24 يوليو 2024
السودان.. هل حان أوان التغيير؟
استقبلت شرائح من السودانيين بمزيج من غبطة وحيرة قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدهم منذ عقدين، واستقبلته غالبية بسلبية وترقب، لما قد تسفر عنه التطورات السياسية والاقتصادية الداخلية. واكتفى هؤلاء بالتعبير بسيلٍ من السخرية والصور التي تزدري الأفكار الساذجة التي تروجها أوساط مرتبطة بحزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، والتي أبدت شهية وشراهة، وحصرت الأمر في إغراق السوق بمنتجات الثقافة الاستهلاكية الأميركية. وفي واقع الأمر، حمل القرار الأميركي معه أسئلة تتعلق بغموض المبرّرات التي قادت إلى رفع العقوبات عن السودان، ومنها طبيعة التعاون الأمني الذي أبدته الخرطوم، بحيث أصبح معيارا مرجحا في ميزان رفع العقوبات. وما هي حقيقة الدور الاستثنائي الذي لعبه السودان في مكافحة الإرهاب، والحال هكذا يصعب فهم مبرّرات إبقاء واشنطن الرئيس السوداني عمر البشير وبلاده في قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ وحقيقة، ما صاغته الإدارة الأميركية مسببات لرفع العقوبات لا يقنع أحدا، حتى بعد الإضافة الجديدة، والمتعلقة بتعاون السودان، ووقفه تجارة السلاح مع كوريا الشمالية، والتي لا يعرف أحد حقيقة حجمها المبهم.
ثمّة حيثيات غريبة لرفع الحصار، فالحرب في المناطق الثلاث، دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، لم تنته، لكنه الإرهاق الذي نال من كل الأطراف، وهو ما جعل حرب المتعبين تتوقف، ريثما يأخذ كل طرفٍ قسطه من الراحة، فلا الحكومة يمكنها الادعاء بأنها
حققت نصرا مبينا على حركات دارفور المسلحة، ولا حركات دارفور تجد حرية الحركة في الإقليم، في ظل المتغيرات في دول الجوار الإقليمي من ليبيا وتشاد وجنوب السودان. وليس أدل على استمرار هيمنة جو الحرب والقتال من عجز الرئيس، عمر البشير، في زيارته أخيرا دارفور، عن الدخول إلى معسكر كلمة، حيث العدد الأكبر من النازحين، والذي بات الرمز الأبرز لمعاناة دارفور والحرب هناك. تنطبق حالة التعب نفسها على الحركة الشعبية في مناطق جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، والتي تلهث في سبيل تجميع أطرافها التي تناثرت بفعل الخلافات. وليس ملف حقوق الإنسان بأحسن حالا من أوضاع الحرب في الأقاليم، في ظل سوء أوضاع حقوق الإنسان وغياب الحريات وتواصل قمع المعارضين، والحجر على القوى السياسية من ممارسة أدنى الحقوق السياسية، وتسييس للقضاء، وحرية الصحافة المضيعة وغيرها.
والآن، حينما يفرح عامة الناس، تزداد الحيرة، ويطرح السؤال الكبير نفسه: علامَ الفرحة الكبرى علاما؟ ويمكن التمييز بوضوح بين شعورين طاغيين في مفاصل المجتمع السوداني، ونظرته إلى رفع العقوبات، فغالبية عظمى من الناس تتابع، بفضول، ما إذا كانت الحكومة التي يسيطر عليها حزب واحد منذ انقلاب 1989 سوف ترفع عقوباتها المفروضة على الشعب السوداني طوال ثلاثة عقود. وهذه، في اعتقاد صاحب هذه السطور، العقوبات الحقيقية التي ألحقت أبلغ الأضرار بالسودان وشعبه أكثر من أي عقوبة متخيلة. ومن هنا، يبدر السؤال الأهم بشأن ما الذي تنوي الحكومة فعله تجاه شعبها السوداني الآن. وفي هذه اللحظة، بعد أن أزيلت شماعة العقاب الأميركية؟ والمؤكد أن رفع العقوبات الأميركية سوف يجلب معه أسئلة سياسية مباشرة للحكومة بشأن مستقبل مسار الحكم في السودان.
