كشفت مصادر قضائية في المحكمة الدستورية العليا عن مخالفة النص التشريعي الذي عرضته رئاسة الجمهورية على المحكمة الدستورية العليا لتقليص مواعيد الطعن على نصوص قانون الانتخابات الرئاسية أمام المحكمة، عن مخالفته لحكم سابق أصدرته المحكمة واشترك في إصداره الرئيس المؤقت عدلي منصور.
وأوضحت المصادر أن هذه المخالفة تتمثل في أن النص المعروض الذي تحفظت عليه الجمعية العامة للمحكمة في اجتماعها، أول من أمس، يوجب على المحكمة "الفصل خلال 10 أيام فقط في الطعن الذي تحيله إحدى المحاكم أو تصرح محكمة لأحد المدعين بإقامته أمام المحكمة الدستورية العليا، وذلك دون عرض الطعن على هيئة المفوضين".
وهذا النص الجديد سيضاف إلى نص المادة السابعة من قانون الانتخابات الرئاسية إذا استقرت دراسة الرئاسة ومجلس الوزراء للقانون على عدم تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية، ويهدف ذلك - بحسب تصريحات خاصة للمستشار علي عوض صالح، المستشار الدستوري للرئيس - إلى تخطي مرحلة تحضير الدعوى الدستورية التي تستغرق 45 يوماً قبل إحالتها إلى هيئة المفوضين، ثم إعداد الهيئة تقريراً بالرأي القانوني في الدعوى، ثم إحالتها إلى المحكمة للفصل فيها دون حد أقصى لفترة المداولة قبل إصدار الحكم.
وقد سبق للمحكمة أن أصدرت في 18 فبراير/شباط 2013 قرارها بإعمال الرقابة السابقة على مشروع قانون مجلس الشعب، الذي أعده مجلس الشورى السابق، وقضت ببطلان أن توجب السلطة التشريعية على جهة قضائية معيّنة أن تفصل في موضوع دعوى دون العرض على هيئة المفوضين، باعتبار هذا الإلزام التشريعي يتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات.
صدر هذا القرار برئاسة المستشار ماهر البحيري، رئيس المحكمة السابق، بعضوية الرئيس المؤقت الحالي المستشار عدلي منصور، والمستشار أنور العاصي، رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية والقائم بأعمال رئيس المحكمة حالياً، والمستشار عبدالوهاب عبدالرازق، عضو لجنة الانتخابات الرئاسية، والمستشارين د.حنفي جبالي، ومحمد الشناوي وماهر سامي، نواب رئيس المحكمة.
وقالت المحكمة في حيثيات قرارها الذي له حجية أحكامها القضائية النهائية، إن "الفقرة الأولى من المادة التاسعة مكرراً "ب" تنص على أن "يكون الطعن على القرار الصادر من اللجنة المنصوص عليها فى المادة الثامنة من هذا القانون أمام محكمة القضاء الإداري خلال سبعة أيام ، تبدأ من تاريخ قفل باب الترشح بالنسبة للمرشح أو الحزب أو ممثل القائمة، وعلى المحكمة أن تفصـل في الطعن، دون عرضه على هيئة المفوضين، خـلال سبعة أيام على الأكثر".
وأكدت المحكمة أن "اشتراط أن يكون الفصل في الطعن دون عرضه على هيئة المفوضين يعد تدخلاً في أعمال جهة القضاء الإداري واعتداءً على استقلالها على النحو الذى نصت عليه المادة 174 من دستور 2012، حيث قد ترى هذه الجهة عند نظر الطعن إحالته إلى هيئة المفوضين مع التقيد بالحد الزمنى الذى وضعه النص وهو سبعة أيام للفصل في الطعن المعروض عليها".
