فيما بدأت قرية دافوس الصغيرة في جبال الألب بسويسرا تتزين لاستقبال المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي الذي سيبدأ أعماله يوم الثلاثاء المقبل، تتراكم مجموعة من التحديات في سماء الاقتصاد العالمي، الذي بدأ العام الجديد بأكبر هبوط في البورصات العالمية منذ أزمة المال العالمية في العام 2007.
ورغم أنه لم يعلن حتى الآن إلا عن أسماء قليلة من رجالات السياسة والمال الذين سيحضرون منتدى العام الجاري، غير أن المتوقع أن يحضر المنتدى كبار الشخصيات من أميركا والصين وأوروبا ورجالات أعمال من الوزن الثقيل من أمثال بيل غيتس وجورج سورس وآخرين.
وحسب أجندة دافوس لهذا العام وتقرير المخاطر، الذي سيكون مدار النقاشات خلال الأسبوع الحالي، فإن قضايا تدهور الاقتصاد الصيني وتداعياته على الاقتصاد العالمي وتفاقم فقاعة الموجودات وعلى رأسها "فقاعة السندات"، إضافة إلى انهيار أسعار السلع وعلى رأسها النفط وتداعياته على أسواق المال ستكون في مقدمة جدول الأعمال.
وعلى الصعيد السياسي، تناول تقرير المخاطر الصادر أمس عن المنتدى الاقتصادي الدولي، أربعة مخاطر رئيسية، وهي الهجرات الجماعية القسرية من أفريقيا والدول العربية إلى أوروبا، والتي تحدث بسبب انهيار الدولة المركزية وما يتبعها من أزمات.
وهذا يحدث حالياً في سورية وليبيا وإلى حد ما في العراق. أما الخطر الثاني فهو النزاعات الحدودية بين دول العالم، كما هو حادث بين الصين واليابان ودول جنوب شرقي آسيا بشأن المياه الإقليمية وبعض الجزر.
أما الخطر الثالث، فهو فشل الحكم الوطني، وتراجع الدولة المركزية وسط النزاعات الطائفية والدينية. وذلك إلى جانب قضايا عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط بالتركيز على تنظيم الدولة "داعش"، وقضايا التغير المناخي وانعكاساته على الاقتصاد والجغرافيا.
فقاعة الديون
على الصعيد المالي، من المتوقع أن تأخذ قضايا فقاعة "سندات الديون" التي تم تجاهلها لفترة طويلة في سبيل دفع الاقتصادات العالمية نحو النمو، حيزاً كبيراً من نقاشات دافوس العام الجاري.
ويرى خبراء أن تراكم الديون على المستويين، القومي، ديون الدول، وعلى مستوى القطاع الخاص ديون الشركات، يشكل مشكلة حقيقية بالنسبة للاقتصاد العالمي، ولكنها ظلت طي الكتمان لفترة طويلة.
ويقدر حجم سندات الديون في أنحاء العالم بحوالى 100 ترليون دولار. ويلاحظ أن هذه السندات، خاصة الفاسدة منها كانت السبب في أزمة المال العالمية في العام 2007. وذلك حينما فشلت المصارف الاستثمارية بتغطية التزاماتها وأدى هذا الفشل تلقائياً إلى إفلاس مصرف "ليمان برازرس".
وكان يمكن أن يمتد الإفلاس إلى النظام المصرفي بأكمله، لولا تدخل مصرف الاحتياط الفدرالي "المصرف المركزي الأميركي"، ومد خطوط الائتمان إلى جميع المصارف الأميركية والغربية وشراء الموجودات الفاسدة من سندات الدين المتراكمة لدى المصارف الأميركية.
وحسب تقرير أميركي، صدر أخيراً بناء على طلب من بعض أعضاء الكونغرس، فإن مصرف الاحتياط الفدرالي أنفق 16 ترليون دولار لإخراج المصارف والشركات العالمية من براثن الإفلاس.
اقرأ أيضاً: مصرف بريطاني لعملائه: بيعوا كل شيء عدا السندات
وفي السياق ذاته، يشير تقرير أميركي صدر أخيراً إلى أن حجم سندات الدين العالمية ومنذ أزمة المال تضخم بحوالى 20 ترليون دولار، أي من 80 ترليون دولار في عام 2008 إلى 100 ترليون دولار بنهاية 2015.
ويرى خبراء أن المصارف المركزية العالمية، لم تحل أزمة المال العالمية وإنما تحايلت عليها عبر "طباعة الأوراق النقدية"، وضخها في النظام المصرفي.
ويقول اقتصاديون "لقد كان أمام المصارف المركزية العالمية خيارين للتعامل مع أزمة المال، وهما: إما أن تترك الشركات والمصارف غير القادرة على تسديد التزاماتها للإفلاس، وهو المنطق الرأسمالي في صراع البقاء للأقوى، ومواجهة سنوات من الكساد الاقتصادي، وإما أن تتدخل عبر حيل "التحفيز الكمي"، بضخ دولارات غير محصلة عن إنتاج فعلي.
وفعلاً اختارت المصارف المركزية الخيار الثاني، حيث عمدت إلى خفض نسبة الفائدة المصرفية إلى قرابة الصفر حتى تتمكن من تقليل خدمة الديون الحكومية وديون الشركات الكبرى المصدرة في شكل "سندات دين".
وثانياً عمدت إلى برامج التحفيز الكمي وبرامج أخرى لخفض قيمة ريع السندات، وعودة الجاذبية إلى سوق السندات من قبل المستثمرين.
وحتى الآن نجحت المصارف المركزية الكبرى في إدارة دفة الاقتصاد العالمي بعيداً عن كارثة الفساد. ويقدر خبراء أن 50% من السندات التي أصدرتها الشركات الدولية هي عبارة عما وصفوه بـ "سندات خردة"، أي أنها تقل كثيراً عن القيمة المصدرة بها.
ولذلك يعتقد خبراء أن الاستثمارات التي وضعت في الذهب والعقارات هي الاستثمارات الوحيدة الناجحة، مقارنة مع الاستثمارات التي وضعت في سندات الشركات العالمية.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي، البرت إدواردس، أن العالم لم يخرج بعد من أزمة المال العالمية، وأن الهزات التي شهدتها أخيراً أسواق المال، ما هي إلا نتيجة لسياسات التحفيز التي رفعت من معدل الاستدانة وأبقت على مشاكل البطالة.
وفي دافوس 2016 ستكون مشكلة البطالة وتحديات خلق وظائف جديدة، أحد نقاط النقاش الرئيسية، حيث أوردها تقرير المخاطر.
وحتى الآن يعتمد دفع النمو العالمي على الاقتصاد الأميركي الذي أبدى مؤشرات على النمو وبنسبة قد تفوق 3.5%. ولكن هنالك مخاوف من انعكاس أزمة الصين على النمو العالمي، وألا يتمكن الاقتصاد الأميركي من خلق الوظائف الكافية لتقليل حجم الاستدانة خلال العام الجاري.
وتعد أميركا من أهم الدول في تحريك التجارة الدولية حيث تفوق أسواقها الاستهلاكية 10 ترليونات دولار في العام.
اقرأ أيضاً:
مساع لوقف نزيف النفط.. والأسعار نحو 30 دولاراً
أزمة اقتصاد عابرة أم انهيار شامل وشيك؟