في قرية بوبا، وسط الصحراء، معظم المنازل مشيدة من القش والخيش، من دون تنظيم. ومع ذلك، هنالك عدد قليل جداً من المنازل مشيد بالطوب، ومتعدد الطوابق.
القرية يسكنها المرازيق، وهم بطن من قبيلة الرشايدة العربية. ومع الدخول إليها للمرة الأولى، يحسبها الزائر مهجورة، خصوصاً مع الحرارة المرتفعة، وغياب أيّ أشجار. ويتساءل كيف يمكن لأيّ شخص العيش هنا عرضة للأمراض المرتبطة بالحر، خصوصاً مع غياب أي أدوات تبريد.
تفضل قبيلة الرشايدة عموماً حياة البداوة، وسط الصحراء. فقد اعتادت التنقل من منطقة إلى أخرى لعملها في الرعي. وتحمل مع كلّ نقلة خيامها- منازلها معها.
الرشايدة في الأصل من العرب البدو، لجأوا إلى السودان قبل أكثر من مائتي عام من الحجاز، بحثا عن الماء والغذاء. واليوم هم أكبر مصدر للماشية في السودان. ومعروفون بإبلهم، فهم يمتلكون ثروة هائلة منها. وتجد إبل الرشايدة رواجاً كبيراً في أسواق مصر، بالرغم من سعرها المرتفع، مع تميزها بالأصالة.
تمثل الإبل لدى الرشايدة مظهراً اجتماعياً يحدد مدى غنى أو فقر أحدهم، بصرف النظر عمّا يملك من مال، لا قيمة له عندهم. فمن يملك العقارات والأموال من دون أن يملك الإبل يعتبرونه من الفقراء.
وبالرغم من وجودها القديم في السودان، إلا أن تلك القبيلة ظلت تحتفظ بالعادات والتقاليد العربية القديمة، وظلت منغلقة على نفسها حتى الأعوام القليلة الماضية. وفيها انفتحت على المجتمع السوداني.
تحتفظ القبيلة، خصوصاً كبار السن، باللهجة الحجازية. كما يتمسك أفرادها بالزي العربي التقليدي. ويصعب أن تجد إحدى نساء الرشايدة في البدو والقرى ترتدي الزي السوداني القومي "الثوب"، إنما يرتدين عادة البرقع المرصع بالصدف، وعادة ما يكون مخملياً وبألوان زاهية يغلب عليها الأحمر.
تعتمد القبيلة نظام الفصل بين الجنسين. كما يمنع على المرأة نهائياً كشف وجهها إلاّ أمام زوجها في المنزل. كما ليس للفتاة الحق في اختيار زوجها أو رفض من تختاره لها عائلتها.
يرفض الرشايدة مصاهرة القبائل السودانية الأخرى، وإن بدأت تلك التقاليد تتراجع تدريجياً مع اندماج عدد منهم في المجتمع السوداني العريض. وهو ما لا يلقى الاستحسان لديهم.
عند مدخل بوبا منزل عمدة المرازيق، سلمان علي بنية، الذي يعد من رجال الأعمال الكبار في تصدير الماشية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يصدّر يومياً بين 5 آلاف و6 آلاف رأس ماشية خارج البلاد. إلا أن الناظر إلى منزل الرجل يجد أنه بسيط في كل شيء، ويكاد المرء يجزم بأن صاحبه بالكاد يستطيع أن يوفر لقمة العيش.
في المقابل، يرى كثيرون أنّ الرشايدة يرفضون الاندماج في المجتمع، ويختارون أماكن بعيدة عن المدن للسكن بسبب طبيعة عملهم. ويقول هؤلاء إنّ تلك المناطق تمثل ملاذاً آمناً لتجارة السلاح التي يتهم الرشايدة بالضلوع فيها.
لكن بنية المشهور بلقب "بوبا"، ينفي تماماً مثل هذه الاتهامات، ويعتبرها شائعات وافتراءات على قبيلة الرشايدة. ويقول: "اختيارنا للمكان لم يكن برغبتنا. لكن أهل القرية لا يملكون المال الكافي لشراء سكن داخل المدينة مع غلاء أسعارها". ويؤكد أنّ القبيلة تنأى بنفسها تماما عن الدخول في تجارة وتهريب البشر أو السلاح. ويشدد على أنّها ناشطة فقط في تصدير المواشي وبالطرق الرسمية.
