بدأت عدة جهات سعودية رسمية حملة مكثفة للحدّ من ظاهرة التسول التي باتت مزعجة، بشكل لافت، خصوصاً أنّ معظم المتهمين بالتسول ممن يقعون في قبضة الأمن، هم من المقيمين غير الشرعيين بحسب تلك الجهات.
بعد أقل من شهر على بدء الحملة، اعتقلت شرطة المنطقة الشرقية، بالتعاون مع لجنة مكافحة التسول، أكثر من 130 متهماً بالتسول. أما في جدة (غرب السعودية) فكانت الحصيلة أكثر من 220 متهماً. وفعّلت الحملة نشاطها، قبل شهرين من دخول شهر رمضان وهو الشهر الأكثر نشاطاً لهم.
في هذا الإطار، تكشف مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ حصيلة حملات الشرطة المستمرة في منطقة الرياض، تسفر عن القبض على نحو سبعين متهماً بالتسول أسبوعياً، غالبيتهم من الأطفال، ومجهولي الهوية. وبحسب الناطق الرسمي لشرطة منطقة الرياض العقيد فواز الميمان فإنّ من يقبض عليهم يحالون جميعاً إلى إدارة مكافحة التسول التابعة لوكالة الرعاية في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
كذلك، يوضح تقرير رسمي لوزارة الداخلية أنّ مقدار ما جناه المتسولون العام الماضي كان أكثر من 700 مليون ريال (نحو 187 مليون دولار أميركي). وهو ما دفع وزارة الداخلية للتحذير من أنّ "التسول من أساليب جمع الأموال للجماعات المشبوهة التي تستهدف الأمن والاستقرار". أيضاً، دخل مفتي عام السعودية على خط حملة التوعية، مؤكداً في فتوى رسمية أنّه "لا يجوز منح المال لهؤلاء المتسولين لأنّ في هذا الأمر تشجيعاً لهم على تشغيل الأطفال بطريقة غير نظامية، ولأنّه لا يمكن التأكد من حقيقة استحقاقهم المال".
ويتفق عضو هيئة كبار العلماء الدكتور الشيخ أحمد المباركي مع التحذيرات، ويؤكد أنّ أغلب من يقفون عند إشارات المرور والأسواق والمساجد ليسوا محتاجين، معتبراً أنّ إعطاءهم من الزكاة الشرعية لا يجوز. يتابع: "نلاحظ أنّ كثيراً من الناس يتساهلون في ذلك، ويقولون إنّ هذا الشخص ما وقف إلا لحاجة، لكنّ تبين بعد فحص كثير من الحالات أنّ هؤلاء محتالون. فينبغي أن يكون الإنسان حريصاً على إيصال هذه الفريضة إلى أهلها من الفقراء والمساكين".
في الاتجاه نفسه، يحاول مجلس الشورى السعودي إقرار قانون أكثر صرامة لمكافحة التسول، ينص على معاقبة من يقبض عليهم بالسجن سنتين والغرامة 20 ألف ريال (5333 دولاراً) ومصادرة الأموال المضبوطة لصالح الجمعيات الخيرية، وحرمان الأجانب من دخول السعودية خمس سنوات، والأهم هو معاقبة مشغلي هؤلاء المتسولين.
يلعب مشغّلو المتسولين على وتر صعوبة تجاهل مشهد الأطفال، وهم يتجولون بين السيارات بأقدام حافية. كذلك، فإنّ سهولة الحصول على المال، تدفع بعض المتسولين للعب دور عمال النظافة الفقراء، بالقرب من محطات الوقود على الطرقات والمطاعم وأمام أجهزة الصرف الآلي، في محاولة منهم لاستجداء المارة.
اقــرأ أيضاً
محمد من هؤلاء الأطفال. اعتاد التسول على ناصية شارع الراكة التجاري في الخبر في المنطقة الشرقية أكثر من عشر ساعات يومياً. يتنقل بين السيارات حافياً، على الرغم من برودة الجو. يكشف محمد لـ"العربي الجديد" أنّ من يشغّله منعه من انتعال حذاء، كي يستعطف الناس أكثر. ليس من السهل الحديث مع الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، لخوفه من مشاهدة مشغّله له. على عجل يؤكد أنّه جاء إلى السعودية عن طريق التهريب، بعد وعده المهرّب الذي بات مشغّله أنّه سيمنحه أربعة آلاف ريال (1066 دولاراً) يسددها مما يجنيه. يتابع: "نسكن في بيت شعبي، ونعمل كلّنا - أنا ورفاقي- يومياً من الصباح حتى المساء. تتراوح يوميتي بين 150 ريالاً و200 (40 دولاراً و53). أدفع المبلغ كاملاً إلى المدير (المشغّل) وهو يتولى إطعامي. كذلك، يتولى توزيعنا على إشارات المرور وتأمين المسكن والملبس لنا، وإرسال بعض المال إلى أهالينا في بلداننا".
