12 اغسطس 2018
السلطة التونسية أمام الحراك الاجتماعي
شهدت تونس، في الفترة الأخيرة، حراكاً اجتماعيا قوياً على الصعيد الوطني، حيث بلغ عدد الاحتجاجات خلال شهر فبراير/ شباط الماضي 650 احتجاجاً في مختلف جهات الجمهورية، حسب ما أعلنه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي تأتي في سياق عام متقلب، نتيجة تزايد المطالبة بالتشغيل والتنمية في مقابل عجز الدولة عن إيجاد الحلول الكفيلة بالتقليص من الاحتجاجات والاعتصامات التي صارت خبزاً يومياً في الجهات الداخلية خاصة، مقابل انشغال الطبقة السياسية بخلافاتها وحساباتها الضيقة، وعدم تمكّن منظمات المجتمع المدني من تأطير الاحتجاجات التي اتسعت رقعتها، واحتدّت وتيرتها.
ولم تتوقف الاحتجاجات الاجتماعية، بل ازدادت ضراوةً في الأسبوعين الأولين من شهر أبريل/ نيسان الحالي، لا سيما بعد أن شهدت جزيرة قرقنة إضراباً عاماً، واجهته الحكومة التونسية بعنف، وبأعصاب منفلتة. ولم يكن تحرك جزيرة قرقنة الأخير، فبعدها انتفضت مدينة الكاف في إقليم الشمال الغربي، لتقرر الإضراب العام. وتنطلق كل هذه الاحتجاجات في المدن التونسية من مطلب رئيس، يتمثل في الحق في التشغيل، لكنها تنتهي بالمطالبة بالعدالة في توزيع الثروة.
هناك إجماع في تونس الآن على أن الحكومة تعاني من أخطاء في الاتصال، وعدم القدرة على الاستماع للسكان الغاضبين، من جزيرة قرقنة، موطن زعماء الحركة النقابية الخالدين، والتي هجرها أكثر من ثلاثة أرباع سكانها، وانتشروا في بلاد الله الواسعة، بحثاً عن حياة أفضل، ومن المدن التونسية الفقيرة، مثل الكاف وسيدي بوزيد والقصرين وغيرها التي كانت تعتقد أنها صنعت ثورةً لتغير واقعها، لكنها غرقت من جديد في التهميش والفوضى والبطالة وغياب المرافق.
ولا يزال المواطنون التونسيون في المحافظات المهمشة ينتفضون للمطالبة بحقهم في إقامة مشاريع جديدة للتنمية قادرة على استيعاب عشرات آلاف الشباب العاطلين عن العمل، في حين تلجأ الحكومة إلى الحل الأمني. ومن نقاط ضعف الحكومة التونسية أن الولاة الذين يقع انتدابهم لقيادة الولايات الفقيرة والمهمشة تاريخياً، يتم اختيارهم على أساس المحاصصة الحزبية، إضافة إلى التعيين على أساس المجاملات. وقد برهن كل الولاة على فشلهم في إدارة الأزمات وعجزهم على المبادرة والوصول إلى حلول لمواجهة موضوع التشغيل، كما عجزوا عن التواصل والتفاوض مع الغاضبين، والتعامل مع الواقع في الجهات... ولاةٌ كثيرون تنقصهم المعرفة بالملفات والقضايا ومعرفة بالتاريخ والجغرافيا، وهي عوامل محددة لفهم الواقع.
