وتتهم الخرطوم جوبا، بدعم وإيواء حركة "العدل والمساواة"، التي تقاتل الحكومة في إقليم دارفور، فضلاً عن "الحركة الشعبية- قطاع الشمال"، التي تخوض حرباً أهلية في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وهو اتهام ظلت تكرره الخرطوم منذ انفصال الجنوب قبل ثلاثة أعوام.
وكانت العلاقة بين البلدين قد هدأت في الفترة السابقة، بعد أزمة حادة، كادت أن تقودهما إلى حرب شاملة في عام 2012، عندما احتلت جوبا منطقة هجليلج، وهي منطقة حدودية متنازع عليها. اتخذ وقتها الطرفان قرارات تصعيدية، أغلقت خلالها الخرطوم خطوط تصدير النفط الآتية من جوبا، 16 شهراً، قبل أن تنجح المساعي الإقليمية والدولية في إقناع الطرفين بتوقيع "اتفاق تعاون" في 27 سبتمبر/أيلول 2012. واعتبرت جوبا تهديدات الخرطوم باقتحام أراضيها لملاحقة المتمردين ضدها، بمثابة "إعلان حرب"، وأكدت أنها ستتعامل مع تلك التهديدات بجدية.
وحددت الخرطوم منطقتي خور شمام وديم جلاد، في ولاية بحر الغزال الجنوبية، كموقعين لتواجد معسكرات حركة "العدل والمساواة" الدارفورية، تنطلق منهما لشنّ هجمات ضد المواقع الحكومية في إقليم دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وتعتبرهما الخرطوم، بمثابة موقعين استراتيجيين لإمداد الحركة في عملياتها العسكرية داخل السودان.
وعلمت "العربي الجديد"، أن الآلية الأفريقية، رفيعة المستوى، بقيادة ثامبو أمبيكي، تقود تحركات مكوكية، من أجل احتواء توتر العلاقات بين البلدين، والحدّ من أي تطورات، من شأنها إعادة البلدين إلى مربع الحرب.
وذكرت مصادر متابعة، أن "الآلية أجرت اتصالات بالخرطوم وجوبا، من أجل تهدئة الوضع، ومطالبة الطرفين بعقد اجتماع طارئ للجنة الأمنية السياسية المشتركة، التي يرأسها وزيرا دفاع البلدين، في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني المقبل".
وظلّ مدير الأمن والاستخبارات السوداني، محمد عطا، يحذّر جوبا طيلة الأسبوع الماضي، إلى أن أعلن، يوم الأربعاء، أن "الخرطوم ستعتبر أي تحركات عدائية لحركة العدل والمساواة والمجموعات المسلحة السودانية الأخرى، التي تنطلق من الأراضي الجنوبية، بمثابة اعتداء من دولة جنوب السودان". قبل أن يقترح على جوبا، تجريد الحركات السودانية على أرضها من السلاح، باعتباره حلاً مرضياً.
غير أن المتحدث الرسمي باسم الجيش الجنوبي، فيليب أقوير، نفى تماماً وجود أي حركات سودانية مسلّحة في الأراضي الجنوبية. واعتبر الاتهام "ذريعة من الخرطوم، من أجل تبرير الحرب على بلاده وانتهاك سيادتها. واتهمها بدعم المعارضة المسلّحة الجنوبية، بزعامة نائب الرئيس الجنوبي المقال، رياك مشار، الذي يقاتل جوبا حالياً". وأكد أقوير استعداد جوبا للحرب، قبل أن يكرر اتهام الخرطوم بدعمها مشار. وقال إن "لديهم معلومات عن إقدام الخرطوم على ترحيل قوات مشار من مواقع مختلفة في السودان، نحو مسارح العمليات في بلاده".
ويخشى المراقبون من أن يدفع التصعيد الإعلامي الأخير البلدين نحو الحرب، وأن يعيد الأوضاع إلى مربّع التوتر، وأن يقود أحد الأطراف إلى وقف ضخ وتصدير النفط الجنوبي، الذي يتم تصديره عبر الأراضي السودانية، وفقاً لاتفاق محدد بين البلدين. ويرى المراقبون أنه "إذا اندلعت الحرب ستُعمّق الشرخ بين البلدين، وستضع الخرطوم أمام مواجهة مع المجتمع الدولي".
مع ذلك، يستبعد البعض اندلاع الحرب، لـ"عدم قدرة البلدين على خوضها، خصوصاً أن الحرب الداخلية فيهما أنهكت خزينتيهما تماماً. كما أن الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لهما لا تساعدهما على الحرب، على اعتبار أنها ستكون حربا بين دولتين. ما قد يُتيح لكل طرف الاستعانة بحلفائه. ولن يسمح المجتمع الدولي بقيامها، كونها ستُشكّل تهديداً للمنطقة ككل".
ويقول المحلل السياسي خالد التجاني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "التهديدات والاتهامات المتبادلة بين البلدين، تصبّ في اتجاه تردّي العلاقات بينهما، على الرغم من تحسّنها بشكل واضح قبل اندلاع الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان، منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
وأوضح أن "خروج الخلافات والاتهامات المتبادلة، إلى العلن، يُعدّ مؤشراً خطيرأ، وإشارة إلى مزيد من التوتر، الأمر الذي من شأنه أن يتطور إلى مزيد من التصعيد". ورجّح أن تردّ جوبا على أي تحرك عسكري من جانب الخرطوم، على أراضيها. وأضاف أن "هذا من شأنه توسيع دائرة الحرب، وسيقود إلى تداعيات سلبية للبلدين".