لم تنجح تونس في إحداث فارق حقيقي في الملف الليبي على الرغم من حيادها واحترام مختلف الأفرقاء لها واقتناعهم بألا أجندات لها في ليبيا سوى إنهاء الصراع. وفشلت مقاربة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في بحث حل تونسي جزائري مصري، بسبب تورط مصر مباشرة في الصراع الليبي ودعمها المعروف للواء المتقاعد خليفة حفتر. لكن هذا الموقف التونسي يبقى الأسلم بنظر كثيرين لأنه يُبقي تونس بعد انتهاء الأزمة على مسافة واحدة من الجميع وقادرة على احتضان ترتيبات الحل الأخيرة. وأمام هذا الوضع طرحت التساؤلات نفسها حول المقاربة التونسية للحل الليبي مع الإدارة الجديدة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة. ومنذ أسبوع، استقبل الرئيس التونسي الجديد، قيس سعيّد، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري.
وعبّر سعيّد عن أسفه لتواصل إراقة الدم الليبي وقلقه من استمرار الأوضاع على ما هي عليه، نظراً لتأثيرها المباشر على الوضع في تونس وتداعياتها الخطيرة على الاستقرار في كامل المنطقة، مؤكداً على ثوابت الموقف التونسي من المسألة الليبية وتمسكه بالشرعية الدولية لإيجاد تسوية سياسية شاملة تخدم مصلحة الشعب الليبي وتحافظ على سيادته ووحدة أراضيه وتعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد. وشدّد على أنّ الحلّ يجب أن يكون نابعاً من إرادة الليبيين أنفسهم وبعيداً عن أيّ ضغوطات وبإرادة ليبية خالصة. وأكد سعيّد على التزام تونس بالعمل من أجل أن تكون قوة اقتراح وطرفاً مساهماً في إيجاد حلول ناجعة وفاعلة للأزمة الليبية، مبرزاً أنّ أمن ليبيا من أمن تونس وأنّ ما يسعد ليبيا يسعد تونس.
ولم تحتج تونس علناً على هذا الإقصاء حتى الآن، في حين أبلغ وزير الشؤون الخارجية التونسي السابق خميس الجهيناوي، نظيره الألماني بأهمية حضور بلاده مؤتمر برلين حول ليبيا، مؤكداً أن مشاركتها ضرورية في أي مسار هادف إلى إيجاد حلّ للأزمة. في المقابل، عبّر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو عن قلق بلاده إزاء عدم دعوة الجزائر وتونس لمؤتمر برلين، معتبراً أنهما الدولتان الأكثر تأثراً بالوضع في ليبيا. وقال دي مايو خلال جلسة لمجلس الشيوخ الإيطالي، إن غياب تونس والجزائر بمثابة فرصة ضائعة، لأهميتهما على صعيد مكافحة الإرهاب، فضلاً عن كونهما تفهمان دوافع إيطاليا في الملف الليبي أكثر بكثير من شركائها الآخرين.
من جهته، كشف المحلل منصف وناس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ التعامل مع الملف الليبي دقيق والسياسة الخارجية والدبلوماسية التي ستعمل على هذا الملف لا بدّ أن تكون قوية، موضحاً أن سعيّد لا يمكنه العمل بمفرده، بل بالتعاون والتنسيق مع دول عدة، كالجزائر ومصر وتشاد والنيجر، لأن الأزمة متشعّبة ومركّبة وتضم أطرافاً أجنبية. بالتالي لا بدّ من تحالف صادق وراغب في حلحلة الأزمة. وأكد وناس أن دول مصر وفرنسا والإمارات تراهن مثلاً على سيطرة حفتر عسكرياً لتمهيد الطريق لرئيس جديد، ما سيؤدي إلى المزيد من المشاكل. واعتبر أن الوضع الحالي في ليبيا اليوم معقّد جداً وصعب، فلا ماء ولا رواتب ولا سيولة مالية، وتونس لوحدها لا تقدر على فعل أي شيء في ظل معطيات صعبة ميدانية.
وأضاف أنّ سياسة السبسي في التعامل مع الملف الليبي لم تكن قوية لإعلان موقف واضح، ولم تكن بالنسق المطلوب أو قرار ذي إرادة لحل الأزمة، بل اقتصرت على مسايرة الوضع وعقد بعض الاجتماعات. وهو ما جعل الوضع يبقى كما هو، مشيراً إلى أنه لا بد من موقف قوي ومن رؤية أكثر واقعية، خصوصاً أن هناك اليوم لاعباً جديداً، وهو روسيا، التي يمكن من خلالها تحريك الملف وحلحلة الأزمة والتنسيق معها.