يصل القارئ الموضوعي لهذا الحراك الاجتماعي القوي في تونس إلى نتيجة محددة، هي أن جذره واحد، وهو اقتصاديٌّ اجتماعي بامتياز، ينبعث من هيمنة الشعور بالظلم، في ظل تفشي أزمة البطالة، لا سيما بطالة حاملي الشهادات الجامعية من الشبان، واستمرار الحكومة، برئاسة الحبيب الصيد، في انتهاج سياسة التهميش المتواصلة لفئة الشباب، والإجحاف في حق المحافظات والمناطق الفقيرة، والمحرومة تاريخيًا من الاستثمارات، ومن مشاريع التنمية، والذي صنعته الحكومات المتعاقبة في عهدي الرئيسين السابقين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية، ومختلف المنظمات الوطنية في اتجاه التخفيض من منسوب الاحتقان، يوحي المشهد العام، على ما يبدو، بمزيد من تأزم الوضع في ظل مؤشرات اقتصادية وسياسية وأمنية غير مطمئنة، ما ساهم في تأجيج الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات، ما يطرح سؤالاً عن حقيقة الحلول التي قدمتها مختلف الأطراف لمعالجة مشكلات التشغيل والتنمية التي تبقى المحرك الرئيسي للتحركات الاجتماعية. وتقف الدولة التونسية عاجزةً، في ظل غياب منوال تنمية جديد، ووجود طبقة سياسية فاسدة، ومرتهنة لخيار العولمة الليبرالية وإسقاطاتها المدمرة على الاقتصاد الوطني التونسي، الأمر الذي يجعل الفاعلين السياسيين المتنفذين في السلطة يبيعون الوهم للشعب التونسي، في عملية سطو ممنهجة على أحلام فئات مهمشة، تأملت خيراً في ثورة تغير واقعها، فقد قامت الأحزاب التي فازت في انتخابات خريف 2014، بتقاسم غنيمة السلطة والثروة، واستغلت أصوات المهمشين للدعاية السياسية، وأهملت مطالب الشعب، وابتعدت عن مناقشة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتفرغت لصراعات جانبية، الأمر الذي ولّد نوعاً من النقمة لدى الفئات المسحوقة والنتيجة الحتمية لهذا كله هو ما نعيشه اليوم من تصعيدٍ للاحتجاجات التي تزداد حدّتها من يوم إلى آخر.
تكمن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها تونس الآن في سوء توزيع الثروة، وغياب المشاريع الجديدة للتنمية في المحافظات الفقيرة، لا سيما أن الحكام الجدد، منذ حكومات الترويكا وحتى حكومة الحبيب الصيد الحالية، حولوا بنجاح ملحوظ المجتمع التونسي، وحتى الدولة، إلى هيكليات مفرغة من أسباب القوة ومتطلبات النهوض، بعدما تم تطهيرها من المقومات التي تتأسس بها المجتمعات والدول الحديثة، فالسلطة التونسية الجديدة لا تريد، ولا تستطيع تغيير معادلات واقع أقامته بشق الأنفس، وأسّست وجودها بكاملها عليه: وهي لا تريد، ولا تستطيع إجراء إصلاح راديكالي لأحوال المجتمع التونسي، لا سيما فيما يتعلق بمحاربة الفساد، وإقرار منوال جديد للتنمية، جراء فقدانها أي مشروع سياسي وطني وديمقراطي ومجتمعي، وبسبب التوازنات الشديدة الحساسية التي تنظم حركتها وعلاقاتها بها بين حزب نداء تونس وحركة النهضة، ما يجعلها مهددة في أي وقت بالانهيار، إن هي مسّت بها. فليس من مصلحة السلطة التونسية، إذاً، استبدال أي ركن من بنيانها، ولاسيما أن هذا كان على الدوام مصلحة غربية عليا، ومصلحة محلية في خدمة الرأسمالية الطفيلية.
ويتزايد عدد المعارضين من كل الأطياف السياسية المطالبين "بديمقراطية راديكالية" تحترم فيها دولة القانون، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، فقد ارتفعت الخطابات الاحتجاجية الصارمة، في الآونة الأخيرة، عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحاكمات السياسية للصحافيين، وأعلنت قوى سياسية عديدة، لا سيما الجبهة الشعبية ذات الطابع اليساري والقومي، عن عدم رضاها عن الأوضاع القائمة، بلغةٍ سياسية قوية، حين هاجمت الحكومة التونسية، واعتبرتها المسؤولة عن حالة الاحتقان الاجتماعي التي تعاني منها البلاد، ودعتها إلى انتهاج خيار اقتصادي جديد عاجل، قبل أن تقع في البلاد انفجارات غير محمودة العواقب، بسبب الاحتقان الشديد بين السلطة والفئات الاجتماعية الفقيرة، والتي تعاني من التهميش، ومن غياب المشاريع التنموية في محافظاتها.
