ويُعد الحكم الأول من نوعه منذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير، في ملفات قتل المحتجين والمتظاهرين أثناء الثورة السودانية، التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وأسقطت النظام في إبريل/نيسان الماضي.
ووقعت الحادثة بعد نحو شهر ونصف من اندلاع التظاهرات، إذ ألقت قوة أمنية القبض على معلم الثانوية أحمد الخير عوض الكريم، في مدينة خشم القربة، في 31 يناير/كانون الثاني، بادعاء مشاركته وقيادته للتظاهرات في المدينة، وعرضته القوة الأمنية في اليوم التالي لتعذيب أدى إلى وفاته أثناء ترحيله مع مجموعة من المعتقلين من خشم القربة إلى مدينة كسلا، مركز ولاية كسلا.
وبعد سقوط نظام البشير، تم رفع الحصانة عن 38 ضابطاً وفرداً قُدموا لمحاكمة استمرت لمدة 5 أشهر.
ورفض القاضي الدفوعات التي تقدم بها المتهمون بأداء الواجب، لأنه حتى قانون الأمن الوطني يمنع تعريض أي معتقل للتعذيب ويحرم انتهاك كرامته، منوهاً إلى أن المتهمين لم يستفيدوا من أي استثناءات واردة في القوانين السودانية.
وبعدما أصدر القاضي حكم الإدانة، خيّر أسرة المعلم القتيل بين العفو والقصاص، فاختار شقيقه نيابة عن الأسرة القصاص، ليصدر القاضي حكمه بإعدام 27 من المتهمين وبراءة 7 آخرين والسجن على البقية.
من جهة أخرى قال جهاز المخابرات السوداني إنه سيتواصل مع الأسرة ويطلب منها العفو عن العناصر الـ29 المحكوم عليهم.
وذكر الجهاز في بيان أصدره بعد ساعات من الحكم القضائي أنه ظل يتابع إجراءات محاكمة عدد من منتسبيه في قضية المعلم أحمد الخير منذ الوهلة الأولى من التقاضي وصولاً لنطق المحكمة بالحكم.
وأكد الجهاز احترامه للمحكمة ولأحكامها التي صدرت بحق عدد من منتسبيه، مبيناً أنه سيواصل دفاعه عنهم "عبر الأطر القانونية فيما هو متاح له من إجراءات في مختلف مستويات التقاضي وفقًا للقانون، مع التواصل مع أولياء دم الشهيد ومع أسر المحكومين".
من جهة أخرى، رحب تجمع المهنيين السودانيين بحكم المحكمة، وقال في بيان اليوم إنه وبموجب ذلك الحكم "تكون الثورة قد أوفت دينها للشهداء مرةً أولى تتبعها مرات بقدر عدد الشهداء"، مؤكداً أن يد المحاسبة "ستطاول من جعلوا من التعذيب وسحل المخالفين نظامًا وعقيدة، ووفروا لهم الحماية والصولجان، وليس فقط المنفذين والباطشين الصغار".
وأضاف البيان أن "الحكم يعيد المهنية العالية للقضاء، وشفافية ونزاهة المحاكمة".
من جانبه، قال محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة الانتقالي، إن "ما تم في مُحاكمة قتلة المعلم الشهيد أحمد الخير، يُجدِّد ثقة الشعب السوداني في مؤسساته العدلية، والقصاص هو مطلبُ الثورة العادل، وتحقيقه هو واجبنا جميعاً في مختلف قطاعات الشعب ومؤسساته".
وأضاف في منشور على صفحته في "فيسبوك" أن "الخراب الذي أحدثه النظام البائد في مناحي الحياة كافة، لم يقتل الإيمان بالقدرة على الإصلاح والمضي في طريق العدالة والحرية"، مبيناً أن "الحفاظ على مؤسسات القضاء والجيش والشرطة والأمن، ورفدها بالكوادر المسلحة بالوطنية هما السبيل الأوحد لحماية البلاد والفترة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات".
وكان آلاف السودانيين قد تجمعوا أمام مقر المحكمة مطالبين بـ"القصاص للشهيد وكل شهداء الثورة"، وجرت المحاكمة وسط إجراءات أمنية مشددة، إذ انتشرت قوات الشرطة والجيش في شوارع قريبة من المحكمة، فيما تتواصل التظاهرات المؤيدة للحكم أمام مقر المحكمة بمدينة أم درمان.