بلغت تركيا مراتب متقدمة عالمياً في الشأن الصحي والعلاجي، إثر الاهتمام البالغ بهذا القطاع الذي يعمل فيه نحو مليوني تركي، وتطورها إلى حد الاكتفاء الذاتي، بإنتاج كل اللوازم الصحية، من أجهزة ولقاحات وأدوية، وبروزها في مجالات نقل الأعضاء، وزراعة نخاع العظام، والعمليات الجراحية المتعلقة بمرض السرطان.
وكسب تركيا الرهان على مستويي الجودة والسعر المنافس، بحسب المتخصصين الذين أجمعوا على أن المسؤولين في تركيا يعولون على زيادة عائدات قطاع السياحة العلاجية في العالم الحالي 2018، خصوصا هؤلاء الذين يقصدون تركيا لتلقي الجراحات التجميلية، ابتداء من زراعة الشعر، وصولاً إلى تصحيح التشوهات الخلقية.
ويقول مستشار وزارة الصحة التركية، أيوب غوموش، إنه من المتوقع أن يصل عدد المرضى الأجانب الذين يتلقون العلاج في تركيا عام 2018 إلى أكثر من مليون شخص، وأن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من مليونين، بحلول ذكرى مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023.
ويضيف غوموش، في تصريحات صحافية أخيرة، أن عدد المرضى الدوليين المسجلين الذين تلقوا العلاج في تركيا، العام الماضي، بلغ حوالي 450 ألفا، وناف عدد المرضى الدوليين غير المسجلين حوالي 300 ألف.
ويرى الطبيب نذير زرزور، أن ثمة أسبابا دفعت تركيا إلى الواجهة على مستوى المنطقة والعالم، في القطاع الصحي، ففضلاً عن الاهتمام الحكومي منذ عام 2005 بهذا القطاع، ودخول معظم المشافي الخاصة تصنيف 5 و6 نجوم، وتصنيفها ضمن المراكز الصحية المتطورة عالمياً؛ جاءت حروب المنطقة العربية، إثر ثورات الربيع، لتدفع كثيرا من المصابين إلى العلاج في تركيا.
وتوقع صاحب مشفى في إسطنبول، زرزور، خلال تصريحه لـ "العربي الجديد"، أن يزيد عدد المرضى عن المليون هذا العام، بعد أن ألغت تركيا شرط الحصول على التأشيرة (الفيزا) لمواطني بعض الدول، وزيادة شهرتها في بعض القطاعات، وفي مقدمتها العلاج التجميلي وزراعة الشعر.
وبيّن الطبيب التركي، أن من أهم أسباب شهرة تركيا في هذا القطاع، هي الأسعار التي لا تُقارن بأوروبا، لدرجة قدوم الكثير من الأوروبيين للعلاج والتجميل في تركيا، إضافة إلى تطور المراكز الطبية واستخدامها أحدث الأجهزة وطرائق العلاج في العالم، معتبراً أن لجمال الطبيعة وحسن التعامل التركي مع السياح، سبباً إضافياً لما سبقه.
وعادت، العام الماضي، السياحة التركية إلى ألقها، بعد عام الانقلاب الذي تراجعت خلاله بأكثر من 30 في المائة عن عام 2015، إذ زار تركيا عام 2017 نحو 32.4 مليون سائح، بنسبة عائدات وصلت إلى 26 مليار دولار. ويؤكد وزير السياحة التركي، نعمان كورتولموش، أن وزارته تهدف إلى استقطاب 38 مليون سائح خلال العام الجاري، متمنيا أن يحقق هذا الرقم عائدات بقيمة 30 مليار دولار. وأوضح كورتولموش، في تصريحات للصحافيين بمدينة بودروم التركية أخيراً، أن قطاع السياحة تراجع في عام 2016، ولكن تم تدارك ذلك التراجع خلال العام الماضي، وبدأ القطاع في التحسن.
