تحلّ الذكرى السابعة لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 الذي أطاح فيه الجيش المصري بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب عرفته مصر، وسط مساعٍ ملحوظة لإعادة تقديم محمود السيسي نجل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بسيناريو يصفه مراقبون بأنه يذكر بمشروع "الوريث"، ولكن هذه المرة ليس لنجل الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، جمال، والذي كانت محاولته لوراثة حكم مصر، السبب الرئيسي في تأجيج ثورة شعبية ضد والده في 25 يناير/كانون الثاني عام 2011.
إعادة إنتاج سيناريو الوريث هذه المرة، جاءت عبر مساعي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الهادفة لتمهيد الطريق لنجله الأكبر محمود القيادي بجهاز المخابرات العامة. وكانت تسببت التظاهرات الغاضبة ضد النظام الحالي في 20 سبتمبر/أيلول 2019، في تعطيل هذه المحاولات بشكل مؤقت، إذ أجبرت الرئيس المصري على تنحية نجله من المشهد وإبعاده عن الأضواء. وقد دخل السيسي الأب وقتها في مساومة مع بعض الأجهزة السيادية الغاضبة بسبب توسُّع نفوذ السيسي الابن وبسْط سطوته على الحياة السياسية وقطاع الإعلام، لإبعاد الأخير، مقابل تصديهم للتظاهرات في الشارع ووأد التحركات التي دعا إليها المقاول والممثل محمد علي، بعد كشفه حجم الفساد المالي، وإهدار المال العام، من جانب السيسي ونخبة القوات المسلحة، والهيئة الهندسية التابعة لها.
لم ينفذ محمود السيسي قرار انتدابه للسفارة المصرية في موسكو
بعد تجاوز السيسي لأزمة التظاهرات الغاضبة، وهدوء الشارع، إثر تسريب أخبار بشأن إبعاد نجله نهاية العام الماضي إلى سفارة مصر في روسيا كملحق عسكري، وإنهاء إشرافه على ملف الحياة السياسية والإعلام، عاد الحلم مجدداً ليراود السيسي ونجله. فالابن لم ينفذ قرار انتدابه للسفارة المصرية في موسكو، وفق ما كان انفرد به "العربي الجديد" عبر مصادر خاصة، بل ظهر في أدوار جديدة داخل الجهاز السيادي العتيق، في محاولة لاستعادة أدواره السابقة، من خلال توليه أخيراً قيادة ملف تنسيق العملية العسكرية المشتركة بين قوات الجيش وأبناء القبائل المصرية ضدّ عناصر تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" في شمال سيناء، وهو ما تسبب في حالة من الغضب المتجددة داخل الجهاز، حيث كان نجل السيسي سبباً في وقت سابق في الإطاحة بنحو 44 من وكلائه وقياداته البارزين، لإفساح المجال أمامه وتصعيده. ودفع ذلك دوائر السيسي للتعجيل بحملة إعادة إنتاج وتجميل صورة نجل الرئيس، عبْر حملة إعلامية بدأت أولى حلقاتها بتقرير دعائي في أحد المواقع الإخبارية المحسوبة على الأجهزة الأمنية، وهو موقع "القاهرة 24"، الذي جاء بحسب ما ورد فيه "لنفض الغبار عن سيرة النجل"، مبرراً في الوقت ذاته إسناد ملفات سيناء إلى "الابن" بدعوى معرفته بالتقاليد والعادات ووجدان القبائل عن قرب، ما انعكس بحسب التقرير "على الرؤية العامة التي طوّرت من خلالها الدولة المصرية استراتيجيات المواجهة في سيناء على المستويات الاجتماعية والإنسانية قبل السياسية والعسكرية".
بعد نشْر التقرير على الموقع الإخباري الأمني المذكور، أعاد العقيد أحمد شعبان، أحد مساعدي رئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، نشره على حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك"، مضيفاً إليه دفعة من عبارات المدح والثناء على نجل الرئيس، الذي قرر العودة للأضواء مجدداً بالمخالفة لطبيعة رجل المخابرات. وكتب شعبان عن محمود السيسي: "عمِل في صمت حين كان الضجيج لا يُسمن ولا يغني من جوع... اختار الصمت حين تحدثوا عنه بالإفك... عرفته منذ تزاملنا ضباطاً بالجيش الثاني الميداني، روح مصر قد تركت آثارها عليه فلا تخطئ جدعنته ورجولته وإصراره على النجاح، قد حمل من أسرته الكريمة جينات الخير والمحبة ومن والده العزيمة والبطولة... دمت رجلاً أفخر به مهنياً وإنسانياً ووطنياً".
الخطة المعدّة لنجل الرئيس ليس هدفها الأساسي توليه منصباً قيادياً خلال فترة قريبة، ولكن يمكن توصيفها بأنها خطة بعيدة المدى
في السياق، أكد مصدر خاص لـ"العربي الجديد"، أنّ "الخطة المعدّة لنجل الرئيس ليس هدفها الأساسي توليه منصباً قيادياً خلال فترة قريبة، ولكن يمكن توصيفها بأنها خطة بعيدة المدى بعض الشيء، عبر تقديمه للرأي العام من خلال مجموعة من الأدوار البطولية، وكذا جمْع خيوط المشهد السياسي والإعلامي بين يديه بشكل تدريجي، خصوصاً في ظلّ تآكل جدار الثقة بين الرئيس وكثير من الدوائر المحيطة به".
وحول إمكانية نجاح تلك الخطة على الرغم من فشل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في توريث نجله جمال، ما تسبب في ثورة ضده، قال المصدر "السيسي يراهن على كون نجله من أبناء المؤسسة العسكرية، وهو ما لم يكن متوفراً في جمال مبارك، الذي لم تتقبله المؤسسة العسكرية خلال حكم أبيه نظراً لتوجهاته الاقتصادية والسياسية وقتها، وعلاقاته برجال الأعمال".