الرأسمالية في خطر ... المليارديرات يراكمون الثروات رغم خسائر كورونا

04 مايو 2020
جيف بيزوس أغنى رجل في العالم (Getty)
+ الخط -


يتزايد عدد العاطلين عن العمل حول العالم، ويفوق 26 مليون عاطل في الولايات المتحدة وحدها، وترتفع معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية في أوروبا، بينما يواصل أغنياء العالم، وعلى رأسهم أساطين المال في أميركا، مراكمة ثرواتهم. 

وحسب معهد السياسات الأميركي، أضاف أثرياء أميركا 282 مليار دولار إلى ثرواتهم في ثلاثة أسابيع بين نهاية شهر مارس/ آذار وحتى يوم 23 إبريل/ نيسان الماضي، وذلك مقارنة بنحو نصف تريليون دولار خلال عام 2019 بأكمله.

وهذا المعدل الضخم الجاري في بناء الثروة، منذ بداية تفشي الفيروس "كوفيد 19"، سينعكس سلباً على اتساع الفجوة في الدخول بين من يملكون المال وبين أفراد المجتمع في أميركا وفي دول أوروبا الغربية، وربما ينتهي هذا التباعد في الدخول إلى غبن اجتماعي وكفر بالنظام الاقتصادي الرأسمالي ورفض شعبي للنظام الديمقراطي، حسب ما يعتقد مراقبون.

ويرى محلل الاقتصاد السياسي البريطاني نيك كوهين، في تحليل بصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أن انعدام العدالة في توزيع الثروة والاحتكار والضغوط الاقتصادية ستقود إلى تقويض النظام الرأسمالي، ما لم تتخذ الحكومات إجراءات للحد من تأثيراتها السلبية على المجتمعات.

وفي ذات الشأن، يرى محللون بنشرة "فورن بوليسي" أن التطرف ربما سيتزايد في الغرب الرأسمالي بعد نهاية فيروس كورونا ويضيف إلى تقوية الحركات الشعبوية في أوروبا.

ولاحظ محللون أن عدد الأثرياء وحجم ثرواتهم شهد ارتفاعاً ضخماً في السنوات التي تلت أزمة المال في عام 2008، بسبب حصول الأثرياء على تمويلات رخيصة من المصارف المركزية وضخ تريليونات الدولارات في شركاتهم، وهو نفس التوجه الجاري حالياً في أميركا وأوروبا.

ومنذ بداية تفشي فيروس كوفيد تواصل البنوك المركزية العالمية، وعلى رأسها مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، نفس أسلوب ضخ الأموال في الشركات وتقديم الضمانات ضد المخاطر في عمليات المتاجرة في السندات وحتى الأسهم، ولكن بمعدل أكبر، وربما تعادل الأموال التي تم ضخها حتى الآن في البنوك والشركات الكبرى في أميركا ثلاثة أضعاف ما حدث في أعوام أزمة المال العالمية.

فأصحاب المال والمليارديرات يتاجرون حالياً في أسواق السندات دون مخاطر تذكر حتى في السندات الخردة، أي غير المصنفة، حيث بات مصرف الاحتياط الفيدرالي يضمن التعامل فيها للمستثمرين.

وبالتالي فإن قضية الفوارق في الدخول وتداعياتها على الاستقرار السياسي والاقتصادي في أميركا، لم تعد قاصرة على النقاشات الجارية في الجامعات ومراكز الفكر والنخب السياسية، وإنما باتت قضية تهم حتى الأثرياء أنفسهم، وسط القلق من تداعيات الثراء الفاحش على مستقبل النظام الرأسمالي وتماسك المجتمع.

الملياردير بيل غيتس، صاحب شركة مايكروسوفت، والذي يملك أكثر من مائة مليار دولار، من كبار المنتقدين لتزايد الفجوة في الدخول وتداعياتها السالبة.

ويعتقد غيتس أن النظام الرأسمالي يحتاج إلى إصلاح، ومن المصلحة أن ترتفع الضرائب على الأغنياء.

وقال في لقاء تلفزيوني: "أعتقد أن من الممكن أن تستخدم الضرائب للحصول على مساواة أفضل في الدخول وتمويل الخدمات الحكومية... ولكن يجب أن يحدث ذلك في أطر وأسس النظام الرأسمالي".

أما الملياردير راي داليو، الذي يملك نحو 19 مليار دولار، فيرى أن الرأسمالية بحاجة إلى عملية إصلاح مثلها مثل أي شيء آخر، ولكن لا يجب الغاء الرأسمالية.

واعترف داليو، وهو من كبار المستثمرين، في لقاء مع برنامج 60 دقيقة بقناة "سي بي أس" الأميركية، أن "الاقتصاد الأميركي لا يوزع الفرص بعدالة، ويرى أن الحلم الأميركي انتهى".