أما مشاعر الفرحة العارمة وسط مؤيدي حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، فتذكّر بما فعله العقيد معمر القذافي في ليبيا، عندما اعتذر عن الكتاب الأخضر، وأعلى من شأن اقتصاد السوق، واعتذر عن شعاراته الجماهيرية التي طالما سادت عقودا. الآن، تبشر الحكومة بمرحلة جديدة تعتذر فيها عن شعارات "الموت لأميركا" .. و"أميركا التي دنا عذابها"، وإطلاق أحلام مجنحة بتوكيلات الشركات الجديدة ومطاعم الوجبات الأميركية السريعة. وربما يعتذر الرئيس البشير عن إهاناته العلنية لأميركا وبريطانيا وكل الدول الغربية "تحت جزمتي"، أو عن عبارته في مدينة القضاف شرق السودان "لو أميركا رضت علينا معناها نحنا فارقنا الشريعة والدين".
ومهما كان، لا يجب ان نحمل أية أوهام كبيرة بتغير في الأوضاع الاقتصادية، طالما بقي شكل
الحكم في السودان على حاله، فالطريق المفضي إلى التغيير يمر عبر بسط الحريات، ورفع يد النظام الشمولي الثقيلة التي ما خلفت على أرض السودان سوى أوهام زائفة ومستنقعات من الفساد، تقضي بإزاحة رموز الفساد التي أوقفت عجلة الحياة عن دورانها الطبيعي في السودان.
وربما كان هناك ما يستدعي التفاؤل في تحول اقتصادي مرتجى، لو أن الدولة اهتمت أصلا بتدوير عجلة الإنتاج المحلي، وفقا لرؤية وتخطيط سديدين، لكن ما حدث عمليا، طوال سنوات العقوبات، أن ساد الإهمال الشديد، والذي انتهى إلى تعطل العملية الإنتاجية في أكثر من قطاع، في الزراعة أو الصناعة أو على صعيد البنيات التحتية التي تدهورت وبشدة. ولم تتحرك الحكومة لمواجهة الحصار بإيجاد بدائل محلية لإنعاش الاقتصاد في بلد قارة كالسودان، بل ما حدث هو أن الدولة جعلت من العقوبات شماعةً تعلق عليها خيباتها، وما أكثرها.
ولذا، ليس مهما هنا ما جاءت به صحيفة المبرّرات الأميركية لرفع العقوبات، إنما المهم هو كيف ستعيد الحكومة جسر علاقات الحكم الطبيعي وإعادة السودان إلى مصاف الدول الطبيعية. والمسار الطبيعي المعني إذا ما توفرت الإرادة للتغير الحقيقي في مصلحة الشعب التعجيل بإنهاء شكل الحكم السياسي القائم والنظام الشمولي، وإشراك القوى السياسية المختلفة، وفك احتكار حزب المؤتمر الوطني، وعلى نطاق أكثر شمولا، فك احتكار القوى الإسلامية، بمختلف تشكيلاتها، مقاليد السلطة في البلاد.
والخلاصة هنا أن الشعب الذي سخر وضحك وأعطى تفسيراتٍ، لها دلالات عميقة لرؤيته معنى رفع العقوبات الأميركية عن السودان، لا يرى أملا في نجاة وتغير في الحال، طالما سادت النظرة الساذجة التي تروّجها دوائر الحكومة أن السماء ستمطر استثماراتٍ، وستضخ العملات إلى شرايين البنوك السودانية المتكلسة. ولا تلوح أية إشارات اليوم إلى أن الشعب سيفهم شيئا مما جرى، لأن المسؤولين يتعاملون وفقا لنظرةٍ تقول إن أمر التفاوض شأن أكثر سموا من أن تستوعبه عقول الشعب البائسة.
