السعودية وأميركا.. سياسة أم غرام؟

27 سبتمبر 2016
+ الخط -
تمرّ المملكة العربية السعودية بمرحلةٍ انتقاليةٍ على أكثر من صعيد. من جهةٍ، تُدار بعقليةٍ رأسماليةٍ تهدف إلى تحويل النمط الاقتصادي، من نمط الدولة الأبوية إلى نموذج الدولة الرأسمالية الحديثة، بكل ما يحمله هذا التوجه من تغيّرات، ستحدث على مستوى البنية الاجتماعية، كما أنها تواجه تحدياتٍ إقليمية جمّة، مع تصاعد حدة صراعها مع إيران، في أكثر من جبهة، أهمها سورية واليمن.
على المستوى الداخلي، ينشغل السعوديون بتقييم حجم الأثر الذي سوف يتركه هجر الدولة الأبوية التي كانت أحد أعمدة الشرعية السياسية، في نظامٍ يولي اهتماماً خاصاً بالرضى الاقتصادي والأمن الداخلي، وكلاهما على كف عفريت. الأول بسبب الرؤية الاقتصادية الجديدة، والثاني بسبب هجمات داعش، فالحكومة ترتكز، في تشريع قوانينها، على نظامٍ ترسخ تاريخياً عبر ثقل شرعية العائلة الحاكمة. لكن الوضع الاقتصادي المقبل سوف يجلب تغيراتٍ اجتماعية مهولة، سيكون الفرد فيها معتمداً على عرق جيبنه، في تحصيل دخله، وضرورة تكيّفه مع آليات صرفٍ جديدة، لم تكن في حسبانه، ولن تكون الدولة مساهمةً فيها. بل العكس، هي في طور تطوير آليات جبايةٍ، وإضافة ضرائب جديدة، من شأنها هز النظام الاجتماعي القائم. هذا التغير لابد من أن يتبعه نمو حالة فردانيةٍ متوحشة، وارتفاع وسواسي في مراقبة أجهزة الدولة وآليات صرفها، التي لن تحظى بأي تعاطفٍ في حال فشلها في تطوير الخدمات، وجعل حياة المواطنين أفضل، وإلا فإن الغضب الاجتماعي لن يتأخر في التمظهر ضدها، خصوصاً، إذا ما استمرت المزايا التي كان يحصل عليها المواطن في التناقص، واستمر الفساد في مدّ أذرعته نحو جيوب الناس أكثر.

على مستوى التحديات الخارجية، تقف المملكة على أعتاب مرحلةٍ عسيرة، انهار فيها النظام العربي القديم، وانسحبت القوى التي كانت الرياض تعوّل عليها في الوقوف بجانبها وقت الأزمات. العراق الذي طالما شكل سدّاً منيعاً في وجه الزحف الإيراني والتركي، أصبح لا حول له ولا قوة، وقد قلصت النخبة الطائفية الفاسدة من خيارات الشعب، فانحصر بين الاحتماء بحشدٍ شعبيٍّ متناقض الولاءات منع زحف داعش، أو الاستسلام لجماعة إرهابية همجية، تدّعي أنها تنفذ شرعية السماء. مصر التي كانت تشكّل أحد أهم أعمدة النظام العربي الرسمي، مشغولة بترميم ما تركه طوفان الثورة الفاشلة، من أوضاع اقتصادية مزرية، ومعارضة مفتتة، بعضها في السجون، وبعضها الآخر ارتمى في أحضان داعش سيناء. سورياً ما نشاهده على التلفاز أكثر مما يمكن كتابته في مقالة.
مع هذا كله، قرّرت السعودية خوض حرب اليمن، من أجل منع الحوثي من السيطرة على خاصرتها الجنوبية، وبدعمٍ من الولايات المتحدة، الحليف الذي لا غنى عنه، وعلى الرغم من كل ما قيل عن ترك واشنطن حلفاءها، بعد أن تركت واشنطن حسني مبارك يلاقي مصيره، وبعد أن رمى باراك أوباما كذبة الانسحاب من العراق، حيث صدّقه من عجز عن فهم العقلية الإمبريالية، وظن بسذاجةٍ استثنائية، بأن الإمبراطورية الأميركية قرّرت الاستغناء عن حلفائها، وترك ساحة الشرق الأوسط للروس والإيرانيين، كي يعيدوا تشكيلها بالطريقة التي تعجبهم. قيل هذا الكلام، بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، حيث ظن بعضهم أن واشنطن اختارت إيران على حساب المملكة، وهذه من بنات سخافات محللين جهلة يتصدّرون المشهد الثقافي، لافتقار الساحة السعودية لمحللين جديين.
صحيح أن المملكة أظهرت، أكثر من مرة، امتعاضها من سياسة أوباما، تحديداً بعد تجاهل نداءات إنقاذ حسني مبارك، أو عدم الوقوف في وجه طموحات المعارضة البحرينية التي كانت في طريقها إلى الزحف على النظام، لولا دخول قوات درع الجزيرة، أو لعدم إطاحة نظام السوري، بعد عدة تهديدات أميركية لنظام الأسد. وقد كتب كتّاب رأي سعوديون مقربون من صانع القرار، ما يدعم هذه الفكرة، لكن الاختلاف بين الرياض وواشنطن ليس في الخيارات الاستراتيجية، كالحد من التمدّد الإيراني وكسر رقبة دمشق، ومنع الروس من وضع موطئ قدم لهم في المنطقة، بل في طريقة تنفيذ هذه السياسة، هل تتدخل أميركا عسكرياً، أم تترك المهمة للحلفاء؟ كتركيا والسعودية كلاً بدوره ومقدرته في منع الحلف الآخر من تحقيق الانتصار المبين، حيث للسعودية اليمن، ولتركيا الشمال السوري؟
تشكّل الحرب المفتوحة بين الرياض وطهران عنصر ضغط كبير على تفكير محللين سعوديين كثيرين، خصوصاً، وهم يشاهدون بعض أنواع الابتزاز الأميركي الصريح للرياض، في مقالاتٍ تصوّب على "خطر الوهابية على العالم"، بالذات التي يكتبها وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، والتي تزامنت مع موافقة الكونغرس على قانونٍ يسمح للعوائل التي تضرّرت من هجمات "11 سبتمبر" بمقاضاة الحكومة السعودية، بما يوحي وكأن العلاقة تتجه نحو الأسوأ، على الرغم من أن الرئيس باراك أوباما استخدم حق الفيتو لمنع مرور القرار.
الظروف التي تمر بها المنطقة استثنائية، لجهة حجم الانهيارات التي حصلت، وقد حوّلت سياسة المملكة نحو التدخل المباشر، فالعلاقة مع الولايات المتحدة لم تتغيّر على المستوى الاستراتيجي، لكن قواعد اللعبة في المنطقة تبدّلت قليلاً.

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"