رجح خبراء سعوديون ألا يتأثر الاقتصاد السعودي على المدى القصير بهبوط أسعار النفط لأقل من 70 دولاراً للبرميل، مشيرين إلى أن سعر 65 دولاراً للبرميل سيكون السعر المناسب لاحتساب الميزانية الجديدة.
وتوقع الخبراء الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" أن تستطيع السعودية امتصاص هذا الهبوط في السنوات الثلاث المقبلة من خلال السحب من الاحتياطي النقدي الكبير الذي وفرته في السنوات العشر الماضية جراء ارتفاع أسعار النفط.
وعلى الرغم من هبوط سعر خام برنت في الفترة الحالية إلا أنهم قالوا في توقعاتهم إن الأوضاع المالية للسعودية جيدة بما يكفي لاستمرارها في الإنفاق، لكنهم في الوقت ذاته طالبوا الحكومة بلجم الإنفاق المتزايد على مشاريع البنية التحتية خاصة، وإن كثيراً من المشاريع التي اعتمدت في السنوات الماضية لم تنته أو لم يبدأ العمل بها بعد.
وهبطت أسعار العقود الآجلة لخام برنت أكثر من دولار اثناء التعاملات الآسيوية أمس الاربعاء مستأنفة اتجاهاً نزولياً أثارته وفرة المعروض بالأسواق بعد توقف قصير في الجلسة السابقة عندما تلقت بعض الدعم من تراجع الدولار، ودفعت المخاوف من وفرة الامدادات برنت للهبوط بأكثر من 40 % منذ يونيو/ حزيران، وانخفضت عقود خام القياس الدولي تسليم يناير/ كانون الثاني 1.06 دولار الى 65.78 دولاراً للبرميل لكنها تبقى فوق أدنى مستوى لها في خمس سنوات البالغ 65.29 دولاراً الذي سجلته اثناء تعاملات الثلاثاء.
وقال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن السعودية قادرة على تحمل أسعار نفط تتراوح ما بين 60 و65 دولاراً للبرميل لثلاث سنوات آتية، لكن هذا الامر سيكون مرتبطاً بثبات حجم الإنتاج الحالي وضبط الإنفاق الحكومي مستقبلاً خاصة وأن إيرادات النفط ستهبط كثيراً جراء الأسعار الحالية.
لكن البوعينين أشار إلى أن انخفاض أسعار النفط إلى مستويات 60 دولاراً للبرميل سيهبط بإيرادات الدولة بنسبة 40% عما هو عليه حالياً، وسيشكل ضغطاً على الموارد المالية التي تأتي من النفط.
وأضاف في تعليقاته، "أعتقد أن السعودية استعدّت جيداً لهذه الظروف من خلال الاحتياطيات المالية الضخمة التي وفرتها وتمكنها من تحقيق التوازن في الأزمات"، وفي رأيه فإن الموازنة السعودية المقبلة لن تتأثر بشكل كبير من هبوط الأسعار.
ويضيف: "السعودية لديها احتياطي مالي ضخم (أكثر من 533 مليار دولار) ويمكن أن تغطي من خلاله أي عجز ممكن في الموازنة"، ويتابع: "الأمر الآخر المهم هو أن السعودية دأبت على التحفظ في احتساب سعر البرميل عند بناء موازنتها؛ حتى مع ارتفاع اسعار النفط لمستويات فوق الـ100 دولار، يؤكد ذلك تغطيتها موازنتها الحالية في الأشهر العشرة الأولى فقط من العام وما سيحققه النفط من دخل في الشهرين المتبقيين سيكون فائضاً مالياً يمكن أن تستفيد منه مستقبلا".
أهمية لجم الإنفاق
يشدد البوعينين على أهمية أن تبدأ الحكومة في ضبط الإنفاق تحسباً لاستمرار هبوط أسعار النفط مستقبلاً، ويضيف: "حالياً هذه الاسعار لن تشكل خطراً على الموازنة السعودية؛ وإن ضغطت عليها نسبياً؛ لاسيما أن سعر ما بين 60 و65 دولاراً للبرميل سيكون مقبولاً للموازنة السعودية، لكن من المهم أن تبدأ الحكومة بلجم الإنفاق وإعادة النظر في إنفاقها التوسعي.
