01 نوفمبر 2024
السيسي الصغير يكاد يأتي على مصر الكبيرة
من ضمن الأدوات التي وظفتها "الدولة العميقة" في مصر لإطاحة الرئيس المدني المنتخب، محمد مرسي، في عامه اليتيم في الحكم (يونيو/ حزيران 2012- يونيو/حزيران 2013)، شعار: "مصر كبيرة عليك"، وذلك كنايةً عن أنه وجماعته، الإخوان المسلمون، أصغر من أن يحكموا بلداً بحجم مصر. طبعا، لم يكن الشعار مقتصراً على تعييرٍ فحسب، بل إنه أسند بمخططات وحيل وألاعيب لإفشال الرجل وتجربته، وهو ما تمَّ "للدولة العميقة" في المحصلة عبر انقلاب عسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، قاده الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع. حينها، تمت صياغة جملةٍ أخرى من الشعارات، لتقديم الرجل وتأهيله للحكم، فهو كان "المنقذ"، بل "الدَّكَرُ"، في حالةٍ من الإسفاف لم تشهدها مصر حتى في أحلك فتراتها.
اليوم، وبعد قرابة العامين والنصف عام في الرئاسة، يترنح "المنقذ"، وتترنح مصر معه، بل إن مصر تكاد تسقط في أتون فوضى مدمرة، فالاقتصاد على أبواب انهيار شامل، حيث لم تعد تجدي معه كل الوصفات العلاجية الاقتصادية، وما عاد "الرُزُّ" الخليجي والدولي الذي تجاوز الأربعين مليار دولار منذ الانقلاب قادراً على انتشاله من أزمته. مصر ثقب أسود، مهما وضعت فيه من مال اختفى بفعل الفساد وسوء الإدارة وتراكم الفشل. ولم يعد من المستغرب أن تقرأ اليوم تقارير عن نفاد صبر الشعب المصري من "المنقذ" و"الدَّكَرِ"، فالضرائب في حال تصاعد مستمر، بشكلٍ أنهك كاهل المواطن، والتضخم بلغ سقوفاً غير مسبوقة، وأسعار الغذاء والكهرباء والوقود ترتفع باضطراد، والجنيه انهار أمام الدولار، وكثير من السلع الأساسية، كالسكر وحليب الأطفال، تختفي من الأسواق. وليت الأمور تقف عند ذلك الحد، حيث ثمّة قمع وكبت وسجون وقتل في الشوارع للمعارضين. إذن، مصر على أبواب انفجار، إن لم تتغير الظروف والمعطيات، شاء السيسي أم أبى، وسواء انتشر جيشه في كل أنحاء مصر خلال ساعات ست، كما هدّد من سيفكر بالتظاهر ضد فشله، الشهر الماضي، أم حتى خلال ساعة واحدة.
ولكن، كيف يتعامل السيسي مع هذه الأزمات التي تكاد تعصف بحكمه وتعصف بمصر معه؟
هنا مكمن المفارقة، فـ"المنقذ" و"الدَّكَرُ"، والذي، كما قال هو نفسه في مايو/أيار 2014، عندما كان مرشحا للرئاسة: "أنا بتعذب أوي وأنا بتكلم"، ذلك أن كلامه "بيعدي على فلاتر"، هي: "فلتر الصدق وفلتر الأمانة وفلتر الحق، ثم الآخر ده يرضي ربنا أقوله ولا مقولوش".. هذا "المنقذ" و"الدَّكَرُ"، ليس كذلك أبداً، ولا كلامه يمر بفلاتر كما يزعم. فقط قبل أيام، وتحديدا يوم الثلاثاء الماضي (25 /10)، فاجأ السيسي الحضور في "المؤتمر الوطني الأول للشباب" في شرم الشيخ، بقوله: "أنا واحد منكم.. والله العظيم قعدت 10 سنين تلاجتي كان فيها ميه بس، ومحدش سمع صوتي.. أنا من أسرة غنية جداً وآسف إني بقول كدا على نفسي لكن بقولكم على عزة وعفة النفس ..دا أمر مش بيجي بالساهل"! قد يقول أحدهم إن هذا خطأ غير مقصود، وجَلَّ من لا يسهو، غير أن "أخطاء" السيسي أكثر من أن تعد وتحصر. إنه الرجل نفسه الذي عندما يواجه بأسئلةٍ عن معضلات الاقتصاد المصري، يجيب غاضبا: "أنا مش قادر أديك، أجيبلك منين"! وعندما يسأل عن فشل النظام التعليمي، يجيب: "أجيبلكم منين وبكام؟ مفيش". أما عن حلوله لغيبوبة الاقتصاد المصري، فهي من مثل: "لو عايزين استقلال حقيقي يبقي ماتاكلوش ولا تناموش"، أو دعوته المصريين التبرع بـ"الفكّة"، وكأنه لا يعلم ما جاء في بيانات تقرير "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" المصري، قبل أقل من أسبوعين، والتي أظهرت ارتفاع نسبة الفقراء إلى 27.8% خلال عام 2015 مقابل 25.2% عام 2011. وحسب التقرير، فإن نسبة الفقر المدقع ارتفعت في مصر لتصل إلى 5.3% من السكان خلال عام 2015، مرجعًا ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وجاء في التقرير أن 322 جنيهاً، نحو (35 دولارًا)، هو متوسط قيمة خط الفقر المدقع للفرد في الشهر عام 2015، في حين أن 482 جنيهاً نحو (53 دولاراً) هو قيمة خط الفقر الكلي للفرد في الشهر. ولفت التقرير إلى أن 56.7% من سكان ريف الوجه القبلي لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من (الغذائية وغير الغذائية)، مقابل 19.7% في ريف الوجه البحري، وتقل تلك النسبة إلى أقل من الثلث في حضر الوجه القبلي 27.4%، في حين أن 15.1% من سكان المحافظات الحضرية فقراء.
من أين سيأتي هؤلاء بـ "الفكّة" ليتبرعوا بها؟ وهل فعلاً أن الشعب المصري يأكل وينام ملآن البطن قرير العين، ليطالبه السيسي بألا يأكل ولا ينام؟ وهل يتوهم السيسي أن شعبه يصدّق
دعواته إلى التقشف، وبأنه لم يكن في ثلاجته يوماً إلا الماء؟ تُرى، هل نسي المصريون صور موكب سيارات السيسي تسير على سجاد أحمر، فُرِشَ لها لمسافة خمسة كيلومترات تقريبا في أثناء افتتاحه "مشاريع" في مدينة 6 أكتوبر قرب القاهرة في فبراير/ شباط الماضي؟ المفارقة، أن تلك الحادثة تزامنت مع تصريحاتٍ له حول عدم قدرة الدولة على دعم مياه الشرب، في حين قدّرت تقارير صحافية تكلفة مَدِّ السجاد الأحمر لموكبه بأكثر من مئتي ألف دولار (!)، أم هل، يا ترى، يظن السيسي أن الشعب المصري نسي أن الدراجة الهوائية التي جال بها بعض أحياء القاهرة، عام 2014، خلال ترشحه للرئاسة، تزيد تكلفتها على أربعة آلاف دولار أميركي؟
تحت حكم السيسي، تحولت مصر إلى بلاد قمع ورعب وتخلف، بل وإلى "دولة مرتزقة"، تبيع مواقفها السياسية كما في سورية واليمن. الأدهى أنها تحولت إلى مهزلة بين الأمم. أم هل، يا ترى، نسينا إعلان "الإدارة الهندسية" في القوات المسلحة المصرية، عام 2014، ابتكار علاج جديد للمصابين بفيروسي الالتهاب الكبدي الوبائي والإيدز عن طريق جهاز "سي سي دي"، الذي اشتهر بـ"جهاز الكفتة"؟
أثبتت تجربة السيسي في الحكم، أكثر من سنتين عجاف، أن مصر كبيرة عليه، وعلى نظامه وعلى المؤسسة العسكرية الانقلابية، التي تقوم بكل شيء، عدا الدفاع طبعاً، من التجارة إلى الاحتكار للسلع الأساسية، من غذاء ووقود، إلى فساد. مصر على أبواب انفجار شعبي كبير، فهي تواجه شبح المجاعة، كما شبح العطش، وإنْ لم يحدث تغيير جذري في منظومة حكم مصر "الكبيرة" فإن "الصغار" سيأتون عليها.
