لم تغب صورة الحجر الذي يواجه الجندي بسلاحه ودبابته، لتحضر صورة السّكين التي تواجه البُندقيّة. إن كانت عقوبة رشق الحجارة قد تصل إلى عشرين عاماً وفقاً للقانون الإسرائيليّ الجديد فإنّ الذي يطعن بالسّكين أو يحمل سكيناً أو يشتبه به بحمل أداةٍ حادة، سيواجه طلقات بندقيّة مرتجفة تشير له بحتميّة الموت والشّهادة.
استطاع منفذ عملية البلدة القديمة الشهيد مهند حلبي ابن التسعة عشر ربيعاً تحريك الشارع الفلسطينيّ، إذ يشهد الشارع حالة من الغليان والتصعيد منذ عملية الطعن التي نفّذها ليلة يوم السبت الثالث من تشرين الأول في أزقّة البلدة القديمة وراح فيها قتيلان إسرائيليان وأسفرت عن استشهاده.
اختلفت المسميات والعناوين للوضع الحالي في فلسطين بين من يقول إنها انطلاقة الانتفاضة الفلسطينيّة الثالثة ومن سماها الهبّة ومن يراها ثورة أو حراكاً، إلا أنّ التسميات لم تشكّل فارقاً ما دامت الصور المختلفة التي ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعيّ تحمل مضموناً لا شكّ فيه؛ أن هناك مقاومة فرديّة جاءت لتعبّر عن غضب الشّعب الفلسطينيّ جراء ما يعانيه من انتهاكات إسرائيلية ممنهجة ضد الشعب والمقدسات، واستمرار الاستيطان وتبعاته على الفلسطيني التي كان أبرزها الاعتداء بالحرق على عائلة دوابشة.
في ظل غياب دور السلطة الفلسطينيّة وتراجع المقاومة الفصائلية الوطنيّة دعت الحاجة إلى الحضور الفرديّ للشباب والشابات. ووفقاً للإحصاءات الواسعة التي أجراها مركز القدس وغطّت الأسبوع الأول من "انتفاضة شعب" سجّل الحراك الشبابي المقاوم: 764 حالة إلقاء حجارة، 276 حالة إلقاء زجاجة حارقة، 27 حادث إطلاق نار في عشرة أيام و24 محاولة طعن نجح منها أربع عشرة. كذلك بلغت حصيلة الاعتداءات الإسرائيليّة 30 شهيداً منهم سبعة أطفال، و3920 إصابة في الضفة الغربيّة والقدس والداخل المحتل تتوزع على النحو التالي: 1400 إصابة بالرصاص الحي، 900 إصابة بالرصاص المطاطيّ، 2200 إصابة بالغاز، 49 إصابة جراء اعتداء بالضرب، إصابتان جرّاء الدهس، بالإضافة إلى إصابات بطرق اعتداء أخرى. (هذه الإحصائية حتى نهار الثلاثاء).
بالتّزامن مع الحراك الشبابيّ قامت السلطات الإسرائيليّة باعتقالات واسعة شملت القدس، ورام الله، والخليل والداخل المحتل حيث وصل عدد المعتقلين الى 328 معتقلاً، أفرج عن 90 منهم وهم من الداخل، كذلك لوحظت مراقبة الداخل المحتل والتركيز عليه من حيث الاعتقالات، فقد اعتقل عدد من الأفراد بسبب تصريحاتهم أو تدويناتهم على شبكات التواصل الاجتماعيّ إلى جانب اعتقال مشاركين في المظاهرات التي انطلقت في البلدات والقرى العربيّة.
عمليات الطعن ذريعة لقتل الفلسطينيين
شهدت القدس والضفة الغربية والأراضي الفلسطينيّة المحتلة عمليات طعن مختلفة أقدم عليها الشباب الفلسطينيّ، إلا أن هناك شكوكاً تدور حول صدق ادعاء إسرائيل في حدوث عمليات طعن بهذا الزّخم، مستغلة هذه الظاهرة لتنفيذ إعدام ميدانيّ للشباب الفلسطينيّ. وقد دعّمت تسجيلات لفيديوهات صوت وصورة انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعيّ هذه الشكوك، أشهرها فيديو الشهيد فادي علوان من العيساويّة في القدس حين ظهر في التسجيل أعزل، لا يحمل سكيناً أو أداة حادة، إنّما اعتدى عليه مستوطنون وعرقلوه وقامت الشرطة بتصفيته ميدانيّاً مدعيةً تنفيذه عملية طعن، كما أظهرت تسجيلات أخرى للشابة إسراء عابد من الناصرة في الداخل المحتل التي تعرّضت لإطلاق نار في القسم السفلي من جسدها في المحطة المركزيّة العفولة بعد الادعاء أنها تحمل سكيناً، وقد كانت في الحقيقة عزلاء تحمل حقيبتها الجامعيّة ونظارات شمسيّة، ويذكر أن الاحتلال أحضر سكيناً ووضعها إلى جانب الضحيّة في سبيل افتعال حادث الطعن.
حصيلة الاعتداءات الإسرائيليّة على الشّعب الفلسطينيّ
الشهيد مهند حلبي منفذ عملية القدس الشرارة التي أشعلت الشارع الفلسطينيّ، والشهيد فادي علوان، والشهيد عبد الرحمن شادي عبد الله، والشهيد حذيفة ابو سلمان، والشهيد أمجد الجندي منقذ عملية طعن في كريات جات، والشهيد وسام فرج الذي استشهد جراء مواجهات في مخيم شعفاط، والشهيد ثائر أبو غزالة منفذ عملية الطعن في تل أبيب، والشهيد محمد الجعبري، والشهيد أحمد صلاح والشهيد إبراهيم مصطفى عوض. (هذه الإحصائية حتى نهار الثلاثاء).