وتعتقد المعارضة الديمقراطية، ومعها النقابات العمالية، أن الوقت حان لإدخال إصلاح ديمقراطي راديكالي على الدولة التونسية، يتطلب أسلوباً سياسياً جديداً ومستعجلاً، في وقت غدت فيه المجتمعات المتقدمة تخضع لظاهرةٍ لا عهد للمجتمعات بها، إنها الثورات الثلاث: التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية وما أحدثته من تغيرات جذرية. فقد أحدثت ثورتا الإعلام والاقتصاد أزمة في مفهوم السلطة، فبعدما كانت الأخيرة، حتى عهد قريب، عمودية أبوية، مهيمنة على المجتمع المدني، أخذت اليوم تزداد أفقية، طبقاً لتركيب شبكي وتوافقي، وفي ذلك تغيير جذري لهوية السلطة وممارساتها.
ولم تتوقف الاحتجاجات الاجتماعية، بل ازدادت ضراوةً في الأسبوعين الأولين من شهر أبريل/ نيسان الحالي، لا سيما بعد أن شهدت جزيرة قرقنة إضراباً عاماً، واجهته الحكومة التونسية بعنف، وبأعصاب منفلتة. ولم يكن تحرك جزيرة قرقنة الأخير، فبعدها انتفضت مدينة الكاف في إقليم الشمال الغربي، لتقرر الإضراب العام. وتنطلق كل هذه الاحتجاجات في المدن التونسية من مطلب رئيس، يتمثل في الحق في التشغيل، لكنها تنتهي بالمطالبة بالعدالة في توزيع الثروة.
هناك إجماع في تونس الآن على أن الحكومة تعاني من أخطاء في الاتصال، وعدم القدرة على الاستماع للسكان الغاضبين، من جزيرة قرقنة، موطن زعماء الحركة النقابية الخالدين، والتي هجرها أكثر من ثلاثة أرباع سكانها، وانتشروا في بلاد الله الواسعة، بحثاً عن حياة أفضل، ومن المدن التونسية الفقيرة، مثل الكاف وسيدي بوزيد والقصرين وغيرها التي كانت تعتقد أنها صنعت ثورةً لتغير واقعها، لكنها غرقت من جديد في التهميش والفوضى والبطالة وغياب المرافق.
ولا يزال المواطنون التونسيون في المحافظات المهمشة ينتفضون للمطالبة بحقهم في إقامة مشاريع جديدة للتنمية قادرة على استيعاب عشرات آلاف الشباب العاطلين عن العمل، في حين تلجأ الحكومة إلى الحل الأمني. ومن نقاط ضعف الحكومة التونسية أن الولاة الذين يقع انتدابهم لقيادة الولايات الفقيرة والمهمشة تاريخياً، يتم اختيارهم على أساس المحاصصة الحزبية، إضافة إلى التعيين على أساس المجاملات. وقد برهن كل الولاة على فشلهم في إدارة الأزمات وعجزهم على المبادرة والوصول إلى حلول لمواجهة موضوع التشغيل، كما عجزوا عن التواصل والتفاوض مع الغاضبين، والتعامل مع الواقع في الجهات... ولاةٌ كثيرون تنقصهم المعرفة بالملفات والقضايا ومعرفة بالتاريخ والجغرافيا، وهي عوامل محددة لفهم الواقع.
يصل القارئ الموضوعي لهذا الحراك الاجتماعي القوي في تونس إلى نتيجة محددة، هي أن جذره واحد، وهو اقتصاديٌّ اجتماعي بامتياز، ينبعث من هيمنة الشعور بالظلم، في ظل تفشي أزمة البطالة، لا سيما بطالة حاملي الشهادات الجامعية من الشبان، واستمرار الحكومة، برئاسة الحبيب الصيد، في انتهاج سياسة التهميش المتواصلة لفئة الشباب، والإجحاف في حق المحافظات والمناطق الفقيرة، والمحرومة تاريخيًا من الاستثمارات، ومن مشاريع التنمية، والذي صنعته الحكومات المتعاقبة في عهدي الرئيسين السابقين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية، ومختلف المنظمات الوطنية في اتجاه التخفيض من منسوب الاحتقان، يوحي المشهد العام، على ما يبدو، بمزيد من تأزم الوضع في ظل مؤشرات اقتصادية وسياسية وأمنية غير مطمئنة، ما ساهم في تأجيج الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات، ما يطرح سؤالاً عن حقيقة الحلول التي قدمتها مختلف الأطراف لمعالجة مشكلات التشغيل والتنمية التي تبقى المحرك الرئيسي للتحركات الاجتماعية. وتقف الدولة التونسية عاجزةً، في ظل غياب منوال تنمية جديد، ووجود طبقة سياسية فاسدة، ومرتهنة لخيار العولمة الليبرالية وإسقاطاتها المدمرة على الاقتصاد الوطني التونسي، الأمر الذي يجعل الفاعلين السياسيين المتنفذين في السلطة يبيعون الوهم للشعب التونسي، في عملية سطو ممنهجة على أحلام فئات مهمشة، تأملت خيراً في ثورة تغير واقعها، فقد قامت الأحزاب التي فازت في انتخابات خريف 2014، بتقاسم غنيمة السلطة والثروة، واستغلت أصوات المهمشين للدعاية السياسية، وأهملت مطالب الشعب، وابتعدت عن مناقشة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتفرغت لصراعات جانبية، الأمر الذي ولّد نوعاً من النقمة لدى الفئات المسحوقة والنتيجة الحتمية لهذا كله هو ما نعيشه اليوم من تصعيدٍ للاحتجاجات التي تزداد حدّتها من يوم إلى آخر.