وتعزو مصادر من مجلس السياحة العلاجية التركي ارتفاع عائدات هذا القطاع، إلى التكاليف المنخفضة، مقارنة بدول أوروبا الغربية وأميركا، ففي حين تصل تكلفة عملية القلب المفتوح في معظم دول أوروبا إلى أكثر من 30 ألف دولار، لا تزيد عن 20 ألفاً في تركيا، كما لا تزيد عملية زرع الشعر في تركيا عن ألف دولار، في حين تزيد على 7 آلاف في أوروبا، وعملية تركيب العظم الحرقفي (ما فوق الفخذ) الصناعي في الولايات المتحدة تكلف ما بين 40 و54 ألف دولار، بينما تكلف في تركيا ما بين 14 و15 ألف دولار فقط.
وتضيف المصادر أن السياحة العلاجية لا تقتصر على الشعر والعمليات الجراحية، بل تقدمت تركيا كثيراً في جراحة التجميل، وبلغت مراتب متقدمة على صعيد الأطفال ذوي التشوهات الخلقية، مثل الشفة والحلق المفتوحين، التي تعتبر الجراحة التجميلية فيها ضرورة ملحّة لتوفير عملية التغذية الطبيعية للطفل. كما شملت السياحة العلاجية الأمراض التنفسية والجلدية عبر زيارة مياه الينابيع الساخنة التي تحتوي أملاحا معدنية كينابيع "أويلات" وحماماتها الساخنة و"فوسفورلو" في مدينة أنطاليا، و"دملاطاش" التي تعد من المشافي الطبيعية لمرضى الربو.
ويشير صاحب مركز تجميل وزراعة شعر، في منطقة "ليفنت 4" بإسطنبول، أن فصل الشتاء يشهد عروضاً وحسم أسعار يصل إلى 20% مع تأمين إقامة وتنقل ورحلات سياحية. وبيّن صاحب مركز التجميل "بولانت" أن سائحي زراعة الشعر لا يقتصرون على منطقة الخليج العربي، كما يشاع، بل يأتي زبائن من الدول الأوروبية إلى المراكز التركية، نتيجة انخفاض التكاليف مقارنة مع بلدانهم، كما أن زراعة الشعر لا تقتصر على الرأس فحسب، بل دخلت زراعة الشاربين واللحى والحواجب، طبعاً إلى جانب تخصصات إزالة الشعر بأحدث التكنولوجيا العالمية.
وتشير أرقام معهد الإحصاء التركي، إلى ارتفاع أعداد السائحين الذين استضافتهم تركيا في قطاع الصحة، خلال العام الماضي، والذين زادوا على 450 ألف مريض مسجل، في حين يتوقع مراقبون أن يكون عدد غير المسجلين، يساوي أو يزيد على هذا الرقم.
ويؤكد مختصون لـ "العربي الجديد" أن القادمين للعلاج ينفقون أكثر من غيرهم، فمتوسط إنفاق الفرد في السياحة العلاجية يقارب و2500 دولار، في حين أن متوسط إنفاق السائح العادي يقارب 600 دولار فقط.
ويضيف المختصون أن تطور تركيا في قطاع السياحة العلاجية، يمكن أن يوصلها إلى أول مرتبتين في العالم، خاصة في مجال العمليات التجميلية وزراعة الشعر وحرق الدهون.
وجاء ذلك برأيهم، بعد التطورات الاقتصادية السريعة التي عاشتها تركيا مع التحولات الفكرية نحو الانفتاح على الخارج، مترافقاً مع الإصلاحات القانونية والإنجازات والتطورات في القطاع الصحي، التي تعتبر بمثابة المعجزة في القطاع الطبي من حيث عدد المشافي، خاصة المدن الطبية وزيادة عدد كليات الطب، والتحسن الملموس في زيادة عدد الأطباء والكفاءات والمهارات، والتميز في مجالات حساسة، من أهمها نقل الأعضاء، ومعالجة السرطان، مما جعل تركيا تصبح اليوم الدولة الثالثة بعد الولايات وألمانيا في السياحة العلاجية من حيث العدد والواردات، والخامسة من حيث عدد السياحة العلاجية بعد تايلاند والهند.