ويعتبر البوعينين الانخفاض الحالي في أسعار النفط فرصة للحكومة السعودية لتغيير سياستها الاقتصادية المعتمدة على النفط وتبدأ في تنويع دخلها كي لا تكون رهينة لأسعار النفط المتقلبة، ويضيف: "نحن نعتمد على النفط بنسبة 90% ومن المهم أن نبدأ بالبحث عن مصادر دخل جديدة لدعم الموازنة وللحفاظ على استقرار الاقتصاد السعودي".
هبوط متوقع
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي برجس البرجس أن هبوط اسعار النفط بهذا الشكل أمر كان متوقعاً منذ سنوات ولا توجد آية ضغوط سياسية وراء هذا الهبوط كما يزعم البعض، مشدداً على أن الموازنة السعودية للعام المقبل لن تتأثر كثيراً في حال بقاء أسعار النفط عند حاجز الـ 70 دولاراً، معتبراً أن السعر العادل والمثالي يقف عند الـ 80 دولاراً للبرميل.
ويقول البرجس لـ"لعربي الجديد": "الهبوط الحالي لأسعار النفط متوقع منذ سنوات، وهو لم يأت تحت ضغوط سياسية بل بناء على حركة طبيعية للسوق".
ويضيف: "في السنوات الثلاث الماضية وصل سعر برميل النفط لـ100 دولار ولم يكن من المفترض أن يصل لهذا الرقم الكبير، لكنّ أسباباً طارئة كانت وراء ذلك بدءاً من الخلافات التي وقعت بين الولايات المتحدة وإيران وأحداث الربيع العربي في عام 2011 والتي أدخلت ليبيا في متاهة سياسية، ثم المشكلة العراقية مع داعش".
وحسب البرجس فإن هذه الأسباب الطارئة، وكانت وراء ارتفاع الأسعار الكبير فى النفط، ويرى أيضاً أن هناك اسباباً من داخل "أوبك" وأخرى من خارجها وراء ما يحدث، ويضيف: "مشكلتنا في المستقبل قد تأتي من داخل أوبك وقد تأتي من خارجها، فأحياناً يرتفع الإنتاج من داخل "أوبك" وقد يحدث هذا في حال تحسن الوضع السياسي في ليبيا والعراق، وتبدأ الولايات المتحدة في فك حظر تصدير النفط المنتج لديها"، ويتابع: "هذه الأمور ستزيد الضغط على الأسعار، لدينا حالياً ثلاثة ملايين برميل قد تأتي من داخل "أوبك" وتحديداً من ليبيا والعراق وإيران".
ثلاثة سيناريوهات
وحول مدى تأثر الموازنة السعودية لعام 2015 بتهاوي أسعار النفط، يشدد برجس البرجس على أن مدى تأثير الموازنة السعودية بهبوط الأسعار يخضع لثلاثة سيناريوهات. وهي، الأول تكون فيه الأسعار ما بين 60 إلى 70 دولاراً للبرميل والثاني، تصل لحدود الـ80 دولاراً، والثالث تصل الأسعار لأكثر من الـ90 دولاراً، وهذه السيناريوهات هي التي تحدد وضع الموازنة السعودية المقبلة.
ويضيف: "إذا ما توقعنا دخلاً نفطياً في حدود 700 مليار ريال (أكثر من 186 مليار دولار) فهو أمر يمكن أن تتحمله الموازنة السعودية من خلال رفع الإنفاق إلى 850 مليار ريال (226 مليار دولار) من خلال الاقتراض من الفائض الذي توفر جراء ارتفاع أسعار النفط في السنوات العشر الماضية والذي يصل لأكثر من تريليوني ريال، ولن يكون ذلك مشكلة كبيرة على الاقتصاد السعودي، فمن الممكن أن تكون المصروفات أكثر من الإيرادات النفطية، لأن السعودية لديها احتياطي مالي كبير".
وحسب البرجس فإن السعر العادل لبرميل النفط يصل لحدود الـ80 دولاراً للبرميل، ويتابع: "اذا وصل البرميل لأكثر من 90 دولاراً للبرميل فهذا سيكون مشجعاً للشركات على الاستثمار في مجال النفط بشكل أكبر ولكن 80 دولاراً للبرميل، هو سعر مثالي للمنتجين وأيضا للمستوردين ولا يشجع الشركات على الدخول في هذا المجال، وهو أمر إن حدث فسيضغط أكثر على الأسعار من خلال زيادة الإنتاج".
وتوقعت تقارير اقتصادية أن ينمو الاقتصاد السعودي الذي تبلغ قيمته 748 مليار دولار بنسبة 4.3% في العام المقبل بزيادة طفيفة عن معدل النمو المتوقع في 2014 .