حل عملي
وأوضحت المصادر القضائية أن "هناك حلاً عملياً لهذه المشكلة بأن يفتح النص الباب لتداول الطعن في هيئة المفوضين ثم المحكمة خلال الفترة الزمنية ذاتها، مع الوضع في الاعتبار أسبقية عرض الدعوى على هيئة المفوضين، أو أن يترك للمحكمة حرية وضع مدد زمنية محدودة لتبادل الخصوم المذكرات لتحضير الدعوى قبل إحالتها للمفوضين".
وأضافت المصادر أن "هناك عدة سوابق تاريخية مهمة أبدت فيها هيئة مفوضي المحكمة مراعاتها الشديدة لضيق الوقت حيث أصدرت تقاريرها خلال أيام معدودة، وعلى رأسها قضية استبعاد المرشح الرئاسي أحمد شفيق من الانتخابات الرئاسية الماضية قبل مرحلة الإعادة بأيام معدودة" لكنها لفتت النظر إلى أن "أي مواعيد يتضمنها النص التشريعي دون ترتيب إجراء على مخالفتها، فهي مواعيد تنظيمية تهدف للحث والتسريع، وليس في تجاوزها أي مخالفة دستورية".
وأشارت المصادر إلى أن الرئاسة إذا أخذت في نهاية المطاف برأي الأمانة العامة للجنة الانتخابات الرئاسية بتحصين قرارات اللجنة والنتيجة النهائية، فلن تكون هناك حاجة لإضافة هذا النص الاستثنائي.
ويثير هذا الجدل حول اشتراط عدم العرض على "المفوضين" تساؤلات مماثلة حول النص الذي اقترحه قسم التشريع في مجلس الدولة، ووافقت عليه إدارة المجلس رسمياً، أول من أمس، والذي يسمح بالطعن على قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية خلال يومين من صدورها أمام المحكمة الإدارية العليا، والفصل فيها خلال 7 أيام، دون العرض على هيئة المفوضين أيضاً.
إلّا أن مصادر قضائية في مجلس الدولة أكدت أن النص الخاص بالإدارية العليا ليس فيه أي شبهة مخالفة لحكم الدستورية السابق ذكره "لأن هذا التنظيم الاستثنائي للطعن مقترح من قبل مجلس الدولة ذاته، وبالتالي فلم تتدخل أي سلطة في عمل المجلس أو إدارته لإجراءات التقاضي أمامه".
بين الإحالة والعرض
وأكدت المصادر أن هناك فارقاً بين عبارتي "العرض على المفوضين" و"الإحالة للمفوضين" لأن الأولى تقتضي عدم عرض الدعوى على الهيئة بأي وسيلة أو موعد سواء قبل أو خلال نظرها، بينما تقتضي الثانية الحكم بصورة مستعجلة في الدعوى دون إحالتها للهيئة مع إمكانية أخذ رأي مفوض الدولة خلال نظرها سواء بإعطائه فرصة محدودة لكتابة الرأي أو الإدلاء به شفهياً في الجلسة، وهما وسيلتان اعتادت محاكم المجلس تنفيذهما في الدعاوى التي تقتضي العجلة مثل دعاوى الانتخابات.
وأكدت المصادر أن قسم التشريع لم يُبد أي رأي في النص الذي اقترحته الرئاسة بشأن المحكمة الدستورية العليا، التزاماً بنص المادة 185 من الدستور التي تلزم أخذ رأي كل جهة قضائية في التعديلات التشريعية الخاصة بها.
وشددت على أن رؤية القسم هي أن هناك اعتبارات دستورية تقتضي عدم تحصين قرارات اللجنة على رأسها عدم وجود سند دستوري للتحصين وإتاحة الطعن على قرارات مفوضية الانتخابات المزمع إنشاؤها بالنسبة إلى كل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، مما يؤكد من وجهة نظرها "اتجاه المشرع الدستوري لإلغاء التحصين الذي كان منصوصاً عليه كلياً في إعلان 30 مارس 2011 وكان يقتصر على النتيجة النهائية في دستور 2012".