أما في قطاع غزة فقد بلغ عدد الشهداء اثنا عشر شهيداً: الشهيد شادي حسام دولة، والشهيد أحمد عبد الرحيم الهرباوي، والشهيد عبد الوحيدي، والشهيد الطفل محمد هشام الرقب (15 عاماً)، والشهيد عدنان موسى أبو عليان، والشهيد زياد نبيل شرف، والشهيد جهاد العبيد، والشهيد الطفل مروان هشام بربخ (13 عاماً)، والشهيد الطفل خليل عمر عثمان (15 عاماً)، والشهيدة نور رسمي حسان وطفلتها رهف يحيى حسان واللتين استشهدتا جراء قصف الجيش الإسرائيلي منزلهم.
اعتداء ديمونا
امتدت الاعتداءات التي نفذها المستوطنون في الضفة الغربيّة والقدس والأراضي المحتلة لتطاول الممتلكات والإنسان، وسجّلت الإحصاءات 200 حادثة اعتداء، حيث جرت مهاجمة 133 سيارة فلسطينية، والاعتداء على الفلسطينيين بالضرب أو التهجم علاوة على مهاجمة المنازل. إلا أنّ أبرز الاعتداءات كان قيام مستوطن صهيونيّ بالتعرّض لأربعة فلسطينيين وطعنهم في مدينة ديمونا. وقد أبرز هذا الحدث وحشيّة وعنصرية الاحتلال بالتعامل المختلف مع منفذي العملية ذاتها، باستراتيجيّة مختلفة فقط لكونهم فلسطينيين بينما يتم التغاضي عن المنفذ إن كان يهوديّاً والاكتفاء باعتقاله، أما الفلسطينيّ فيتم إطلاق الرصاص عليه بهدف القتل. وقد انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ تسجيلات لعمليات طعن نفذها فلسطينيون يُسمع فيها صوت المستوطنين الإسرائيليين يقولون للجنود والشّرطة: أطلقوا عليه النار في رأسه.
# أحمد_الدرة_الجديد
انطلق عبر شبكات التواصل الاجتماعيّ وسم #أحمد_الدّرة_الجديد الذي أعاد إلى أذهان الفلسطينيين المشهد الوحشيّ الذي استشهد به الطفل محمد درة في الانتفاضة الثانية عام 2000، وهو المشهد الذي يعاود الفلسطينيّ كلما استهدفُ أطفاله بوحشيّة وعنجهيّة ولا إنسانيّة أمام عيون العالم أجمع.
أظهر التسجيل طفلاً فلسطينيّاً في الثالثة عشرة من عمره مُسجى على الأرض ينزف دمه ومع دمه كرامة العالم والإنسان، يستصرخ الإنسانيّة بعد تعرضه لمحاولة إعدام من قبل الشرطة الإسرائيلية. أحاط بالطفل رجال الأمن ومستوطنون يهود رددوا أقذع الشتائم وتعرضوا له بالركل وعلت صرخاتهم: "أطلق عليه رصاصة في الرأس وأرحنا"، "اصنع لي معروفاً وأطلق عليه رصاصة بالرأس"، والطفل يستغيث محاولاً أن ينهض والمسعفون في المكان من حوله، لكنّه لم يتلق أي مساعدة، إنما ركلته رجل الجنديّ لتعيده إلى الأرض حيث دمه، منتهكين به القوانين الدوليّة والشريعة الإنسانيّة.
أجج هذا التسجيل مشاعر الحزن والحرقة في دواخل الشّعب الفلسطينيّ، وتعاظمت رغبته في الردّ على هذه الوحشيّة لتستفيق القدس على مقاومة متجددة في أربع عمليات مقاومة متزامنة في القدس وتل أبيب.
التفاف في الداخل الفلسطينيّ نصرةً للقدس والأقصى
انطلقت أول من أمس الثلاثاء بدعوة من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة في الدّاخل الفلسطينيّ مظاهرة قطريّة حاشدة، شارك فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، على رأسهم القيادات الوطنيّة والدينيّة والحركات الشبابيّة المختلفة دعماً للقدس والأقصى وتنديداً بالسياسة العنصريّة والهمجيّة واللا إنسانيّة التي ينتهجها الاحتلال مع كافة أفراد الشّعب الفلسطينيّ في القدس وغزّة والضّفة الغربيّة والداخل المحتل.
انطلقت المظاهرة من مسجد النور في مدينة سخنين، مروراً بالمقبرة حيث توقفت الحشود وتلت سورة الفاتحة على أرواح الشّهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا، ثمّ أكملت الجماهير المسير رافعة العلم الفلسطينيّ في الأعالي، مغيبة أعلام الحركات والأحزاب، محققة بذلك التفافاً واسعاً احتوى كافة الأطياف السياسيّة.
جاءت هذه المظاهرة القطريّة بالتزامن مع الالتزام بالإضراب العام في كافة البلدات والقرى العربيّة احتجاجاً على الاقتحامات الهمجيّة التي ينفذها مستوطنون في الحرم القدسيّ الشريف تحت حماية الاحتلال، فضلاً عن سياسة الإعدام الميدانيّ التي يُشرّعها الاحتلال وتنتهجها الشرطة والجيش ضد الفلسطينيين.
(فلسطين)