يعد نسيج السجاد من الصناعات التقليدية القديمة التي اشتهرت بها أفغانستان على مر التاريخ. وتنتشر مصانع السجاد اليدوي في كافة أرجاء هذه البلاد، ويشتغل فيها آلاف من الرجال والنساء والشباب والأطفال لينتجوا أجمل وأحسن السجاد. وفي حين يشتغل الآلاف في غزل السجاد داخل المصانع، يشتغل آلاف آخرون في عملية نسيج الخيوط من أنواع من الصوف، وصباغتها بأنواع مختلفة من الألوان.
محمد ظريف، البالغ من العمر 15 عاماً وأخوه محمد نويد الذي لم يتجاوز 12 ربيعاً، يشتغلان في أحد مصانع السجاد في ضواحي العاصمة الأفغانية كابول، مقابل 400 أفغانية يومياً (نحو 5 دولارات). ويقول ظريف لـ "العربي الجديد" إن العمل شاق ومتعب، ولكن لا مفر له من ذلك، إذ إن وضع أسرته المعيشية هشة، وإنها تعتمد كلياً على راتبه وأخيه. ويشتكي الولدان من سوء تعامل أصحاب المصانع، الذين يستغلون وضع الفقراء، ولا سيما الأطفال والمعوزين. ويتدخل محمد نويد ليقول إن "أصحاب المصانع يهمهم ربحهم الشخصي، وليس وضع العمال".
وتبدأ عملية غزل السجاد الشاقة والمتعبة بنسيج الخيوط من الصوف، وهي المادة الأساسية في هذه الصناعة، تعقبها عملية الصباغة بأنواع مختلفة من قشور الفواكه والخضار، ثم رسم خارطة السجاد على الورق، لتنتهي بغزل سجاد صُنف حديثاً أحسن سجاد يدوي في منطقة جنوب آسيا. من هنا يولي العالم على وجه العموم، ودول المنطقة على وجه الخصوص، اهتماماً بالغاً بالسجاد الأفغاني، حيث نُظم مؤخراً معرض للسجاد الأفغاني في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكما كان المعرض يهدف إلى إبراز أهمية السجاد الأفغاني، فهو كذلك كان محاولة لتسليط الضوء على معاناة المرأة الأفغانية، التي باتت ضحية للوضع الاقتصادي الهش، وخصوصاً اللواتي يشتغلن في مصانع السجاد اليدوي.
سارة، البالغة من العمر 13 عاماً، تدرس في الصباح، وفي المساء تتوجه نحو مصنع السجاد في مدينة جلال آباد شرق أفغانستان. وتشتكي سارة كغيرها من العاملات في المصانع من سوء تعامل أصحاب المصانع والتجار، واستغلالهم وضع العاملين والعاملات في المصانع، كما أنها تتهم الحكومة الأفغانية، التي وعدت مرات عديدة بتحسين وضع المرأة، بعدم المبالاة بوضع المرأة، خاصة العاملة في هذا القطاع.
وبينما يشتكي العاملون والعاملات في هذا المجال من استغلال أوضاعهم من قبل التجار وأصحاب المصانع، يشتكي التجار وأصحاب المصانع في المقابل من انخفاض تصدير السجاد بنسبة ثمانين في المائة. وهو ما أشارت إليه وزارة التجارة والصناعة في تقريرها الأخير، قائلة إن "تصدير السجاد الأفغاني قد انخفض خلال السنوات الست الأخيرة ثمانين في المائة"، مشددة على أن الحكومة تولي اهتماماً لازماً بهذا القطاع، الذي يشكل أحد أهم أعمدة الاقتصاد الأفغاني المتدهور.
ورغم ذلك كله تشير إحصائية أجرتها مؤسسات تعنى بحرفة السجاد إلى أن السجاد اليدوي الأفغاني قد تفوق على السجاد الإيراني، داخل المدن الأفغانية، وتقول الإحصائية إن "التجار في أسواق السجاد، بإقليم هرات الواقع على الحدود الإيرانية في غرب أفغانستان؛ والتي يتوافد إليها أعداد كبيرة من الزوار الأجانب، يؤكدون أن السجاد الأفغاني أصبح محط اهتمام الزوار الأجانب والأفغان على حد سواء".
وتعليقاً على الموضوع، يلمح عبد الرقيب، أحد التجار المحليين في إقليم هرات، إلى أن معظم الزوار الأجانب والأفغان يرغبون في شراء السجاد الأفغاني بدلاً من السجاد الإيراني، وهو على عكس ما كان رائجا قبل أعوام.
أما عن أنواع السجاد اليدوي في أفغانستان فهي عديدة، أشهرها السجاد البخاري والمحمدي وشيروان والقوقازي والكرك، وتختلف أنواعها باختلاف أنواع الصوف وأنواع النقش المستخدم في صناعة السجاد. كما أن السجاد الأفغاني يبرز تاريخ أفغانستان العريق، من خلال رسم صور المشاهير والأماكن الحضارية والتاريخية. كذلك يعكس السجاد الواقع الأليم الذي عاش وما يزال يعيشه الأفغان، من خلال رسم صور للحروب وآليات حربية، وصور تعكس الويلات التي فرضتها الحروب على الشعب الأفغاني.
وما يجدر بالملاحظة أن هجرة الأفغان إلى باكستان قد عززت قطاع السجاد في هذه البلاد، حيث أقامت الحكومة الباكستانية مخيمات خاصة لمحترفي وصانعي السجاد اليدوي، غير أن قرار الحكومة الباكستانية بترحيل الأفغان إلى بلادهم أثر سلباً على صناعة وتجارة السجاد في باكستان، فيما ستنعكس عودة هؤلاء المحترفين إلى بلادهم إيجابا على القطاع داخل البلاد، وستساهم في إخراج هذا القطاع من المأزق الذي يعيشه حالياً، شريطة التعاون والتنسيق بين الحكومة وبين أصحاب المصانع.