كان لافتاً ما قاله والي مدينة إسطنبول التركية، علي يرلي قايا، قبل أيام، خلال لقاء إعلامي حضرته "العربي الجديد"، إن "السوريين ساهموا معنا بالتنمية"، بل وتوعد بفرض عقوبات على أرباب العمل، سوريين كانوا أم أتراك "إن لم يسجلوا العمال السوريين في أنظمة التأمين والضمان الاجتماعي"، واعداً بلقاء مع ممثلي غرفة تجارة إسطنبول في العاشر من أيلول/ سبتمبر، لتوضيح ما على قطاع الأعمال فعله تجاه السوريين، كأصحاب رساميل وعمالة.
وتوّج الوالي كلامه بقرار يصب في صالح أصحاب الرساميل: "هناك استثناء يطاول المستثمرين السوريين من حملة ملاحقة المخالفين بإسطنبول، إن كانت استثماراتهم تشغل عمالة ومفعّلة منذ ثلاثة أشهر سابقة".
وبدأت الحملة ضد العمالة المخالفة في إسطنبول منذ شهرين تقريباً، وتتسع حالياً إلى ولايات أخرى، وتقوم على إلزام الشركات بالحصول على تصريح للعمال السوريين، وإدخالهم في نظم التأمين الصحي، إضافة إلى قرار أثار الجدل، وهو بطاقة "الكميلك"، أي بطاقة الحماية المؤقتة، التي يجب أن تكون صادرة في إسطنبول، وإلا يجب أن يعود العامل إلى الولاية المسجّل فيها، حتى لو كان يعمل في إسطنبول منذ سنوات.
التفكير بمغادرة تركيا
يرى رجال أعمال سوريون أن نهاية مهلة ملاحقة من لا يمتلك بطاقة حماية مؤقتة، بعد 30 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ستقلب موازين أعمالهم وتقلل من نقاط القوة التي يضفيها العامل السوري في المنشآت، ما يضعف من قدراتهم التنافسية ويقلل من الإنتاج والأرباح. وبالتالي، هذا الواقع يضعهم أمام خياري البقاء بتركيا التي يمكن أن تطور قوانينها وتزيد من الخناق على أعمال السوريين، أو البحث عن بلد آخر.
ويشير المستثمر السوري إلى ترك 10 عمال منشأته منذ الشهر الماضي، ما دفعه إلى زيادة ساعات العمل ورفع الأسعار بنحو 10 في المائة بعد زيادة الأجور والضرائب وتراجع المبيع بأكثر من 30 في المائة. ويقول: "استثماري يوازي نحو 100 ألف دولار، وأفكر الآن بالهجرة إلى ألمانيا".
ويضيف بهلوان في حديث مع "العربي الجديد"، أنه بعد إبعاد السوريين عن إسطنبول وملاحقتهم، "تراجع عدد زبائنا بنحو 30 في المائة وبالتالي انخفض المبيع وكذا الأرباح، وبتنا ملزمين بدفع تأمين العمال بعدما كنا معفيين منه، واستصدار إذن العمل، وكل ذلك ترافق مع ركود في السوق التركية".
قطاعات متأثرة
وتؤكد مصادر "العربي الجديد" أن أحد كبار المستثمرين السوريين بقطاع النسيج بدأ يتحدث عن نقل استثماره إلى مصر رغم أن أحد أبنائه حصل على الجنسية التركية والآخر يدرس في جامعة تركية ومرشّح للحصول على الجنسية. وتقول المصادر: "هناك لا يوجد شرط تشغيل خمسة مصريين مقابل كل سوري ولا توجد ضرائب، ومصر الوحيدة التي لم تتغير لجهة استقبال السوريين".
عضو مجلس إدارة شركة "الياسمين" للصناعات الطبية محمد برو، يقول: "نحن نعمل في المنطقة الحرة، ولا تسري القرارات التي تطاول السوريين علينا، بما فيها الإيجابية. فمثلاً المستثمرون السوريون ليسوا ملزمين بتشغيل خمسة عمال أتراك مقابل كل سوري، في حين نحن ملزمون. كما لن تطاولنا الآثار السلبية من ناحية تراجع العمالة السورية وانخفاض المبيع وزيادة تكاليف الإنتاج، لأن إنتاجنا بغالبيته يصدر إلى خارج تركيا".
لكنه ورغم ذلك، يضيف: "إذا أتيحت أي فرصة لنقل منشآتنا إلى خارج تركيا، قد لا نتردد للحظة، ببساطة، لأن النظرة إلى السوريين تبدلت والتسهيلات تغيرت وحتى التعاطي الاجتماعي التركي معنا لم يعد مثل السابق".
التسهيلات متوافرة
ويشرح عضو مجلس الإدارة: "لم يعد المناخ التركي مشجعاً اليوم، خاصة بالنسبة للسوريين، ثمة قلق وضبابية، وهما أكثر ما يخيفان رأس المال، إذ من يضمن عدم إصدار قرارات أخرى لاحقاً ومن يتعهد بأن يبقى السوريون بتركيا؟".
ويضيف يبرودي خلال حديثه مع "العربي الجديد": "ما زال السوري موضع ترحيب وحفاوة من الدولة والحكومة، رغم بعض ردات الفعل الشعبية نتيجة التحريض، ولكن تركيا تقدم للمستثمرين عموماً، وللسوري على وجه التحديد، كل التسهيلات والإعفاءات".
ضخ الأموال والمخاوف المستقبلية
لم يتوقف السوريون، حتى منتصف العام الحالي، عن استثمار أموالهم في تركيا، رغم التبدلات السياسية، كما تؤكد مصادر خاصة لـ "العربي الجديد". كما حلّ السوريون في المرتبة الأولى لجهة الحصول على تصاريح العمل، في العام الماضي، بعدما حصل نحو 21 ألف سوري على أذون عمل، بنسبة 24 في المائة من مجمل ما منحته وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية.
ويقول المستثمر السوري نزار بيطار، لـ "العربي الجديد": "لا ننكر أو نتنكر لما فعلته تركيا، وصراحة لم نجده لدى شقيق أو صديق، ولكن هذا في الماضي، وهناك تبدلات اليوم في السياسة العامة التركية والتعامل الشعبي، وهو الأهم، يجعلنا نعيد النظر في استثماراتنا ومستقبل أولادنا، والبحث عن بلدان لجوء جديدة".
ويضيف المستثمر السوري: "كل الشكر لتركيا على ما فعلته من أجلنا، ولكن ربما لا يعلم من يضيّق على السوريين، أن الآثار السلبية ستكون متبادلة. فالسوريون في تركيا، أو عدد كبير منهم، ساهموا في تأسيس الشركات وهم من بين الأكثر إنفاقاً واستهلاكاً في البلاد، وساهموا في تنشيط القطاع العقاري ودورة رأس المال بالأسواق، وسيعرف الأتراك ذلك، بعد مغادرة السوريين".