يبدو أنّ النظام السوري بات يعتمد السجل المدني طريقةً جديدة لإبلاغ أهالي المعتقلين لديه بمقتلهم، ليُفاجأ الأهالي بذلك، إذ كان سابقاً يبلغهم إما عبر فروع الشرطة العسكرية، أو مخاتير المناطق، ممن يسلمون أهل المعتقل القتيل هويته وشهادة وفاة تؤكد أنّ سبب الوفاة طبيعي، لكن من دون أن يتمكنوا من تسلم قتيلهم أو حتى يلقوا عليه نظرة.
تقول مصادر إعلامية محلية في مدينة السويداء، جنوب سورية، إنّ والد المعتقل السياسي إيهاب طلال أبو صعب، من أبناء ريف المحافظة، علم قبل أيام عن طريق الصدفة أنّ ولده المعتقل منذ مارس/ آذار 2013، قد قتل عقب عام واحد على اعتقاله، وذلك استناداً إلى بيان قيد عائلي استخرجه من السجل المدني. تتابع المصادر أنّ أهل أبو صعب لم يكونوا يعلمون أيّ شيء عن مصير ابنهم حتى تلك اللحظة، فكلّ ما توفر لديهم عنه أنّه معتقل من قبل الأمن العسكري. أما اليوم فلا يعلمون من المسؤول عن وفاة ابنهم ولا الاتهامات التي اعتقل على أساسها، ولا أسباب عدم عرضه على محكمة، ولا حتى مكان دفنه.
كانت مصادر إعلامية محلية تحدثت عن ثلاث حالات مشابهة في محافظة السويداء، علمت فيها عائلات بمقتل أبنائها بعد فترة من اعتقالهم، في حين ما زال مصير 10 معتقلين سياسيين مجهولاً حتى اليوم، بالرغم من مرور سنوات على اعتقالهم.
أم محمد، من دمشق، لديها 3 أبناء معتقلين، وتعيش مع ابنتها الوحيدة وزوجها، متأملة أن يأتي يوم وترى أبناءها. تقول لـ"العربي الجديد": "أقاربنا لديهم معتقلون منذ سنوات ولا يعلمون مصيرهم، ذهبوا إلى السجل المدني واستخرجوا بيانات عائلية، فمنهم من اكتشف وفاة أبنائه إذ وفّاهم النظام رسمياً على السجل، ومنهم من تجدد الأمل لديهم في أن يكون أبناؤهم أحياء إذ لم تجرِ توفيتهم في السجل". تضيف: "لن استخرج بياناً عائلياً. أريد أن أعيش ما تبقّى لي من أيام على أمل أن أرى أبنائي، وأنا أعلم أنّهم ما زالوا على قيد الحياة، حتى إن وفّاهم النظام، لن أصدق حتى أرى جثثهم بأمّ عينيّ".
من جانبها، قالت الناشطة الحقوقية والمحامية السورية نورا غازي الصفدي، وهي زوجة الناشط المعروف باسل الصفدي، على صفحتها الشخصية في موقع "فيسبوك": "اليوم حسم الصراع بين شكي ويقيني بمصير باسل. اليوم قتلت آخر ذرة أمل في قلبي أن يكون باسل حياً. اليوم، ذهب عمي أبو باسل إلى دائرة النفوس (الأحوال المدنية)، وتأكد أنّ باسل قتل بتاريخ 5-10- 2015، أي بعد يومين فقط من نقله من سجن عدرا. اليوم، صرنا حالة من الحالات التي تأكدت من وفاة أحبابها. اليوم، بدأ أمل جديد لديّ إذ وصلت إلى إقرار المجرمين بقتل باسل، وحصلت على تاريخ قتله بعدما ناضلت أكثر من سنتين لأصل إلى هذا الاعتراف". تابعت: "أعرف أنّ ما سأقوله قاس لكنّي أطلب من كلّ عائلة لديها معتقل مصيره مجهول أن تراجع دائرة الأحوال المدنية لتستخرج بيانات قيد نفوس، وتراجع الشرطة العسكرية، لأنّ النظام يصدر شهادات وفاة لبعض المعتقلين. وإن كانت الحقيقة بشعة، لا بدّ من أن نعرفها ونواجهها، فمن حقنا أن نعرف، ومن واجبنا أن نواجه".
بدورها، أفادت مصادر إعلامية محلية أنّ قوائم بأسماء أكثر من 600 معتقل لدى النظام، وصلت في الأيام القليلة الماضية، إلى مديرية السجل المدني في محافظة الحسكة، لتجري توفيتهم رسمياً، وسبق أن تسلمت مديرية السجل المدني في حماة قائمة بنحو 120 معتقلاً، كما تسلمت دائرة السجل المدني في معضمية الشام بريف دمشق قائمة بـ165 معتقلاً.
من جانبها، أعلنت مجموعة "العمل من أجل فلسطينيي سورية" في تقرير أخير عن ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين داخل سجون قوات النظام السوري، إلى 520 شخصاً غالبيتهم من سكان دمشق.
بدورها، تعتبر مصادر معارضة في دمشق، أنّ "النظام يحاول التخلص من عبء المعتقلين المغيبين قسرياً، والذين قُتل عدد كبير منهم لأسباب متعددة منها التعذيب الجسدي أو الجوع أو الأمراض، لكنّ جميع هذه الأسباب مرتبطة بالمعتقلات وواقعها المزري وعدم محاولة النظام حتى الحفاظ على حياة المعتقلين". تتابع أنّ "هذه الإجراءات لن تنهي ملف قتل المعتقلين، وحجزهم لسنوات بشكل قسري ومخالف لكلّ القوانين المحلية والدولية، بل سيبقى هذا الملف سيفاً مسلطاً على النظام، حتى لو تأخر بسبب التوافقات السياسية الدولية، خصوصاً أنّ كثير من الدعاوى القضائية التي تسجل في أوروبا متعلقة بتلك الانتهاكات، وهذا سيزيد من الضغط على المجتمع الدولي للبحث في هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، كما أنّ التاريخ سيسجل هذه الجرائم التي يستحيل أن تسقط مهما طال الزمن".
وكانت منظمة العفو الدولية قالت في تقرير لها عام 2016 إنّ النظام قتل 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، كما سرّب أحد عناصر النظام المنشقين والمعروف بـ"قيصر" صوّر 11 ألف جثة تعود لمعتقلين قتلوا في المعتقلات حتى عام 2014.
يشار إلى أنّه لا يوجد رقم دقيق حول عدد المعتقلين لدى سجون النظام، ففي حين تقول إحدى المنظمات الإنسانية إنّها وثقت 118 ألف معتقل، تقول مصادر معارضة إنّ عدد المعتقلين يزيد على 200 ألف معتقل من بينهم أطفال ونساء، في حين تتحدث مصادر مقربة عن النظام عن 30 ألف موقوف على خلفية الأزمة التي بدأت عام 2011، موجهة إليهم اتهامات يتصل جزء كبير منها بالإرهاب. أما آخر الإحصائيات التي أصدرتها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فأفادت أنّ النصف الأول من العام الجاري شهد ما لا يقل عن 4082 حالة اعتقال تعسفي في سورية.