أما الملياردير مارك بينوف، مؤسس شركة "سييلز فورس"، فقد كتب في صحيفة "نيويورك تايمز" قائلاً إن "الرأسمالية التي مورست خلال السنوات الأخيرة أدت إلى عدم مساواة مرعب في الدخول في الولايات المتحدة".

ويرى بينوف أن الشركات باتت مهتمة في العقود الخيرة بتحقيق أكبر ربح ممكن للمساهمين، متخلية عن المعايير الأخلاقية الأخرى. 

حتى أصحاب المال الذين جنوا ثرواتهم من الاستثمار في أسواق المال مثل الملياردير وارن بيفت فهم يرون أن هنالك تشوهات في النظام الرأسمالي. 

ويعتقد بيفت أن "النظام الرأسمالي هو الأفضل، لأن اقتصاد السوق أكثر إنتاجية ويخلق الثروة ولكنه يرى أن بحاجة للإصلاح". ويرى أنه "من المستحيل أن تتحول أميركا إلى دولة اشتراكية خلال المستقبل القريب".
ويشير المسح الذي أجراه أخيراً مركز "بيو" للأبحاث بين الشباب الأميركي إلى أنّ النظرة الأميركية للثروة تغيرت من كونها مؤشراً لـ"النجاح الباهر" إلى اعتبارها "أمراً سيئاً".

وبحسب المسح فإن 30% من شباب الحزب الديمقراطي تحت سن 30 عاماً يرون أن "تملك شخص مليار دولار أمر سيئ".

ويتخوف الجيل الجديد في أميركا من تزايد نفوذ المليارديرات على مختلف مناحي الحياة، إذ لم يقتصر نفوذ الأثرياء كما كان في العقود الماضية على أسواق المال والشركات والعقارات الفاخرة واليخوت والطائرات.

لكنهم تحولوا في السنوات نحو إضافة الدولة إلى مقتنياتهم وتحولوا من التأثير على الساسة، وتمويل الانتخابات، إلى السيطرة المباشرة على الآلة السياسية والصعود إلى الحكم. ويتزايد عدد المليارديرات الذي صعدوا للحكم في العالم وترشح للانتخابات الرئاسية  في دورتها التمهديدية أكثر من ثلاثة مليارديرات من الحزب الديمقراطي.

على صعيد الغبن الاجتماعي، ارتفعت الفجوة في الدخول إلى أعلى مستوياتها خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن تصل إلى ذروتها بعد نهاية جائحة "كوفيد 19" التي تعرقل النشاط الاقتصادي العالمي.

وفي يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، قالت منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية إن أثرى 26 شخصاً في العالم يملكون من الثروة ما يعادل ثروة نصف سكان العالم من ذوي الدخول المحدودة. وتشير بيانات فوربس إلى أن كبار الأثرياء يملكون نحو 8.7 تريليونات دولار.

وتستخدم الحكومات والبنوك المركزية في ضخ الأموال في جيوب الأثرياء وتوسيع الفجوة في الدخول ذات الحجة التي سبق أن استخدمتها في عام أزمة المال، ألا وهي إنقاذ الاقتصادات من الإفلاس. وهي حجة صحيحة في ظاهرها، ولكنها ربما تكون مدمرة للنسيج الاجتماعي والسياسي، من حيث الأدوات التي تستخدمها والشريحة التي تختارها للدعم المالي.

وكما أدت عمليات التحفيز النقدي في أعقاب أزمة المال في عام 2008 إلى طفرة في ثروة المليارديرات، من المتوقع أن تقود أزمة "كوفيد 19" التي ضخت بموجبها المصارف المركزية العالمية والحكومات قرابة 12 تريليون دولار إلى مزيد من الاتساع في توزيع الثروة والفوارق الطبقية.

ولا يستبعد محللون أن تقود هذه الأزمة عند انقشاعها إلى ظهور طبقة مليارديرات جدد وربما زيادة كبيرة جداً بحجم أصول الأثرياء في العالم.

ومن المتوقع ان تواصل التريليونات التي ضختها البنوك المركزية في الشركات والمصارف دورها في احتكار السوق وتحديد مجريات السياسة. وبالتالي تتكرر نفس الفجوة في الدخول التي نشأت بعد أزمة المال في العالم ونشأت معها الحركات الشعبوية وهددت النظم الرأسمالية في أوروبا.

لكن المخاوف هذه المرة أن تتحول الشعبوية في أميركا إلى تطرف سياسي واجتماعي وتمييزعرقي يقود إلى تمزّق في النسيج الاجتماعي.
دلالات