السلطات اللبنانية تكمّم الأفواه: وقف مواقع إلكترونية وملاحقة مغرّدين انتقدوا رئيس الجمهورية
هذا الإجراء كان كفيلاً بإشعال موقع "تويتر" بالتغريدات التي كتبها ناشطون اعتبروا فيها أنّ ما يحصل هو مزيد من القمع في محاولة لكمّ الافواه. فبدل محاسبة الفاسدين ومعاقبة ناهبي الأموال العامة ومن يحجز ودائع الناس في المصارف، يصار إلى ملاحقة الناس على تغريدات تعبّر عن حقيقة الوضع الذي لا يزال المسؤولون يتنكّرون للواقع ويحاولون إقناع اللبنانيين بتحقيق الإنجازات.
وتشهد الساحة الإعلامية في لبنان، المزيد من إجراءات القمع التي تقيّد حركتها وكلمتها ونشاطها الذي يضيء على مختلف الأزمات التي تعاني منها البلاد، آخرها تفلُّت سعر الصرف في السوق السوداء وتسجيله أرقاماً قياسية غير مسبوقة في تاريخ الأحداث اللبنانية.
وترجم الناشطون ردود فعلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّروا عن امتعاضهم الكبير لتدهور العملة الوطنية بشكل يفقدهم أكثر من ستين في المائة من رواتبهم التي يتقاضونها بالليرة اللبنانية مقابل غلاء فاحش وانعدام القدرة الشرائية عند الناس. فيما شارك العديد منهم أسعار سعر الصرف التي تخطت عتبة 6000 ليرة لبنانية عبر حساباتهم الخاصة، وأرفقوا منشوراتهم بتعليقات تنتقد أداء الحكومة ورئاسة الجمهورية، وتحمّل السلطة السياسية الحاكمة مسؤولية تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنقدية.
Twitter Post
|
Twitter Post
|
في السياق، سحب المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع العلم والخبر (إشعار تأسيس) من عددٍ من المواقع الإلكترونية التي لجأت إلى "التشهير والإساءة والقدح والذم ونشر الأخبار الكاذبة وخاصة التي روجت الشائعات حول سعر الدولار" في خطوة غير قانونية وتتعارض مع مبدأ الحريات العامة التي يتغنى بها لبنان. ورفض رئيس المجلس كشف أسماء هذه المواقع في حديثه مع "العربي الجديد"، مكتفياً بالقول إن سحب العلم والخبر يشمل المواقع التي تروّج أخباراً كاذبة أو شائعات أو معلومات غير منسوبة إلى أي مصدر، وهي غير صحيحة.
ويضيف أن هناك مواقع روجت يوم السبت أخباراً تفيد بوصول سعر الصرف إلى 7 آلاف ليرة لبنانية وأكثر، وهو ما حرّك الشارع اللبناني، علماً أنّ البعض من المواقع لا تتحمل وحدها نشر الشائعات، فهناك سياسيون نشروا بدورهم معلومات من هذا النوع تناقلتها سريعاً المواقع الإلكترونية، ومن الإيجابي أن مصرف لبنان نفى الموضوع.
ويشير محفوظ إلى أنّ أحد الأسباب التي أدت أيضاً إلى سحب العلم والخبر الذي تقدم أكثر من 650 موقعاً إلكترونياً لنيله، يرتبط بحصول تشهير بوضع المرأة عموماً واستخدام عبارات غير مقبولة ومبتذلة، من دون أن يغوص في التفاصيل. وكشف أنّ المرحلة المقبلة ستطاول صفحات "فيسبوك" المخصصة لنشر المعلومات والأخبار الكاذبة، ولن تقتصر فقط على المواقع الإلكترونية، في مقدمة لإحالة أصحابها على جرائم المعلوماتية، لأن القدح والذم لا يدخلان في إطار الحرية الإعلامية ويعاقب عليهما القانون.
ويقول محامي مؤسسة "مهارات"، طوني مخايل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من يراقب التطورات الأخيرة على مستوى القرارات المرتبطة بالقطاع الإعلامي يجد بأنّ هناك حملة تقوم بها الحكومة لمواجهة الأخبار التي تُمسّ فيها كمجلس وزاري وتؤثر على سلامة النقد من وجهة نظرها".
ويلفت مخايل إلى أنّ قانون العقوبات اللبناني يعاقب كل جرم يمسّ بسلامة النقد من خلال نشر أخبار كاذبة أو ملفقة أو مضخمة وهذا أمر يحصل في كل دول العالم في إطار الأمن الاقتصادي والاجتماعي للحؤول دون المسّ بسيادة الدولة، ولكن هذه النصوص لا يمكن التوسع بها ونطاقها يجب أن يبقى محصوراً.
وشدّد المحامي على ضرورة التمييز بين آراء الناس وتعليقاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي يجب ألا يتم ملاحقتهم عليها وإلا نكون عندها أمام توسيع للمواد القانونية، وبين وسائل إعلامية تتقصّد الترويج لأخبار كاذبة تضرب الاقتصاد والسيادة وسلامة النقد، وهنا للقضاء التحرّك ضمن إطار عادل وموضوعي لا أن تكون الملاحقة تهدف إلى توقيف صحافي أو إقفال قناة تلفزيونية أو التهديد بسحب ترخيص تلفزيون إذا لم يغيّر خطه السياسي مثلاً، وبالتالي لا يمكن استغلال النصوص القانونية واستخدامها كنوع من الضغط بشكل يؤثر على عمل الصحافيين وحرية الرأي والتعبير.
وحول ملاحقة ناشري تدوينات تطاول مقام رئاسة الجمهورية، يشير محامي مؤسسة "مهارات" إلى أنّ رئيس الجمهورية يجب أن يكون عرضة لكل انتقاد، فهو بموقع مسؤولية يحتم عليه تقبّل جميع الآراء وإن كانت تهاجمه، ولا سيّما في ظلّ الأوضاع الراهنة والأزمات الخطيرة التي يعيشها لبنان، فلا يمكن القول للمواطنين الذين يمرّون بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية ونقدية ألا يهاجموا الرئيس.
"أما في حالة تأليف أخبار كاذبة والتداول بها على نطاق واسعٍ من قبل أشخاص مؤثرين"، يقول مخايل"، "فهنا من حق الرئيس الادعاء عليهم وبشكل شخصي ومباشر من دون أن يكلف النائب العام التمييزي أو أي جهة قضائية معرفة هوية ناشري التدوينات وتعقب منشوراتهم ففي هذه الحالة نصبح أمام دولة بوليسية".
وعن خطوة المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، يوضح مخايل أنّ سحب "العلم والخبر" هو إجراء غير قانوني، إذ لا صلاحية له على المواقع الإلكترونية لكنه وسع صلاحياته بهذا الشأن كما بات معروفاً. وبالتالي لا تأثير له على المواقع الإلكترونية لجهة تعطيل عملها أو إيقافها أو إقفال الموقع، ويبقى في إطار القرار الشكلي. علماً أنّه قد يحرم بعض المواقع في هذه الحالة من امتيازات هو يمنحها للمواقع التي رضخت له مثل بطاقات التعريف وحصانات تحول دون استدعاء أصحابها عشوائياً وغيرها.