وفي هذا الخصوص، يقول إنّ شرق السودان يضمّ 25 تاجر مواشٍ، كلهم من الرشايدة. ويضيف: "نحن أكبر مصدّر للمواشي في كلّ السودان، ومحرك اقتصاده". ويسأل: "إذاً لماذا نلجأ إلى مثل ذلك النوع من التجارة الذي يعرّضنا للمخاطر والإهانة والملاحقة؟".
ومع ذلك، يعترف "بوبا" بوجود "عمليات تهريب وسط شريحة بسيطة وضعيفة، لكن ليس تهريب بشر أو سلاح وإنما تهريب مواد استهلاكية بكميات بسيطة إلى إريتريا". ويوضح: "دائماً ما يلجأ إلى تلك العمليات من يزورون أهلهم على الحدود، وذلك لتوفير تكلفة الطريق والطعام لا غير".
لكنّ "العربي الجديد" التقت بتاجر سلاح صغير ينتمي إلى قبيلة الرشايدة. يقول بنوع من الحماس: "لا نتاجر بالبشر فهو محرّم، لكننا نتاجر في السلاح. ولا نبيعه للمجرمين، بل للفلسطينيين ليحاربوا به إسرائيل".
يشار إلى أنّ القبيلة التي يتفرع منها 65 بطناً، تمتد من الحدود الشمالية الشرقية مع مصر، إلى الحدود الشرقية مع إريتريا. وتنتشر في الصحراء. وما زال نحو 70 في المائة من أبنائها يعتمدون البداوة كأسلوب لحياتهم. وتحلّ القبيلة نزاعاتها بنفسها، باستثناء حالات القتل التي تحوّل إلى السلطات المختصة. ويلتزم أهل القاتل بعدم تعيين أيّ محامٍ للدفاع عن ابنهم أو زيارته في الحبس. وفي حال تطبيق تلك الشروط يلجأ شيوخ القبيلة إلى الصلح.
القرية يسكنها المرازيق، وهم بطن من قبيلة الرشايدة العربية. ومع الدخول إليها للمرة الأولى، يحسبها الزائر مهجورة، خصوصاً مع الحرارة المرتفعة، وغياب أيّ أشجار. ويتساءل كيف يمكن لأيّ شخص العيش هنا عرضة للأمراض المرتبطة بالحر، خصوصاً مع غياب أي أدوات تبريد.
تفضل قبيلة الرشايدة عموماً حياة البداوة، وسط الصحراء. فقد اعتادت التنقل من منطقة إلى أخرى لعملها في الرعي. وتحمل مع كلّ نقلة خيامها- منازلها معها.
الرشايدة في الأصل من العرب البدو، لجأوا إلى السودان قبل أكثر من مائتي عام من الحجاز، بحثا عن الماء والغذاء. واليوم هم أكبر مصدر للماشية في السودان. ومعروفون بإبلهم، فهم يمتلكون ثروة هائلة منها. وتجد إبل الرشايدة رواجاً كبيراً في أسواق مصر، بالرغم من سعرها المرتفع، مع تميزها بالأصالة.
تمثل الإبل لدى الرشايدة مظهراً اجتماعياً يحدد مدى غنى أو فقر أحدهم، بصرف النظر عمّا يملك من مال، لا قيمة له عندهم. فمن يملك العقارات والأموال من دون أن يملك الإبل يعتبرونه من الفقراء.
وبالرغم من وجودها القديم في السودان، إلا أن تلك القبيلة ظلت تحتفظ بالعادات والتقاليد العربية القديمة، وظلت منغلقة على نفسها حتى الأعوام القليلة الماضية. وفيها انفتحت على المجتمع السوداني.
