، ما يجعلها أقرب إلى الحزب السياسي المحترف. والثاني تحت قبة البرلمان لاحقاً، عندما يتبنى "القضايا الدينية" النواب المحافظون من داخل الجماعة ومن خارجها، في مواجهة هواجس بدأت تنمو لدى هذا التيار (ليست دقيقة بالضرورة) ترى أن الهوية الإسلامية مستهدفة، ولا تشعر بالارتياح للسياسات الجديدة.
الهواجس التي تغذّي التيار المحافظ تتبدّى، بوضوح، اليوم، خارج أوساط الحملات الانتخابية، في الجدل العام عن المناهج الدراسية وتطويرها، وحالة التجاذب المتدحرجة مثل كرة الثلج بين نخبةٍ علمانيةٍ ازداد نشاطها الإعلامي والثقافي والسياسي بقوة، أخيراً، وتيار ديني مجتمعي عريض، بدأ يتشكل حتى داخل المؤسسة الدينية الرسمية يشعر بالقلق من هذا النشاط.
حملة تغيير المناهج بدعوى التخلص من الداعشية وتجفيف التطرف، التي تبنتها نخبة القرار، قابلها صعود ملحوظ لحملة مضادة تحت عنوان رفض تشويه المناهج، بدعوى أن التغييرات تتعلق فقط بالرموز الإسلامية، وأنّها تستهدف الهوية الإسلامية بصورة أساسية.
تغيرات نوعية مفصلية تفتح الباب أمام تحولات وصراعات ثقافية مجتمعية وسياسية تمثل الحملات الانتخابية الحالية جزءاً من تجلياتها.