تكمن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها تونس الآن في سوء توزيع الثروة، وغياب المشاريع الجديدة للتنمية في المحافظات الفقيرة، لا سيما أن الحكام الجدد، منذ حكومات الترويكا وحتى حكومة الحبيب الصيد الحالية، حولوا بنجاح ملحوظ المجتمع التونسي، وحتى الدولة، إلى هيكليات مفرغة من أسباب القوة ومتطلبات النهوض، بعدما تم تطهيرها من المقومات التي تتأسس بها المجتمعات والدول الحديثة، فالسلطة التونسية الجديدة لا تريد، ولا تستطيع تغيير معادلات واقع أقامته بشق الأنفس، وأسّست وجودها بكاملها عليه: وهي لا تريد، ولا تستطيع إجراء إصلاح راديكالي لأحوال المجتمع التونسي، لا سيما فيما يتعلق بمحاربة الفساد، وإقرار منوال جديد للتنمية، جراء فقدانها أي مشروع سياسي وطني وديمقراطي ومجتمعي، وبسبب التوازنات الشديدة الحساسية التي تنظم حركتها وعلاقاتها بها بين حزب نداء تونس وحركة النهضة، ما يجعلها مهددة في أي وقت بالانهيار، إن هي مسّت بها. فليس من مصلحة السلطة التونسية، إذاً، استبدال أي ركن من بنيانها، ولاسيما أن هذا كان على الدوام مصلحة غربية عليا، ومصلحة محلية في خدمة الرأسمالية الطفيلية.
ويتزايد عدد المعارضين من كل الأطياف السياسية المطالبين "بديمقراطية راديكالية" تحترم فيها دولة القانون، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، فقد ارتفعت الخطابات الاحتجاجية الصارمة، في الآونة الأخيرة، عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحاكمات السياسية للصحافيين، وأعلنت قوى سياسية عديدة، لا سيما الجبهة الشعبية ذات الطابع اليساري والقومي، عن عدم رضاها عن الأوضاع القائمة، بلغةٍ سياسية قوية، حين هاجمت الحكومة التونسية، واعتبرتها المسؤولة عن حالة الاحتقان الاجتماعي التي تعاني منها البلاد، ودعتها إلى انتهاج خيار اقتصادي جديد عاجل، قبل أن تقع في البلاد انفجارات غير محمودة العواقب، بسبب الاحتقان الشديد بين السلطة والفئات الاجتماعية الفقيرة، والتي تعاني من التهميش، ومن غياب المشاريع التنموية في محافظاتها.
وتعتقد المعارضة الديمقراطية، ومعها النقابات العمالية، أن الوقت حان لإدخال إصلاح ديمقراطي راديكالي على الدولة التونسية، يتطلب أسلوباً سياسياً جديداً ومستعجلاً، في وقت غدت فيه المجتمعات المتقدمة تخضع لظاهرةٍ لا عهد للمجتمعات بها، إنها الثورات الثلاث: التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية وما أحدثته من تغيرات جذرية. فقد أحدثت ثورتا الإعلام والاقتصاد أزمة في مفهوم السلطة، فبعدما كانت الأخيرة، حتى عهد قريب، عمودية أبوية، مهيمنة على المجتمع المدني، أخذت اليوم تزداد أفقية، طبقاً لتركيب شبكي وتوافقي، وفي ذلك تغيير جذري لهوية السلطة وممارساتها.