تحتفظ القبيلة، خصوصاً كبار السن، باللهجة الحجازية. كما يتمسك أفرادها بالزي العربي التقليدي. ويصعب أن تجد إحدى نساء الرشايدة في البدو والقرى ترتدي الزي السوداني القومي "الثوب"، إنما يرتدين عادة البرقع المرصع بالصدف، وعادة ما يكون مخملياً وبألوان زاهية يغلب عليها الأحمر.
تعتمد القبيلة نظام الفصل بين الجنسين. كما يمنع على المرأة نهائياً كشف وجهها إلاّ أمام زوجها في المنزل. كما ليس للفتاة الحق في اختيار زوجها أو رفض من تختاره لها عائلتها.
يرفض الرشايدة مصاهرة القبائل السودانية الأخرى، وإن بدأت تلك التقاليد تتراجع تدريجياً مع اندماج عدد منهم في المجتمع السوداني العريض. وهو ما لا يلقى الاستحسان لديهم.
عند مدخل بوبا منزل عمدة المرازيق، سلمان علي بنية، الذي يعد من رجال الأعمال الكبار في تصدير الماشية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يصدّر يومياً بين 5 آلاف و6 آلاف رأس ماشية خارج البلاد. إلا أن الناظر إلى منزل الرجل يجد أنه بسيط في كل شيء، ويكاد المرء يجزم بأن صاحبه بالكاد يستطيع أن يوفر لقمة العيش.
في المقابل، يرى كثيرون أنّ الرشايدة يرفضون الاندماج في المجتمع، ويختارون أماكن بعيدة عن المدن للسكن بسبب طبيعة عملهم. ويقول هؤلاء إنّ تلك المناطق تمثل ملاذاً آمناً لتجارة السلاح التي يتهم الرشايدة بالضلوع فيها.
لكن بنية المشهور بلقب "بوبا"، ينفي تماماً مثل هذه الاتهامات، ويعتبرها شائعات وافتراءات على قبيلة الرشايدة. ويقول: "اختيارنا للمكان لم يكن برغبتنا. لكن أهل القرية لا يملكون المال الكافي لشراء سكن داخل المدينة مع غلاء أسعارها". ويؤكد أنّ القبيلة تنأى بنفسها تماما عن الدخول في تجارة وتهريب البشر أو السلاح. ويشدد على أنّها ناشطة فقط في تصدير المواشي وبالطرق الرسمية.
وفي هذا الخصوص، يقول إنّ شرق السودان يضمّ 25 تاجر مواشٍ، كلهم من الرشايدة. ويضيف: "نحن أكبر مصدّر للمواشي في كلّ السودان، ومحرك اقتصاده". ويسأل: "إذاً لماذا نلجأ إلى مثل ذلك النوع من التجارة الذي يعرّضنا للمخاطر والإهانة والملاحقة؟".
ومع ذلك، يعترف "بوبا" بوجود "عمليات تهريب وسط شريحة بسيطة وضعيفة، لكن ليس تهريب بشر أو سلاح وإنما تهريب مواد استهلاكية بكميات بسيطة إلى إريتريا". ويوضح: "دائماً ما يلجأ إلى تلك العمليات من يزورون أهلهم على الحدود، وذلك لتوفير تكلفة الطريق والطعام لا غير".
لكنّ "العربي الجديد" التقت بتاجر سلاح صغير ينتمي إلى قبيلة الرشايدة. يقول بنوع من الحماس: "لا نتاجر بالبشر فهو محرّم، لكننا نتاجر في السلاح. ولا نبيعه للمجرمين، بل للفلسطينيين ليحاربوا به إسرائيل".
يشار إلى أنّ القبيلة التي يتفرع منها 65 بطناً، تمتد من الحدود الشمالية الشرقية مع مصر، إلى الحدود الشرقية مع إريتريا. وتنتشر في الصحراء. وما زال نحو 70 في المائة من أبنائها يعتمدون البداوة كأسلوب لحياتهم. وتحلّ القبيلة نزاعاتها بنفسها، باستثناء حالات القتل التي تحوّل إلى السلطات المختصة. ويلتزم أهل القاتل بعدم تعيين أيّ محامٍ للدفاع عن ابنهم أو زيارته في الحبس. وفي حال تطبيق تلك الشروط يلجأ شيوخ القبيلة إلى الصلح.