بعد طول انتظار، أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، اليوم الجمعة، بعض قراراته "القوية" التي وعد بها أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.
وجاءت قرارات هادي لتطيح بوزير الداخلية في حكومة الوفاق، اللواء عبد القادر قحطان، ورئيس جهاز الأمن السياسي (أحد فرعين للاستخبارات اليمنية)، اللواء غالب مطهر القمش، الذي مر على تعيينه في المنصب 3 عقود تقريباً، في حين لم يمر على تعيين قحطان في حقيبة الداخلية سوى عامين. أما وزير الداخلية الجديد، اللواء عبده حسين الترب، فانشق عن صالح وانضم إلى الثورة المنادية برحيله. وعين عقب رحيل صالح قائداً لشرطة المنشآت.
وكان لافتاً حضور ابناء صالح لتهنئة الترب في زفاف نجليه قبل أشهر، مما فسره مهتمون أن صالح يعرف أن الترب من الشخصيات الأمنية التي تحظى بشعبية واسعة في قطاع الأمن، ولم يعرف عنه انتماء حزبي أو جهوي. وبالتالي لا يريد استعداء الترب، عكس سلفه قحطان.
ويأتي عزل قحطان، من حقيبة الداخلية المحسوب على التجمع اليمني للاصلاح (جماعة الاخوان المسلمين) وشقيق أحد كبار قادة الحزب محمد قحطان، بعد مطالبات واسعة بعزله بسبب تردي الاوضاع الامنية وعدم قدرة سلطات الامن على ضبط مخربي المصالح العامة. وركز منتقدو قحطان حديثهم على ضعف شخصيته الادارية وعدم قدرته على صنع التفاف حقيقي حوله من قبل القيادات الامنية كافة، فضلاً عن كونه محسوباً على الاصلاح الذي أتى من ضمن حصته في حكومة الوفاق الوطني، بعد أن شكلت مناصفة بين المؤتمر الشعبي وحلفائه والمعارضة وبشكل خاص أحزاب اللقاء المشترك.
وفي حين أثار توقيت اقالة قحطان تساؤلات عديدة وربطه البعض بالتوجهات السعودية الأخيرة وتصنيفها الاخوان كجماعة ارهابية، علمت "العربي الجديد" من مصادر مؤكدة في الحكومة اليمنية أن قرار عزل قحطان كان جاهزاً منذ أسبوعين على الاقل، ولا علاقة له بإرضاء التوجهات السعودية أو غيرها،
وإن كانت اقالة وزير الداخلية من أكثر القرارات التي كان ينتظرها اليمنيون، فشكلت اقالة رئيس جهاز الأمن السياسي في هذا التوقيت ضربة اضافية لمعسكر صالح.
ويعتبر اللواء القمش بمثابة الصندوق الاسود لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إذ كان الأمن السياسي هو جهاز الاستخبارات الوحيد في اليمن قبل أن يتم انشاء جهاز آخر سمي "الأمن القومي" في عام 2003 على هامش الحرب العالمية ضد الارهاب وبدعم فني أمريكي.
كما يعد القمش أحد أهم القادة في جهاز الاستخبارات اليمنية وهو منتم إلى قبيلة حاشد، وشغل منصب وزير الداخلية في أول تشكيل حكومي بعد قيام الوحدة ثم عاد مجددا لترؤس جهاز الاستخبارات.
اثناء الثورة الشبابية المنادية برحيل صالح، لعب اللواء القمش دور الوساطة بين صالح والمستشار الرئاسي حالياً، علي محسن الأحمر، الذي انشق عن الرئيس اليمني إبان الثورة الشبابية مع جنوده في الفرقة اولى مدرع، التي كان يتولى قيادتها. كذلك لعب القمش دور الوسيط بين صالح وبيت الاحمر واصيب منزل الشيخ الاحمر بأكثر من صاروخ من قوات صالح اثناء تواجد القمش فيه ووسطاء آخرين.