اليوم، وبعد قرابة العامين والنصف عام في الرئاسة، يترنح "المنقذ"، وتترنح مصر معه، بل إن مصر تكاد تسقط في أتون فوضى مدمرة، فالاقتصاد على أبواب انهيار شامل، حيث لم تعد تجدي معه كل الوصفات العلاجية الاقتصادية، وما عاد "الرُزُّ" الخليجي والدولي الذي تجاوز الأربعين مليار دولار منذ الانقلاب قادراً على انتشاله من أزمته. مصر ثقب أسود، مهما وضعت فيه من مال اختفى بفعل الفساد وسوء الإدارة وتراكم الفشل. ولم يعد من المستغرب أن تقرأ اليوم تقارير عن نفاد صبر الشعب المصري من "المنقذ" و"الدَّكَرِ"، فالضرائب في حال تصاعد مستمر، بشكلٍ أنهك كاهل المواطن، والتضخم بلغ سقوفاً غير مسبوقة، وأسعار الغذاء والكهرباء والوقود ترتفع باضطراد، والجنيه انهار أمام الدولار، وكثير من السلع الأساسية، كالسكر وحليب الأطفال، تختفي من الأسواق. وليت الأمور تقف عند ذلك الحد، حيث ثمّة قمع وكبت وسجون وقتل في الشوارع للمعارضين. إذن، مصر على أبواب انفجار، إن لم تتغير الظروف والمعطيات، شاء السيسي أم أبى، وسواء انتشر جيشه في كل أنحاء مصر خلال ساعات ست، كما هدّد من سيفكر بالتظاهر ضد فشله، الشهر الماضي، أم حتى خلال ساعة واحدة.
ولكن، كيف يتعامل السيسي مع هذه الأزمات التي تكاد تعصف بحكمه وتعصف بمصر معه؟
وجاء في التقرير أن 322 جنيهاً، نحو (35 دولارًا)، هو متوسط قيمة خط الفقر المدقع للفرد في الشهر عام 2015، في حين أن 482 جنيهاً نحو (53 دولاراً) هو قيمة خط الفقر الكلي للفرد في الشهر. ولفت التقرير إلى أن 56.7% من سكان ريف الوجه القبلي لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من (الغذائية وغير الغذائية)، مقابل 19.7% في ريف الوجه البحري، وتقل تلك النسبة إلى أقل من الثلث في حضر الوجه القبلي 27.4%، في حين أن 15.1% من سكان المحافظات الحضرية فقراء.
من أين سيأتي هؤلاء بـ "الفكّة" ليتبرعوا بها؟ وهل فعلاً أن الشعب المصري يأكل وينام ملآن البطن قرير العين، ليطالبه السيسي بألا يأكل ولا ينام؟ وهل يتوهم السيسي أن شعبه يصدّق
تحت حكم السيسي، تحولت مصر إلى بلاد قمع ورعب وتخلف، بل وإلى "دولة مرتزقة"، تبيع مواقفها السياسية كما في سورية واليمن. الأدهى أنها تحولت إلى مهزلة بين الأمم. أم هل، يا ترى، نسينا إعلان "الإدارة الهندسية" في القوات المسلحة المصرية، عام 2014، ابتكار علاج جديد للمصابين بفيروسي الالتهاب الكبدي الوبائي والإيدز عن طريق جهاز "سي سي دي"، الذي اشتهر بـ"جهاز الكفتة"؟
أثبتت تجربة السيسي في الحكم، أكثر من سنتين عجاف، أن مصر كبيرة عليه، وعلى نظامه وعلى المؤسسة العسكرية الانقلابية، التي تقوم بكل شيء، عدا الدفاع طبعاً، من التجارة إلى الاحتكار للسلع الأساسية، من غذاء ووقود، إلى فساد. مصر على أبواب انفجار شعبي كبير، فهي تواجه شبح المجاعة، كما شبح العطش، وإنْ لم يحدث تغيير جذري في منظومة حكم مصر "الكبيرة" فإن "الصغار" سيأتون عليها.