بدأ الحديث مبكراً عن الرشى الانتخابية في استحقاق انتخابات مجلس الشيوخ المصري، المقرر إجراؤها في الخارج اعتباراً من يوم غد الأحد، لا سيما في دوائر صعيد مصر، جنوبي البلاد، وسط دعوات واسعة لمقاطعة انتخابات الغرفة الثانية للبرلمان، كونها محسومة سلفاً لأعضاء ما يسمى بـ"القائمة الوطنية من أجل مصر"، والمشكلة بمعرفة الأجهزة الأمنية.
ووصل سعر شراء الصوت الانتخابي إلى 200 جنيه (الدولار يساوي 16 جنيهاً) في بعض مناطق الصعيد. ويرتفع هذا المبلغ في يوم الانتخاب إلى 300 جنيه، في ضوء صعوبة حسم الانتخابات على المقاعد الفردية من الجولة الأولى لارتفاع عدد المرشحين، مقارنة بمقاعد القائمة المغلقة، التي لم يترشح عليها سوى قائمة وحيدة محسوبة على النظام الحاكم، وتحتاج فقط إلى 5 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين لفوز كل أعضائها.
تضمّنت الدعاية توزيع أدوية الفيتامينات الخاصة بمرضى فيروس كورونا
واستغل المرشحون حاجة الفقراء إلى المال، من خلال توفير احتياجاتهم المعيشية قبيل إجراء الانتخابات بأيام قليلة، أملاً في التصويت لصالحهم، وعدم مقاطعة العملية الانتخابية، إذ تضمّنت الدعاية توزيع أدوية الفيتامينات الخاصة بمرضى فيروس كورونا، وتنظيم قوافل طبية للكشف بالمجان في قرى الصعيد.
ولجأ عدد من أنصار المرشحين إلى الدعاية بمكبرات الصوت عبر مركبات "توك توك" و"نصف نقل"، لحث المواطنين على الانتخاب في الانتخابات المقررة في الداخل يومي 11 و12 أغسطس/آب الحالي، فيما التقى مرشحون في محافظات الجنوب بمجموعة من عمد القرى، ومشايخها، وكبار العائلات، في إطار "التربيطات" (التفاهمات) المعروفة بين عائلات الصعيد مع كل انتخابات.
ومع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشيوخ، أطلقت أحزاب سياسية حملات توعية على مستوى الجمهورية، بدعم من أجهزة أمنية، لحشد الناخبين للمشاركة في العملية الانتخابية، في وقت عقد فيه بعض المرشحين مؤتمرات جماهيرية حاشدة، من دون اتخاذ إجراءات احترازية في مواجهة مخاطر تفشي فيروس كورونا بين الحاضرين.
وحسب مصدر قيادي في حزب "الغد" المصري، فإن أعضاء حزب "مستقبل وطن"، الذي يستحوذ على حصة حاكمة من المرشحين، سواء على النظام الفردي أو القائمة، غالبيتهم من المنتمين لنظام الرئيس الراحل حسني مبارك، ويمثلون امتداداً للنظام الذي ثار الشعب المصري ضده في 25 يناير/كانون الثاني 2011. وقال المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المال السياسي، والرشى الانتخابية، عادت بقوة في انتخابات مجلس الشيوخ المرتقبة، على غرار التحالف الحاصل بين قائمة من أجل مصر، وكثير من المرشحين على المقاعد الفردية"، مضيفاً أن "معظم المرشحين هم من رجال الأعمال على غرار أحمد أبو هشيمة، والمنتج محمد حلاوة، وطارق رسلان، وخالد الأسيوطي، ومحمود أبو سديرة". وأوضح أن "مجلس الشيوخ هو منصة للترضيات السياسية لأكبر عدد من الأشخاص الموالين للسلطة الحاكمة، في ظل تهميش صلاحيات المجلس الجديد، وعدم وجود نص دستوري مُلزم بعرض التشريعات عليه"، معتبراً إياه "مجلساً صورياً لا يملك أي صلاحيات حقيقية للمحاسبة أو الرقابة".
أطلقت أحزاب سياسية حملات توعية لحشد الناخبين للمشاركة في العملية الانتخابية
من جهته، قال عضو مجلس النواب مصطفى كمال الدين حسين إن "استخدام المال السياسي في العملية الانتخابية يمثل خطراً حقيقياً على البرلمان المصري"، مبيناً أن "التوسع في عمليات الرشى الانتخابية بات لا يقتصر على المرشحين وحدهم، بل وصل إلى أجهزة في الدولة، استغلالاً لحالة الفقر والعوز التي يعاني منها أغلب المصريين، بما يخلق برلماناً لا يعبّر عن إرادة الشعب في نهاية المطاف".
وكانت مصادر نيابية مصرية قد أفادت بأن "تكلفة إجراء انتخابات مجلس الشيوخ لن تقل عن 1.5 مليار جنيه، بسبب زيادة عدد لجان الانتخاب، وما سيرافقها من إجراءات احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا، تشمل توزيع الكمامات والمعقمات على جميع المشاركين في العملية الانتخابية، بكلفة تبلغ نحو 500 مليون جنيه في أدنى التقديرات". وقالت المصادر، في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن "بدلات القضاة والموظفين المسؤولين عن الإشراف على عملية التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ، وكذلك ضباط وأفراد الجيش والشرطة المنوط بهم تأمين اللجان من الخارج، ستستحوذ على حصة غالبة من التكلفة الإجمالية للانتخابات، خصوصاً أن الهيئة الوطنية للانتخابات قررت زيادة البدلات المالية لكل قاضٍ إلى 20 ألف جنيه، عن أيام الانتخاب والإعادة الأربعة". واعتمد البرلمان المصري 500 مليون جنيه إضافية في موازنته الجديدة لصالح موازنة مجلس الشيوخ، بدعوى أن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجديدة لم يتضمن موازنة خاصة بالمجلس، مع العلم أن كل المخصصات المالية للعاملين في مجلس الشورى السابق (الشيوخ حالياً) مدرجة في الأصل في موازنة مجلس النواب، والتي تضاعفت ثلاث مرات تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية. وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قانون مجلس الشيوخ في 2 يوليو/تموز الماضي، بحيث يكون مؤلفاً من 300 عضو، يُنتخب ثلثا أعضائه، ويُعين رئيس الجمهورية ثلثه الباقي، مع تخصيص ما لا يقل عن 10 في المائة من مقاعده للمرأة، ويؤخذ برأيه في مشاريع القوانين المكملة للدستور المُحالة إليه من مجلس النواب، أو رئيس الجمهورية، من دون أن يكون هذا الرأي ملزماً.