ثمّة حيثيات غريبة لرفع الحصار، فالحرب في المناطق الثلاث، دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، لم تنته، لكنه الإرهاق الذي نال من كل الأطراف، وهو ما جعل حرب المتعبين تتوقف، ريثما يأخذ كل طرفٍ قسطه من الراحة، فلا الحكومة يمكنها الادعاء بأنها
والآن، حينما يفرح عامة الناس، تزداد الحيرة، ويطرح السؤال الكبير نفسه: علامَ الفرحة الكبرى علاما؟ ويمكن التمييز بوضوح بين شعورين طاغيين في مفاصل المجتمع السوداني، ونظرته إلى رفع العقوبات، فغالبية عظمى من الناس تتابع، بفضول، ما إذا كانت الحكومة التي يسيطر عليها حزب واحد منذ انقلاب 1989 سوف ترفع عقوباتها المفروضة على الشعب السوداني طوال ثلاثة عقود. وهذه، في اعتقاد صاحب هذه السطور، العقوبات الحقيقية التي ألحقت أبلغ الأضرار بالسودان وشعبه أكثر من أي عقوبة متخيلة. ومن هنا، يبدر السؤال الأهم بشأن ما الذي تنوي الحكومة فعله تجاه شعبها السوداني الآن. وفي هذه اللحظة، بعد أن أزيلت شماعة العقاب الأميركية؟ والمؤكد أن رفع العقوبات الأميركية سوف يجلب معه أسئلة سياسية مباشرة للحكومة بشأن مستقبل مسار الحكم في السودان.
أما مشاعر الفرحة العارمة وسط مؤيدي حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، فتذكّر بما فعله العقيد معمر القذافي في ليبيا، عندما اعتذر عن الكتاب الأخضر، وأعلى من شأن اقتصاد السوق، واعتذر عن شعاراته الجماهيرية التي طالما سادت عقودا. الآن، تبشر الحكومة بمرحلة جديدة تعتذر فيها عن شعارات "الموت لأميركا" .. و"أميركا التي دنا عذابها"، وإطلاق أحلام مجنحة بتوكيلات الشركات الجديدة ومطاعم الوجبات الأميركية السريعة. وربما يعتذر الرئيس البشير عن إهاناته العلنية لأميركا وبريطانيا وكل الدول الغربية "تحت جزمتي"، أو عن عبارته في مدينة القضاف شرق السودان "لو أميركا رضت علينا معناها نحنا فارقنا الشريعة والدين".
ومهما كان، لا يجب ان نحمل أية أوهام كبيرة بتغير في الأوضاع الاقتصادية، طالما بقي شكل
وربما كان هناك ما يستدعي التفاؤل في تحول اقتصادي مرتجى، لو أن الدولة اهتمت أصلا بتدوير عجلة الإنتاج المحلي، وفقا لرؤية وتخطيط سديدين، لكن ما حدث عمليا، طوال سنوات العقوبات، أن ساد الإهمال الشديد، والذي انتهى إلى تعطل العملية الإنتاجية في أكثر من قطاع، في الزراعة أو الصناعة أو على صعيد البنيات التحتية التي تدهورت وبشدة. ولم تتحرك الحكومة لمواجهة الحصار بإيجاد بدائل محلية لإنعاش الاقتصاد في بلد قارة كالسودان، بل ما حدث هو أن الدولة جعلت من العقوبات شماعةً تعلق عليها خيباتها، وما أكثرها.
ولذا، ليس مهما هنا ما جاءت به صحيفة المبرّرات الأميركية لرفع العقوبات، إنما المهم هو كيف ستعيد الحكومة جسر علاقات الحكم الطبيعي وإعادة السودان إلى مصاف الدول الطبيعية. والمسار الطبيعي المعني إذا ما توفرت الإرادة للتغير الحقيقي في مصلحة الشعب التعجيل بإنهاء شكل الحكم السياسي القائم والنظام الشمولي، وإشراك القوى السياسية المختلفة، وفك احتكار حزب المؤتمر الوطني، وعلى نطاق أكثر شمولا، فك احتكار القوى الإسلامية، بمختلف تشكيلاتها، مقاليد السلطة في البلاد.
والخلاصة هنا أن الشعب الذي سخر وضحك وأعطى تفسيراتٍ، لها دلالات عميقة لرؤيته معنى رفع العقوبات الأميركية عن السودان، لا يرى أملا في نجاة وتغير في الحال، طالما سادت النظرة الساذجة التي تروّجها دوائر الحكومة أن السماء ستمطر استثماراتٍ، وستضخ العملات إلى شرايين البنوك السودانية المتكلسة. ولا تلوح أية إشارات اليوم إلى أن الشعب سيفهم شيئا مما جرى، لأن المسؤولين يتعاملون وفقا لنظرةٍ تقول إن أمر التفاوض شأن أكثر سموا من أن تستوعبه عقول الشعب البائسة.