مؤخراً، نشر مواطن سعودي مقطع فيديو يوثق فيه نشاط متسولة وهي تجوب الطرقات تستجدي الناس، وبعد نهاية النهار غادرت الموقع بسيارة فارهة، مع أنّها كانت تدعي الإعاقة. يقول صاحب الفيديو: "جنت في ذلك اليوم أكثر من ثلاثة آلاف ريال (800 دولار)، وفي نهاية اليوم، مشت على قدميها، وركبت سيارة لا أحلم بركوبها".
في هذا الإطار، يؤكد الناشط الحقوقي وعضو جمعية "رفق" الخيرية الدكتور ماجد البشر، أنّ نشاط المتسولين المتزايد لا يعني أنّ هناك فقراً حاداً في البلاد، لكنّه يعني أنّ هناك من بات يمتهن التسول من الوافدين تحديداً، ويُعثر مع المعتقلين منهم على مبالغ طائلة.
يتابع لـ"العربي الجديد": "لم يعد التسول الخيار الأخير لمن لا يجد قوته، بل تحول إلى مهنة تديرها عصابات منظمة، وقد عثر على عدة أوكار يديرها مجهولو هوية، يشغّلون عشرات الأطفال. وبحسب تحقيقات اطلعت على كثير منها، لا يقلّ دخل من يشغّل الأطفال عن 100 ألف ريال (26 ألف دولار) أسبوعياً". يضيف: "لم يعد الأمر مجرد تسول، بل عصابات تجني الملايين".
من جهته، يعتقد أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد العتيقي أنّ انتشار العصابات، ومدّعي الفقر يتسبب في حرمان الفقراء الحقيقيين من عطف الناس. يقول لـ"العربي الجديد": "كثيرة هي قصص النصب والاحتيال، مع ذلك، ما زال كثيرون يعتقدون أنّهم محقون بدفع المال للمتسولين، وهم لا يعرفون أنّهم بهذه الطريقة، يساعدون مشغّليهم على جلب المزيد من الأطفال، وتدمير مستقبلهم... فالطفل مكانه مقاعد المدرسة، وليس الشوارع".
اقــرأ أيضاً
بعد أقل من شهر على بدء الحملة، اعتقلت شرطة المنطقة الشرقية، بالتعاون مع لجنة مكافحة التسول، أكثر من 130 متهماً بالتسول. أما في جدة (غرب السعودية) فكانت الحصيلة أكثر من 220 متهماً. وفعّلت الحملة نشاطها، قبل شهرين من دخول شهر رمضان وهو الشهر الأكثر نشاطاً لهم.
في هذا الإطار، تكشف مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ حصيلة حملات الشرطة المستمرة في منطقة الرياض، تسفر عن القبض على نحو سبعين متهماً بالتسول أسبوعياً، غالبيتهم من الأطفال، ومجهولي الهوية. وبحسب الناطق الرسمي لشرطة منطقة الرياض العقيد فواز الميمان فإنّ من يقبض عليهم يحالون جميعاً إلى إدارة مكافحة التسول التابعة لوكالة الرعاية في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
كذلك، يوضح تقرير رسمي لوزارة الداخلية أنّ مقدار ما جناه المتسولون العام الماضي كان أكثر من 700 مليون ريال (نحو 187 مليون دولار أميركي). وهو ما دفع وزارة الداخلية للتحذير من أنّ "التسول من أساليب جمع الأموال للجماعات المشبوهة التي تستهدف الأمن والاستقرار". أيضاً، دخل مفتي عام السعودية على خط حملة التوعية، مؤكداً في فتوى رسمية أنّه "لا يجوز منح المال لهؤلاء المتسولين لأنّ في هذا الأمر تشجيعاً لهم على تشغيل الأطفال بطريقة غير نظامية، ولأنّه لا يمكن التأكد من حقيقة استحقاقهم المال".
ويتفق عضو هيئة كبار العلماء الدكتور الشيخ أحمد المباركي مع التحذيرات، ويؤكد أنّ أغلب من يقفون عند إشارات المرور والأسواق والمساجد ليسوا محتاجين، معتبراً أنّ إعطاءهم من الزكاة الشرعية لا يجوز. يتابع: "نلاحظ أنّ كثيراً من الناس يتساهلون في ذلك، ويقولون إنّ هذا الشخص ما وقف إلا لحاجة، لكنّ تبين بعد فحص كثير من الحالات أنّ هؤلاء محتالون. فينبغي أن يكون الإنسان حريصاً على إيصال هذه الفريضة إلى أهلها من الفقراء والمساكين".