ويقول متابعون انه منذ اتجاه صالح إلى التوريث، عمد إلى تقوية الامن القومي على حساب الامن السياسي، وسحب بعض صلاحياته ومنها مهام التنصت على السياسيين والدبلوماسيين والتفتيش في المطارات، وذلك بغرض ايجاد جهاز أمني خالص الولاء له ولنجله أحمد علي صالح من بعده.
وتكوّن جهاز الأمن السياسي بعد قيام الوحدة اليمنية 1990، بتجربة مماثلة لجهاز الاستخبارات الالماني الحالي، اذ هو حاصل دمج جهازي استخبارات كان كلٌّ منهما تابعاً لمنظومة مختلفة إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وبالتالي هو جهاز متنوع الخبرة، يتمتع بكادر بشري كبير، وشاع أن حرفية بعض منتسبيه وصلت إلى أن بعضهم يمكن أن يقوم بمهام بلا تكليف فوقي، أو يرفض مهامَّ بتكليفات فوقية. وحصل منتسبوه على نصيب الأسد من الاغتيالات الغامضة، التي طالت منذ أكثر من عامين ضباطاً في الأمن والجيش. وتعد الاغتيالات سبباً رئيسياً في ازدياد السخط الشعبي على حكومة الوفاق الوطني.
وبعد تفجير المدمرة الأميركية، "يو اس اس كول"، قبالة ساحل عدن في اكتوبر/تشرين الأول 2000، بدأ تعاون يمني أمريكي لمحاربة الارهاب. واشتكى الأمريكيون من ان الامن السياسي لا يعطيهم المعلومات المطلوبة منه كافة. ومنها، كما قيل، بيانات السياسيين اليمنيين، فتم تأسيس فرعين لمكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي آي" في صنعاء وعدن، ولكنهما لقيا صعوبات ميدانية فتم التوجه إلى دعم انشاء جهاز يمني ثان مخصص لمكافحة الارهاب وعليه تم تأسيس الامن القومي.
وبطيِّ صفحة القمش، يمكن القول إن هوية ما للاستخبارات اليمنية تم تغييرها، بانتظار تشكل هوية جديدة على يد القيادة الجديدة المعيّنة، اذ أن خليفة القمش في الأمن السياسي، اللواء جلال الرويشان، شغل منصب وكيل الأمن القومي وأحد ضباط الامن السياسي السابقين. وهو ما يؤشر إلى نية هادي في إجراء دمج غير معلن للجهازين عن طريق نقل القيادات من جهاز لآخر.
وعرف عن اللواء الرويشان أنه كادر أمني ولاؤه للمهنة أكثر من أي ولاء حزبي أو جهوي، والقرارات الصادرة اليوم على أهميتها ليست الأولى لهادي منذ توليه السلطة، اذ سبق أن عزل رئيس جهاز الامن القومي، علي الانسي، ووكيل الجهاز ونجل شقيق صالح، عمار صالح. وقام في حينه بتعيين محافظ شبوة السابق، علي حسن الاحمدي، خلفا للانسي في حين ظل القمش في منصبه دون تغيير رغم مطالبات عديدة بعزله، خصوصا مع الفشل الامني في الحيلولة دون هجمات القاعدة على منشآت سيادية. كما أقال هادي نجل أحمد علي عبدالله صالح من قيادة الحرس الجمهوري وعيّنه سفيراً لدى الامارات. كما أقال اللواء علي محسن الأحمر من قيادة الفرقة الأولى مدرع وعينه مستشاراً رئاسياً، لكن الأخير لا يزال يتمتع بنفوذ قوي داخل الجيش.
وينظر اليمنيون بأمل كبير في أن تحدث التغييرات الجديدة تحسناً ملموساً في الأوضاع الأمنية سواء ذات الطابع اليومي الجنائي، أو تلك المتعلقة بأبعاد سياسية ودولية كمواجهة تنظيم القاعدة الذي ينشط في اليمن.