وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعليمات مشددة إلى السلطات الأمنية والقضائية، لعدم فتح أي تحقيقات في الفساد تتأسس على نص رسائل تبليغ مجهولة، للحد من "الفوبيا" التي انتابت المسؤولين في الفترة الأخيرة.
ونشرت الرئاسة الجزائرية، اليوم الجمعة، نص التوجيه الذي وجهه الرئيس إلى وزير العدل وأعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة الأمنية، المشرفين على التحقيقات والإجراءات الأولية والقضائية، تتضمن وقف أي اعتماد على رسائل التبليغ المجهولة (عن الفساد) من الآن فصاعدا، كونها لا تمثل "بأي حال من الأحوال دليلا قطعيا لنسب وقائع تكتسي صفة الجريمة أو الجنحة" ضد المسؤولين.
واستند الرئيس تبون في إصدار هذه التعليمات إلى خلاصة تقارير واردة إلى رئاسة الجمهورية، تبين أن "عددا من إطارات الدولة والمسؤولين على مختلف المستويات تمت متابعتهم قضائيا بناء على مجرد رسائل مجهولة، غالبا ما كانت عارية من الصحة، تم توجيهها إلى مختلف الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة؛ وقد أدّى ذلك إلى حرمان عدد من هؤلاء الإطارات من حريتهم، وخلّف حالة من الشلل في نشاطات الإدارات والمؤسسات العمومية، بسبب الخوف والخشية من الوقوع تحت طائلة المتابعة بناء على مجرد رسائل مجهولة"، مشيرا إلى أن الخوف من الرسائل المجهولة "دفع بالعديد من المسؤولين الآخرين إلى أن أصبحوا يقتصرون على الحد الأدنى من التزاماتهم، ويمتنعون عن أي مبادرة، مما أسفر عن تأجيل معالجة ملفات هامة، تكتسي أحيانا الطابع الاستعجالي إلى تواريخ لاحقة، متسببة في إلحاق أضرار بليغة بسير هذه المؤسسات".
وشدد التوجيه الرئاسي على أنه يتعين على الأجهزة الأمنية والقضاء الذي يتولى معالجة القضايا "التمييز بين أخطاء التسيير الناجمة عن سوء في التقدير، وبين التصرفات العمدية التي لا تخدم سوى القائمين بها أو أطراف أخرى تحركها نوايا سيئة، والإدارة القضائية تمتلك للقيام بذلك كل الوسائل القانونية لإجراء التحريات اللازمة في هذا الشأن".
تقارير واردة إلى رئاسة الجمهورية أكدت أن عددا من إطارات الدولة والمسؤولين على مختلف المستويات تمت متابعتهم قضائيا بناء على مجرد رسائل مجهولة، غالبا ما كانت عارية من الصحة، تم توجيهها إلى مختلف الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة؛ وقد أدّى ذلك إلى حرمان عدد من هؤلاء الإطارات من حريتهم، وخلّف حالة من الشلل في نشاطات الإدارات والمؤسسات العمومية
وأكد التوجيه أنه بمجرّد تلقّي هذه التعليمات "التمييز بين الأعمال الناجمة، رغم طابعها المدان، عن عدم الكفاءة أو سوء التقدير، والتي لا تنمّ عن أي نية أو إرادة في الفساد الإيجابي أو السلبي، ولا تجلب أي امتياز لشخص العون غير الكفء، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا لعائلته أو أصدقائه أو معارفه. إنّ هذه الأفعال ستعاقب بشكل صارم على المستوى الإداري"، من جهة، وبين "الأفعال التي خلفت خسائر اقتصادية ومالية للدولة بهدف منح امتيازات غير مستحقة للغير، منتهكة القوانين والتنظيمات، ودون أي استشارة مكتوبة للسلطة السلمية. في هذا الإطار، فإن الشكّ مسموح به، ووجب توجيه التحقيق نحو البحث عن الأدلة الملموسة التي تفضح الفساد السلبي أو الإيجابي".
ووجهت التعليمات الرئاسية "كل شخص يحوز معلومات حول الفساد مدعو إلى التقرب من السلطات المؤهلة، وفقا للإجراءات المعمول بها، أو إن تعذر ذلك التوجه صراحة إلى وسائل الإعلام التي يكرس الدستور حريتها"، على أن يتم قبول أية "مساعدة يقدمها المواطن، مباشرة أو عبر وسائل الإعلام، مقرونة بالأدلة الضرورية، يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار خلال التحقيقات المحتملة"، مع توفير الحماية للمبلغين، إذ "من البديهي أن واجب الدولة في هذه الحالة، هو حماية المواطن ضد كافة أشكال الانتقام".
ولفتت التعليمات، التي شدد الرئيس تبون على التقيد والتنفيذ الصارم لها، إلى أنه "إذا كانت مكافحة الفساد أمرا ضروريا ولا رجعة فيه، فإن ذلك لا ينبغي أن يأخذ مهما كان الأمر، مجرى حملة للمساس باستقرار وسائل إنجاز وتجسيد مهام الدولة ومختلف هياكلها التنفيذية"، لكون أن "الشائعات التي غالبا ما يُروّج لها أصحاب المال الفاسد تُغذّي هذا الجو العكِر، وغايتهم المساس، بأي ثمن كان، باستقرار الدولة وهياكلها والإفلات من مصيرهم المحتوم".
وفي 12 أغسطس/ آب الماضي، كان الرئيس الجزائري قد أعلن، خلال اجتماع الحكومة بحكام الولايات، عن حظر الاعتداد بأي تبليغ مجهول عن الفساد في أي تحري عن قضايا الفساد أو توجيه اتهامات لمسؤولين دون وجود أدلة جدية تدينهم، في خطوة تزيل عقبة وهواجس كانت تحيط بالمسؤولين والمسيرين للإدارات الرسمية والمؤسسات العمومية، ووجه حينها المواطنين والمبلغين عن الفساد إلى العدالة والصحافة.