في الاتجاه نفسه، يحاول مجلس الشورى السعودي إقرار قانون أكثر صرامة لمكافحة التسول، ينص على معاقبة من يقبض عليهم بالسجن سنتين والغرامة 20 ألف ريال (5333 دولاراً) ومصادرة الأموال المضبوطة لصالح الجمعيات الخيرية، وحرمان الأجانب من دخول السعودية خمس سنوات، والأهم هو معاقبة مشغلي هؤلاء المتسولين.
يلعب مشغّلو المتسولين على وتر صعوبة تجاهل مشهد الأطفال، وهم يتجولون بين السيارات بأقدام حافية. كذلك، فإنّ سهولة الحصول على المال، تدفع بعض المتسولين للعب دور عمال النظافة الفقراء، بالقرب من محطات الوقود على الطرقات والمطاعم وأمام أجهزة الصرف الآلي، في محاولة منهم لاستجداء المارة.
محمد من هؤلاء الأطفال. اعتاد التسول على ناصية شارع الراكة التجاري في الخبر في المنطقة الشرقية أكثر من عشر ساعات يومياً. يتنقل بين السيارات حافياً، على الرغم من برودة الجو. يكشف محمد لـ"العربي الجديد" أنّ من يشغّله منعه من انتعال حذاء، كي يستعطف الناس أكثر. ليس من السهل الحديث مع الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، لخوفه من مشاهدة مشغّله له. على عجل يؤكد أنّه جاء إلى السعودية عن طريق التهريب، بعد وعده المهرّب الذي بات مشغّله أنّه سيمنحه أربعة آلاف ريال (1066 دولاراً) يسددها مما يجنيه. يتابع: "نسكن في بيت شعبي، ونعمل كلّنا - أنا ورفاقي- يومياً من الصباح حتى المساء. تتراوح يوميتي بين 150 ريالاً و200 (40 دولاراً و53). أدفع المبلغ كاملاً إلى المدير (المشغّل) وهو يتولى إطعامي. كذلك، يتولى توزيعنا على إشارات المرور وتأمين المسكن والملبس لنا، وإرسال بعض المال إلى أهالينا في بلداننا".
مؤخراً، نشر مواطن سعودي مقطع فيديو يوثق فيه نشاط متسولة وهي تجوب الطرقات تستجدي الناس، وبعد نهاية النهار غادرت الموقع بسيارة فارهة، مع أنّها كانت تدعي الإعاقة. يقول صاحب الفيديو: "جنت في ذلك اليوم أكثر من ثلاثة آلاف ريال (800 دولار)، وفي نهاية اليوم، مشت على قدميها، وركبت سيارة لا أحلم بركوبها".
في هذا الإطار، يؤكد الناشط الحقوقي وعضو جمعية "رفق" الخيرية الدكتور ماجد البشر، أنّ نشاط المتسولين المتزايد لا يعني أنّ هناك فقراً حاداً في البلاد، لكنّه يعني أنّ هناك من بات يمتهن التسول من الوافدين تحديداً، ويُعثر مع المعتقلين منهم على مبالغ طائلة.
يتابع لـ"العربي الجديد": "لم يعد التسول الخيار الأخير لمن لا يجد قوته، بل تحول إلى مهنة تديرها عصابات منظمة، وقد عثر على عدة أوكار يديرها مجهولو هوية، يشغّلون عشرات الأطفال. وبحسب تحقيقات اطلعت على كثير منها، لا يقلّ دخل من يشغّل الأطفال عن 100 ألف ريال (26 ألف دولار) أسبوعياً". يضيف: "لم يعد الأمر مجرد تسول، بل عصابات تجني الملايين".
من جهته، يعتقد أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد العتيقي أنّ انتشار العصابات، ومدّعي الفقر يتسبب في حرمان الفقراء الحقيقيين من عطف الناس. يقول لـ"العربي الجديد": "كثيرة هي قصص النصب والاحتيال، مع ذلك، ما زال كثيرون يعتقدون أنّهم محقون بدفع المال للمتسولين، وهم لا يعرفون أنّهم بهذه الطريقة، يساعدون مشغّليهم على جلب المزيد من الأطفال، وتدمير مستقبلهم... فالطفل مكانه مقاعد المدرسة، وليس الشوارع".